"الضربات الأميركية في العراق والصومال رد فعل وحسب"
٢ سبتمبر ٢٠١٤DW عربية: ما الذي يجعل الولايات المتحدة الأميركية تشن في الوقت الراهن ضربات مختلفة على إسلاميين متشددين في مناطق مختلفة؟ هل بات الإسلاميون الآن أكثر خطرا من ذي قبل وهل نحن أمام حملة أمريكية جديدة ضد الإرهاب؟
وليد فارس: أولا الولايات المتحدة تشن عمليات على إرهابيين بغض النظر عن إيديولوجياتهم، سواء كانوا إسلاميين متشددين أو من عقائد أخرى.عمليا على الأرض لا تبادر واشنطن بهذه العمليات وإنما يأتي ذلك كرد فعل مثلما حصل في العراق عندما قامت داعش باجتياح ثلث العراق وثلث سوريا وارتكبت جرائم ومجازر كبيرة. وجاء هذا التدخل بناء على طلب من الحكومة العراقية الشرعية. نفس الشيء ينطبق على الصومال، فمجموعات شباب الجهاد الصومالية مصنفة سواء من أمريكا أومن الأمم المتحدة على أنها جماعة إرهابية وتقوم بعمليات ضد قوات السلام الإفريقية. وبطلب من الحكومة الصومالية باشرت الولايات المتحدة الأمريكية بشن ضربات جوية على عناصر هذا التنظيم.
إذن في النهاية، فإن الولايات المتحدة لم تستيقظ صباحا وبدأت بعمليات ضد الإسلاميين المتشددين، وإنما تعتبر هذه العمليات ضمن الخطة العامة للولايات المتحدة للرد على المجموعات الإرهابية. وإذا لاحظنا ففي كلا البلدين على الأقل وربما في اليمن أيضا كان هناك طلب مركزي من الحكومة المحلية للولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل.
هل تستطيع الولايات المتحدة الأميركية تحقيق نتائج من ضربات جوية في الصومال خصوصا وأنها فشلت فشلا ذريعا في السابق هناك؟
السؤال في تقدرينا هو ماذا إذا لم تقم الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الضربات ؟ الميلشيات الجهادية قد تتمكن من السيطرة على هذه البلاد وتجعل منها أفغانستان أخرى أو ليبيا أخرى، إذن ما تقوم به الولايات المتحدة لم يرقى حتى إلى العمل الوقائي بل هو رد فقط على عمليات تقوم بها هذه الميلشيات. أما الحرب العقائدية الشاملة التي يمكنها أن تؤدي في النهاية إلى إضعاف المجموعات الإرهابية فهذا أمر ليس فقط من مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية وإنما هو عمل من مسؤولية المجتمع الدولي والحكومات المحلية والأحزاب وأيضا المجتمع المدني.
ألا يخاطر الرئيس أوباما من خلال هذه العمليات بفقدان شعبيته لدى الرأي العام الأميركي خصوصا وأنه كان دائما يعارض التدخل العسكري في الخارج وقام بسحب الجنود الأميركيين من مناطق النزاع.؟
صحيح، هناك جزء من الرأي العام داخل معسكر الرئيس وخصوصا ممن صوتوا لصالحه، يعارضون القيام بأي عملية عسكرية في أي مكان وأي وقت. وهذا التيار بات ينتقد الرئيس حاليا. أما باقي التيارات في حزبه ومعظم الجمهوريين فرأيهم يختلف باختلاف نوع العملية العسكرية والجهة الموجهة ضدها. لكن أكثر المواطنين لا يريدون إقحام قوات أمريكية على أي أرض أجنبية في المرحلة الحالية. أما إذا تعلق الأمر بضربات جوية محدودة فأعتقد أن الأكثرية في الكونغرس تدعم الرئيس في ذلك. لكن في حال فشل الولايات المتحدة، رغم الضربات الجوية، في ردع هذه المجموعات كما يحصل حاليا في العراق أو في سوريا في المستقبل، فبالطبع سيكون هناك انتقاد كبير وقاس جدا داخل الكونغرس وفي الرأي العام الأمريكي.
هل يوجد مخطط لدى الإدارة الأميركية للقيام بعمليات عسكرية في سوريا أيضا؟
كانت هناك تساؤلات حول وجود مخطط أو إستراتجية بهذا الخصوص، وقال الرئيس، ليس لدي الآن إستراتجية بالنسبة لسوريا. ما كان يعنيه أوباما آنذاك هو أن الأجهزة المختلفة، سواء وزارة الدفاع ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي وغيرها من الأجهزة قدمت بالطبع له استراتجيات مختلفة، لكنه لم يختر واحدة منها والسبب في ذلك حسب اعتقادنا هو أن أوباما لم ينته بعد من عمله الدبلوماسي الحالي والهادف إلى جمع ائتلاف كبير بخصوص الخطوة المقبلة في سوريا.
لا ننسى أن الرئيس يجري اجتماعات مع حلف الناتو، حيث يعمل جاهدا لإقناع أعضاء الحلف بالمشاركة. وستكون جولات لوزير الخارجية في بعض الدول العربية والإسلامية. إذن عندما تكتمل الائتلافات الدولية التي يحتاجها أوباما، فسيختار الخطة المناسبة التي يمكنه إتباعها في سوريا مثلا، كأن يختار القيام بعمليات جوية أو يقرر دعم بعض الأطراف على الأرض.
هل إن اعتماد الولايات المتحدة الأميركية على حلفائها في دول الخليج في حربها على الإرهاب جاء بناء على تغيير في البنية السياسية والدينية لهذه الدول، التي كانت تتهم سابقا بدعم الإرهاب، أم أنه تحالف مصالح فقط؟
إذا نظرنا إلى هذه الدول، نجد أن هناك اثنين منها كانت تطرح حولهما في الماضي علامات استفهام، وهما المملكة العربية السعودية وقطر. بالنسبة للمملكة العربية السعودية من الواضح أن "داعش" والقاعدة تستهدفها وبشكل مباشر، وبالتالي فإن المملكة ومعها عدد من الدول كالإمارات والبحرين والكويت وربما الأردن أيضا شكلوا تكتلا عربيا سنيا معتدلا لمواجهة بزوغ داعش وحلفائها.
أما بالنسبة لقطر فالوضع مختلف، إذ توجد أطراف هنا في واشنطن وفي أوروبا تشتكي من أن الدعم المالي الذي قدمته قطر لبعض الأطراف الإسلامية ومنها الجهادية في سوريا على مدى سنوات، هو الذي كان وراء بزوغ داعش. وربما ليس بإمكان قطر الآن السيطرة على داعش، ولكن هناك ضغط عربي وأمريكي وسعودي على الدوحة لكي تقطع نهائيا هذه التمويلات وبالتالي تصبح جزءا من الحملة على الإرهاب في المنطقة.
هل إن تزامن الضربات الجوية على الصومال مع ضربات أخرى في العراق واليمن مبني على إستراتجية واضحة من شأنها إضعاف المتشددين الإسلاميين في أماكن مختلفة أم أنه مجرد فتح لجبهات قتال في أكثر من منطقة؟
ليست الولايات المتحدة الأمريكية من تفتح هذه الجبهات وإنما العكس. فعندما تقوم القاعدة بضربات عميقة في عمق اليمن، وعندما يقوم شباب الجهاد في الصومال بشن هجمات ضد الحكومة وعندما يظهر تنظيم مثل داعش، وربما قد نرى الشيء نفسه في في ليبيا، فهذا لا يعني أن الولايات المتحدة هي التي تشن هذه الحملة، بل هي تشن حملة مضادة . والنقاش الذي أصبح يطرح نفسه اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية هو كيف وصلت هذه المنظمات الجهادية المتشددة إلى السلطة والقوة التي هي عليها بعد كل هذه المساعدات الأمريكية.
وليد فارس أستاذ في جامعة الدفاع الوطنية وكبير الباحثين في "هيئة الدفاع عن الديمقراطيات" في الولايات المتحدة الأميركية ومستشار للكونغرس في الإرهاب ومختص في قضايا الإرهاب.