السياسة في زمن كورونا ـ فرص الديمقراطية الرقمية؟
١٩ مايو ٢٠٢٠ألمانيا متطورة رقمياً، أمر ممكن حتى في السياسة. وقد برهن حزب الخضر على ذلك في بداية مايو/ أيار الجاري أثناء ما يُسمى المجلس الاتحادي. أكثر من 100 مندوب و30 ألف مشاهد أمام الشاشات. الديمقراطية عبر البث الحي. وحتى لو أن المجلس الاتحادي ليس مؤتمراً حزبياً حقيقياً، فإنه كان بالنسبة إلى الخضر وسيلة تجمع بين القيادة وقاعدة الحزب، لأن التجمعات العامة الكبرى مثل المؤتمرات الحزبية غير مسموح بها في وقت الوباء.
وكلا رئيسي الحزب، روبرت هابيك وأنالينا بيربوك كانا يقفان بالكمامة ومع التباعد الاجتماعي أمام الكاميرا في مقر الحزب في برلين. وكان النواب على اتصال بالفيديو من جميع أنحاء البلاد، وكان الصوت أحياناً ينقطع أو الصورة تضمحل.
الرقمنة أو التأجيل
في هذا السياق يعتقد المستشار السياسي مارتن فوكس أنه يمكن القول عموماً إن سير التظاهرة "متيناً ومقبولاً". ويكتب فوكس في تدوينته عن السياسة والاتصال الرقمي، وأنه يوجد هذا النوع من التظاهرات مثل التي نظمها الخضر، كما يقول لـ DW: "فهذا يسعده كثيراً، لأن المجتمع يتبنى الرقمنة بشكل سريع". وعلى السياسة في ألمانيا مواكبة الركب، لأنها متأخرة في مقارنة بدول أخرى.
وكانت الأحزاب الألمانية قد أجلت مؤتمراتها الحزبية، وهي أكبر المناسبات لاتخاذ القرارات المصيرية، إلى الخريف أو الشتاء، باستثناء الحزب الاجتماعي البافاري، الشقيق الأصغر المتحالف مع الحزب المسيحي الديمقراطي، الذي يريد تقليد الخضر وعقد مؤتمره في الـ 22 من مايو/ أيار اعتماداً على التقنيات الرقمية. وكان الحزب قد عدل في السنة الماضية ـ قبل كورونا بكثير ـ قوانين الحزب بحيث أن مؤتمر الحزب الرقمي يتناسب مع المعطيات.
تبدو وزيرة الدولة للرقمنة في المستشارية، دوروتي بير (من الحزب الاجتماعي المسيحي) فخورة بهذه الانجازات. وفي هذا السياق تقول بير في حوار مع DW إن "الحزب الاجتماعي المسيحي كان سباقاً دوماً عندما يتعلق الأمر بالعمل الحزبي الرقمي". وتضيف أن مؤتمر الحزب الرقمي له عدة فوائد ابتداء من الجانب اللوجيستي. فعلى سبيل المثال لا يضطر المندوبون إلى السفر لساعات طويلة وصولاً إلى ميونيخ حيث يعقد المؤتمر. وكشف استطلاع في الحزب الاجتماعي المسيحي، كما تقول بير، " أن 90 في المائة من الأعضاء يرغبون في المزيد من العمل الحزبي الرقمي".
الديمقراطية تعني النقاش واللقاء
لكن المؤتمر المرتقب للحزب الاجتماعي المسيحي يكشف عن حدود الديمقراطية الرقمية. وبإمكان المندوبين في الـ 22 مايو/ أيار التصويت عبر طلبات واقتراحات، لكن ليس حول المناصب أو القوانين. وهذا حسب قانون الأحزاب الألماني غير مسموح به، كما يعلن خبير السياسة فوكس الذي قال: "فكرة القانون الأساسي هي أن تحصل الانتخابات في شكل سري"، وكل شيء آخر يمكن تزويره.
ومؤتمرات الحزب الرقمية، كما قال فوكس ليست إلا "إمكانية إضافية" لديمقراطية حية. فلا يمكن لها تعويض المؤتمرات الحزبية التي تعيش ليس فقط من الخطب، وإنما من شبكات التواصل الاجتماعي أيضاً. وهذا النوع من التظاهرات هو الفرصة التحفيزية للأحزاب.
والإنترنت ليس بإمكانه تعويض هذه التظاهرات. وهذا ما تراه أيضاً وزيرة الدولة دوروتي بير إذ تقول: "لا يجب عليه أن يفعل ذلك. يمكن لي بالنسبة إلى المستقبل تصور مزيج". لكن رقمنة السياسة والمجتمع بصفة عامة تمثل "فرصة"، كما يقول ماركو بوشمان من الحزب الليبرالي المعارض.
ومدير الأعمال البرلماني الأول هو عضو في مجموعة عمل تابعة لرئيس البرلمان من شأنها الدفع إلى الأمام بالرقمنة داخل البرلمان حتى بعد فترة كورونا. "لدينا حالياً فرصة هائلة لدعم الرقمنة في الدولة والمجتمع، لأن الحاجة ببساطة تدفعنا إلى التخلي عن بعض الاعتراضات"، يقول بوشمان لـ DW.
فيتم مثلاً التفكير داخل مجموعة العمل في عقد جلسات كتل حزبية كبديل أو "إجراء جلسات البرلمان رقمياً" بالنسبة إلى البرلمانيين الذين ليس بوسعهم الحضور داخل البرلمان. وهذه نقاشات، كما ألمح بوشمان " لم تكن قبل أسابيع واردة في الأذهان".
الانتخاب بالأسلوب الرقمي؟
المدون ووزيرة الدولة من الحزب الاجتماعي المسيحي والسياسي الليبرالي متفقون في نقطة: الانتخابات لا يجب أن تخضع للرقمنة، على كل حال ليس الآن. ويعتقد خبير السياسة فوكس أن " الانتخاب الرقمي أو الانتخاب عبر الإنترنت معرض للهجوم".
وحتى وزيرة الدولة دوروتي بير لديها شكوك، فهي تعتقد أنه يمكن من خلال ذلك الرفع من نسبة المشاركة في الانتخابات، لكن التلاعب لا يمكن استبعاده:" حالياً لا أستبعد الشكوك الفنية والدستورية بالنظر إلى انتخابات برلمانية عبر الإنترنت". لكن بصفة عامة يمكن لبير أن تتصور انتخابات عبر الإنترنت عندما يتم تأمين الأنظمة ضد التلاعب.
وألمانيا تقدمت خطوة إلى الأمام في رقمنة السياسة والإدارة وتنظيم العمل في زمن كورونا: فمؤتمرات الفيديو وجلسات الكتل واللجان الرقمية والاستمارات الالكترونية لدى الإدارات والعمل من البيت باتت جزء من الحياة اليومية. لكن قضية لا يحق أن تحصل، كما يحذر ماركو بوشمان من الحزب الليبرالي وهي عند اكتشاف لقاح أو دواء ضد كوفيد 19 ثم أن يقول الجميع: "جميل الآن بوسعنا الاستمرار فيما قمنا به إلى حد الآن". وإلا ستتأخر ألمانيا مجدداً في رقمنة مجال السياسة.
فولكر فيتينغ/ م.أ.م