الطلاب العرب في ألمانيا - قصص كفاح لانتزاع الشهادات العليا
١٦ ديسمبر ٢٠١٢رامي الدمرداش شاب مصري يعيش في مدينة ماينتس، أتى إلى ألمانيا لإتمام دراساته العليا في مجال الترجمة بعدما درس لمدة سنتين في قسم اللغة الألمانية وآدابها التابع لكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر بالقاهرة. "لطالما اعتبرت أن أي لغة ينبغي أن تدرس في موطنها الأم وبين أهلها"، وهكذا قرر رامي الانتقال إلى ألمانيا للتخصص في علوم الترجمة، وهي الشعبة التي لم تكن متوفرة في مصر.
سبب آخر حفز الشاب المصري على الدراسة في ألمانيا، وهو "سمعة ألمانيا العريقة في مجال التعليم بشقيه النظري والتطبيقي، وهي من أكثر الدول جذباً للعقول في أوروبا، فعدد الطلاب الأجانب حسب إحصائيات 2010 يتجاوز مليوني دارس وباحث، وهذا عدد مهم". ويضيف رامي خلال حديثه لـDWعربية أن الدور السياسي والاقتصادي الهام الذي تلعبه ألمانيا في أوروبا يغري أيضاً الشباب القادمين من الخارج، بالإضافة إلى عامل آخر مهم وهو "التدني النسبي للرسوم الدراسية الجامعية رغم أن هذه النقطة أثارت جدلاً مؤخراً بعد إقرارها في بعض الولايات".
الجامعات الألمانية بوابة العمل
ورغم الصعوبات التي تواجه الطلبة الأجانب في ألمانيا ومن بينها اللغة، فإن نسبة الوافدين للدراسة فيها ارتفع مقارنة بالسنوات الماضية، كما أن نسبة الحاصلين على شهادات عليا من المهاجرين المقيمين في ألمانيا ارتفعت أيضاً، حسب دراسة حديثة نشرها معهد نورنبيرغ لأبحاث سوق العمل والوظائف. فقد ارتفع عدد الحاصلين على مؤهلات عليا من المهاجرين من 30 في المائة في عام 2005 إلى 44 بالمائة في عام 2010. كما أن 58 بالمائة من المشاركين في دروس اللغة الألمانية سنة 2011 اجتازوا امتحان المستوى المتوسط للغة الألمانية بنجاح.
ورغم أن الدراسة تشير إلى أن الوافدين من خارج الاتحاد الأوروبي يواجهون صعوبات أكثر من غيرهم بسبب العوائق الإدارية الرسمية في سوق العمل، إلا أن رامي الذي تخرج حديثاً من جامعة ماينتس، يبدو فخوراً لكونه حاصلاً على شهادة ألمانية، ومتفائلاً بخصوص آفاق العمل هنا. "لا ينبغي أن ننسى القدرة الاستيعابية التي تميز سوق العمل في ألمانيا وهي نتاج لاقتصادها القوي، وإذا أراد المرء العمل هنا، فإن الجامعات الألمانية في العادة هي البوابة التي ينبغي عبورها أولاً خاصة لغير الأوروبيين".
ويعلق رامي على مشاكل الطلاب العرب قائلاً: " صحيح أن هناك صعوبات في البداية، وأهمها باعتقادي اللغة وتمويل الدراسة بالإضافة طبعاً لمشاكل الغربة والاندماج، لكن القوانين الألمانية تسمح للطلاب بالعمل بالموازاة مع الدراسة، كما أنها تسمح لهم بالبحث عن عمل بعد التخرج وهذه أمور إيجابية لا ينبغي إغفالها".
السابقون واللاحقون.. تواصل أم نفور؟
وعن الاختلافات بين الأجيال الأولى من المهاجرين المصريين والطلبة الشباب، يقول رامي إن الكثير من المصريين الذين أتوا للدراسة في ألمانيا لم يتغيروا كثيراً بسبب البيئة المنعزلة التي يعيشون فيها، وكأن الهدف الوحيد الذي جاؤوا من أجله هو الحصول على شهادة، بينما التعلم هو أكثر بكثير من مجرد اجتياز امتحانات".
وفي مدينة بون التقينا بحسن، وهو شاب مغربي يعيش في ألمانيا منذ ست سنوات ويستعد لنيل شهادة الإجازة في مجال تقنيات الطب. جاء إلى هنا بعدما درس الألمانية في المغرب لمدة سنتين، ويقول حسن عن تجربته: "جئت إلى هنا دون تخطيط مسبق، فقط لأني كنت أدرس الألمانية في بلدي، لذا كانت ألمانيا الوجهة الأمثل عندما فكرت في مواصلة الدراسة في الخارج".
ومع ذلك فإن الشاب المغربي واجه صعوبات في بداية مشواره هنا بسبب اللغة لكنه استطاع التأقلم بسرعة مع النظام التعليمي الألماني كما يقول خلال حديثه لـDWعربية: "النظام التعليمي هنا سهل وغير مكثف، اعتبر أن نظام فرنسا مثلاً أكثر صعوبة. فمن أجل الدراسة فيها يجب أن يكون الطالب من المتفوقين في بلده، بينما ألمانيا لا تفرض مثل هذه الشروط".
أما أهم المشاكل باعتقاد لحسن فهي الاختلاف الثقافي وصعوبة الاندماج بالإضافة إلى غياب التوجيه. وعن علاقته بالأجيال السابقة من المهاجرين المغاربة يقول لحسن إن الجيل الأول من المهاجرين المغاربة جاؤوا في ظروف مختلفة عن التي جاء فيها هو، "لم تكن لديهم مستويات ثقافية ولغوية، لقد جاؤوا خصيصاً للعمل، بينما اليوم الجامعة هي الوسيلة الوحيدة للحصول على عمل هنا". ويستطرد قائلاً "نحن جيلان مختلفان كل له وجهته وطريقة تفكيره، أعتقد أن ما يجمعنا هو انتماؤنا لنفس البلد والثقافة".
ألمانيا... وجهة جديدة للطلبة المغاربة
ويبلغ عدد أفراد الجالية العربية المقيمة في ألمانيا اليوم نحو مليون شخص، أغلبهم من المغرب وتونس وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق، ومن هؤلاء يتوفر حوالي 700 ألف شخص على الجنسية الألمانية.
وتقول صورية مقيت، رئيسة جمعية الكفاءات المغربية في ألمانيا، إن أعداد الطلاب المغاربة المقيمين في ألمانيا بدأت في الارتفاع منذ تسعينات القرن الماضي وهم يحتلون المكانة السابعة بين الطلبة الأجانب في البلاد حسب إحصائيات 2005.
وتعزو مقيت السبب في ذلك إلى إمكانية الحصول على وظيفة والإقامة في ألمانيا بعد إنهاء الدراسة العليا. كما أن مجانية التعليم العالي ومصداقيته خاصة في شرق ألمانيا المعروف بالدراسات التقنية، وسهولة الحصول على التأشيرات... كلها عوامل صارت تجذب الطلبة رغم صعوبات اللغة، كما تقول الخبيرة المغربية في حوار مع DWعربية.
وتضيف: "كل هذه العوامل تجعلهم يفضلون التوجه إلى ألمانيا بدل بلدان الهجرة الكلاسيكية كفرنسا. هذا بالإضافة إلى معطى آخر يتعلق بإمكانية مواصلة دراسات الدكتوراه باللغة الانجليزية في عدد من الجامعات التقنية الألمانية من بينها جامعة ميونخ، ومن الطبيعي أن تلعب كل هذه العوامل لصالح ارتفاع معدل الطلبة الأجانب المؤهلين في ألمانيا".