الصراع بين إسرائيل وحماس: ما هي قواعد القانون الدولي؟
٢٢ أكتوبر ٢٠٢٣الحرب قاسية ومروعة؛ لأن الحرب هي عنف، أو بتعبير أدق: استخدام العنف المنظم لتحقيق أهداف سياسية. إن تأطير هذا العنف بقواعد هو هدف القانون الدولي. ولكن بالنسبة لما يحدث في إسرائيل وغزة ليست الأمور بتلك السهولة.
بيد أن تصنيف الهجوم الوحشي الذي نفذه إرهابيو حماس يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وأسفر عن مقتل أكثر من 1300 شخص واختطاف ما يقرب من 200 كرهائن، واضح جلي. يرى المختص الألماني بالقانون الدولي، شتيفان تالمون، للوهلة الأولى في الهجوم "قتل جماعي". لكنه وعند وضعه في إطار الصراع المستمر منذ عقود بين إسرائيل والفلسطينيين توصل تالمون إلى استنتاج: "نظراً لأن هذا الهجوم الذي وقع في السابع من تشرين الأول/أكتوبر أخذ تلك الأبعاد والشدة، فإن القانون الدولي يفترض أننا نتعامل مع صراع مسلح هنا".
وبناء على ذلك، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حالة الحرب. في اليوم التالي للمذبحة التي وقعت في جنوب إسرائيل، قال نتنياهو بوضوح شديد إن جميع الأماكن التي تنشط فيها حماس أو التي تختبئ فيها سوف تتحول إلى أنقاض. ومنذ ذلك الحين، تقصف إسرائيل غزة. وذكرت مجلة إيكونوميست البريطانية أنه تم إلقاء 6 آلاف قنبلة في ستة أيام من الحرب المستمرة حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
وقال دانيال هاغاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إن "مئات الأطنان من القنابل" أسقطت على غزة، مضيفاً أن "التركيز ينصب على التدمير وليس على الدقة". ووفقاً للأرقام الفلسطينية، قُتل ما لا يقل عن 3000 شخص حتى الآن (19 تشرين الأول/أكتوبر 2023). وتبلغ مساحة قطاع غزة 365 كيلومتراً مربعاً فقط، وهي مساحة مدينة كولونيا الألمانية تقريباً.
الدفاع عن النفس، ولكن بحدود
إن حق إسرائيل فيالدفاع عن النفس ضد أي هجوم مسلح بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة أمر لا جدال فيه، إلا أن هذا الحق في الدفاع عن النفس مقيد بالقانون الدولي الإنساني. وأحد أهم المبادئ فيه هو شرط التمييز: يجب على الأطراف المتحاربة التمييز بين المدنيين والمقاتلين، بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية. لكن هذا يعني فقط أن المدنيين أو الأهداف المدنية يجب ألا يكونوا هدفاً للهجمات بشكل متعمد. وبالتالي، فإن قتل المدنيين محظور فقط إذا أمكن إثبات أنه تم عن عمد.
ومن الناحية العملية، يوضح أستاذ القانون الدولي، شتيفان تالمون، أن هذا يعني: "إذا قامت حماس بوضع موقع صاروخي في منطقة سكنية مدنية، فإن لإسرائيل الحق في ضرب موقع الصواريخ ذلك، حتى مع وجود خطر تضرر السكان المدنيين. وهذا الضرر الجانبي يمكن أن يكون مرتفعاً جداً، حسب الهدف وظروف العملية العسكرية".
إن التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية الذي يفرضه القانون الدولي يكاد يكون مستحيلاً في قطاع غزة، وهي واحدة من أكثر المناطق المأهولة بالسكان والأبنية على وجه الأرض. وتمتد أنفاق حماس كذلك تحت المباني السكنية، وتقع مقرات ومنشآت حماس أحياناً في المباني السكنية والمكاتب التجارية. والقانون الدولي لا يولي سوى القليل من الاعتبار لذلك.
"وجود حماس وقيادتها في المدارس والمساجد والمستشفيات يجعل من تلك المنشآت أهدافاً عسكرية مشروعة. وفي الوقت نفسه، إقامة حماس مواقع عسكرية في مناطق مدنية يعتبر جريمة حرب"، يوضح شتيفان تالمون.
العقاب الجماعي محظور
وتفرض إسرائيل حصاراً شاملاً على قطاع غزة. وتحدث وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، عن حصار كامل سيتم من خلاله قطع إمدادات الكهرباء والمياه والغذاء والوقود عن غزة. وتتهم منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية، "بتسيلم"، إسرائيل بارتكاب جرائم حرب نظراً لحجم الضربات الجوية والحصار. وتحدثت منظمة "أطباء بلا حدود" عن تعرض غزة لعقاب جماعي، ما يشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
ووفقاً للبروفيسور شتيفان تالمون: "يحظر القانون الدولي ما يسمى بالعقاب الجماعي، وفي هذه الحالة العقاب الجماعي لجميع السكان الفلسطينيين في قطاع غزة. ليس جميعهم أعضاء في حماس وليسوا جميعاً مسؤولين عن هذا الهجوم لكنهم يتأثرون برد فعل إسرائيل، أي بشكل عشوائي".
وبالإضافة إلى ذلك، يحظر القانون الدولي صراحةً تجويع السكان المدنيين. ويقول شتيفان تالمون: "إذا فرضت حصاراً كاملاً، فسوف ينفد الطعام أو مياه الشرب في مرحلة ما، وستكون هناك حالة مجاعة للسكان المدنيين. وهذا محظور بموجب القانون الدولي".
الإخلاء قانوني، والتهجير غير قانوني
في 13 أكتوبر/ تشرين الأول، أمر الجيش الإسرائيلي أكثر من مليون مدني في الجزء الشمالي من قطاع غزة، أي ما يقرب من نصف إجمالي السكان، بالانتقال إلى جنوب القطاع. وينطبق الأمر نفسه على المنظمات الدولية. ومن ناحية أخرى، دعت حماس السكان إلى البقاء، وبحسب الجيش الإسرائيلي، فقد منعتهم من الفرار.
ونظراً لأن البنية التحتية في قطاع غزة مدمرة، ولقلة عدد الأماكن التي يمكن أن يذهب إليها هذا العدد الكبير من الناس، فإن الأمم المتحدة تعتبر عملية الإخلاء مستحيلة. ووصف جان إيغلاند، وزير خارجية النرويج السابق والرئيس الحالي لمنظمة الإغاثة "المجلس النرويجي للاجئين"، وكذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أمر الإخلاء بأنه انتهاك للقانون.
لكن حتى تنفيذ الأمر الإسرائيلي لا يضمن السلامة؛ إذ أظهرت لقطات فيديو تحققت منها صحيفة واشنطن بوست عدداً من الأشخاص، من بينهم عدة أطفال، قتلى على ما يبدو في هجوم إسرائيلي أثناء فرارهم جنوباً يوم الجمعة الماضي (13 تشرين الأول/أكتوبر).
ومع ذلك، يوضح شتيفان تالمون: "من حيث المبدأ، فإن إجلاء السكان المدنيين من قبل قوة احتلال مسموح به بموجب القانون الدولي. على سبيل المثال، لضمان حماية وأمن السكان ولإعطاء الفرصة والحيز للعمليات العسكرية". وفي رأي أستاذ القانون الدولي، فإن إسرائيل لا تتصرف هنا "بشكل مخالف للقانون".
القانون الدولي الإنساني "قانون قديم"
"يحظر القانون الدولي أي محاولة لإسرائيل تهجير السكان من قطاع غزة بأكمله. لكن داخل أراضي العدو، يمكنني بالتأكيد تنفيذ عمليات إجلاء أو نقل قسري للسكان من أجل حمايتهم وأمنهم"، يتابع شتيفان تالمون.
بشكل عام، يعتبر القانون الدولي الإنساني أو القانون الدولي للحرب، كما كان يُطلق عليه في السابق، قانوناً قديماً، كما يقول شتيفان تالمون: "لقد وضعت القانون دول تفترض أنها ستشن حرباً في يوم من الأيام؛ لذلك لم ترغب في وضع أنفسها في أغلال أو فرض قواعد لا يمكنها الالتزام بها".
يذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
ماتياس فون هاين/ خ.س