"الصراع السياسي الداخلي ليس وحده المسؤول عن القتل العشوائي في العراق"
٩ ديسمبر ٢٠٠٩أمل العراقيين بانفراج سياسي وأمني بعد التوصل إلى اتفاق حول قانون الانتخابات لم يدم طويلا. فقد تكررت يوم أمس (8 كانون الأول/ ديسمبر 2009) الهجمات الانتحارية بالسيارات الملغومة، التي تخلف أعدادا كبيرة من الضحايا. وجاءت هذه الهجمات بعد هدوء نسبي تلا هجمات الأربعاء الدامي في آب/ أغسطس الماضي، وهجمات الأحد الدامي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وكما في كل توجه الاتهامات من هذا الطرف أو ذاك باتجاهات متقاطعة ترتبط بالموقف السياسي للجهة التي تطلقها.
أما الشارع العراقي المبتلي بالعنف والعنف المضاد فهو الذي يدفع ضريبة الدم لغياب الأمن، ويعتقد كثير من العراقيين أن الصراع بين القوى السياسية على مواقع القوة والنفوذ يقف في الغالب وراء الهجمات التي تبدو عشوائية في أهدافها. غير أن خبير العلاقات الدولية قاسم خضر عباس وأحد مستشاري الحكومة العراقية يرى بأن " هناك بعض الأحزاب قد تكون مسؤولة عن بعض أعمال العنف، إلا أنه من غير الممكن اعتبار الصراع السياسي داخل العراق مسئولا بشكل مطلق عن جرائم القتل العشوائية ". وأضاف عباس في حديث مع دويتشه فيله: " أن الكثير من عمليات القتل تُمارس من قبل جهات تقف خلف الحدود وتحمل فكرا ينكر الآخر ويكفّره ويبيح قتله، كما أن الذين يقومون بذلك لا يخفون نشاطهم بل أن فضائياتهم ومواقع الكترونية عديدة تروج لنشاطهم وتبثه بعنوان انتصارات".
"أجهزة الدولة كانت تتوقع التفجيرات"
أما الحكومة العراقية من جهتها فتعلن باستمرار أنها تخوض حربا ضروسا في مواجهة الإرهاب، غير أن إعلاناتها هذه تتغافل حقيقة أنّ الفساد الإداري والرشوة مستشريان في أجهزة الدولة إلى درجة أن عددا من المتورطين والمتهمين بتجاوزات وجرائم لا يطالهم القانون. ومن الأمثلة على ذلك تحسين الشيخلي الناطق باسم "خطة فرض القانون في بغداد" الذي تعرض شخصيا مطلع عام 2008 إلى عملية اختطاف قام بها عناصر احد التيارات السياسية المشاركة في السلطة، ولم يستطع الشيخلي الذي مكث في اسر الخاطفين مدة طويلة وتعرف عليهم، لم يستطع أن يبلغ السلطات عنهم. تحسين تحدث من مكتبه في بغداد إلى دويتشه فيله فقال: " يحاول الإرهاب أن يستغل الفرص لتمرير جرائمه، والعالم بأسره يخوض معركة مع الإرهاب". ثم كشف الشيخلي عن أن أجهزة الأمن العراقية كانت تتوقع ما حدث اليوم، لكن التصدي له صعب لأن الأمكنة التي استهدفتها الهجمات عامة مكتظة بالناس، ما يجعل حمايتها في غاية التعقيد، حسب رأيه.
"اختلافات إيديولوجية عميقة بين حزب البعث وتنظيم القاعدة"
وفيما اعتبرت بعض المصادر النيابية في بغداد أن الهجمات أصبحت تستهدف المدارس في محاولة من المهاجمين لتخويف التلاميذ وإبعادهم عن المدارس ما يضيف عبأ جديدا على الحكومة المحملة بما يكفيها من الأعباء، فقد حمّلت أطراف أخرى من بينها قاسم خضر عباس حزب البعث مسؤولية كل أعمال العنف معتبرا إياه شريكا لتنظيم القاعدة في محاولة تخريب التجربة العراقية. غير أن الباحث في المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية في دمشق نزار السامرائي، يرى في لقاء مع دويتشه فله : "إن حزب البعث لم يكن عائقا يحول دون تعليم الناس، وقد أحرز العراق أيام حكمه في سبعينات القرن الماضي جائزة اليونسكو لنجاح الحكومة آنذاك في القضاء على الأمية".
كما يرى السامرائي بأن الاتهام الموجه للبعثيين بالتحالف مع تنظيم القاعدة ليس صحيحا، لأن هناك برأيه اختلافات أيديولوجية عميقة بين البعث والقاعدة، لكون الأول حزب علماني والثاني تنظيم أصولي إسلاموي. كما اعتبر "بأن مطلقي هذه الاتهامات يحاولون أن يصرفوا نظر الناس عن حقيقة إخفاقهم المريع في فرض الأمن على الشارع بعد ستة أعوام من توليهم الحكم" .
الكاتب: ملهم الملائكة
مراجعة: ابراهيم محمد