العراق: الزعيم قاسم شهيد أم غير ذلك؟
٢٧ سبتمبر ٢٠١٣فيما يغرق العراقيون بموجات القتل اليومي التي تطال مناطقهم وما يتبعها من ردود فعل معاكسة في الاتجاه، يزداد الوضع السياسي تعقيدا يوما بعد يوم، وتتسع الفاصلة بين القوى السياسية المشاركة في السلطتين التشريعية والتنفيذية.
تشابك الوضع السياسي وضعف أداء الدولة والفساد المستشري في كل مكان، يجعل من هيئات ومؤسسات الدولة ( حكومية أو برلمانية) تعمل دون تنسيق مسبق، بل تعتمد الى حد كبير على أهواء بعض الساسة المتنفذين، بل وأحيانا تعتمد على أهواء مدراء عامين يشرّعون ويقررون وينفذون دون رجوع إلى السلطة، حتى أن هذه المؤسسات باتت تصدر قرارات متعارضة متضاربة تثير مزيدا من الجدل وتحدث مزيدا من الانشقاق في المجتمع.
هذا الأسبوع قرر مجلس شورى الدولة رفع صفة شهيد عن الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم. أثار القرار استياء كبيرا من جانب محبي الزعيم والمدافعين عنه، فيما قرر رئيس الحكومة نوري المالكي إيقاف العمل بقرار مجلس شورى الدولة.
الكاتب والمحلل السياسي نزار حيدر شارك في حوار مجلة العراق اليوم من DW عربية وسلط الضوء على مجلس شورى الدولة باعتباره مصفاة تمر عليها قرارات مجلس الوزراء قبل تمريرها إلى مجلس النواب مبينا بالقول " في قضية الزعيم عبد الكريم قاسم، اصدر مجلس شورى الدولة قرارا أراد به إبطال قرار الحكومة باعتبار الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم شهيدا، لكن رئيس الحكومة نوري المالكي تدخل، وأوقف قرار مجلس شورى الدولة ومرر ملف الزعيم قاسم إلى البرلمان لتثبيت اعتباره شهيدا".
"عام 1978 صدر قرار قضائي باعتبار الزعيم قاسم شهيدا"
الكاتب والباحث د. عزيز الدفاعي خبير العلاقات الاقتصادية الدولية، وعضو أكاديمية الدراسات الاقتصادية في بوخارست، دخل في حوار مجلة العراق اليوم من DW مثيرا تساؤلا مفاده: "لمصلحة من تثار قضية فيها جانب قانوني وتاريخي و سياسي يتعلق بعبد الكريم قاسم باعتباره زعيما وطنيا عراقيا، بعد مرور 56 عاما على أول تغيير سياسي في تاريخ العراق الحديث؟ "
إشارة الباحث الدفاعي تأتي في سياق الحديث عن الانتقال العسكري من الحكم الملكي الدستوري إلى الحكم الجمهوري عام 1958.وكشف د. الدفاعي عن حقيقة يجهلها اغلب العراقيين ومعظم المعنيين بالشأن السياسي في العراق، حين أعلن " أن ملف إعدام وحقوق الزعيم عبد الكريم قاسم ظل يدور في أروقة المحاكم العراقية لغاية عام 1978، حيث سوّي الملف وصدر قرار قضائي باعتبار الزعيم قاسم شهيدا، ومنح أسرته جميع الرواتب التقاعدية المستحقة ( منذ يوم 8 شباط/ فبراير 1963) .
وتساءل د الدفاعي عن أسرار في سيرة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم لافتا الأنظار إلى "أن ما كتب في حقه يفوق ما كتب بحق أي زعيم أو قائد عراقي منذ 4300 سنة حين وضع سرجون الأكدي حدود الخارطة العراقية".
"إشكالية المفهوم بين الشهيد وبين القاتل"
ويرى البعض أن صفة الشهيد تثير إشكاليات كبيرة بسبب المفهوم المتداخل بفلسفة الشاهدة في الأديان، وهم يقترحون ان يصار إلى تعيين صفة أخرى لمن يقتلون في أعمال العنف السياسي وما ينتج عنه، أو من يقتلون إثناء تنفيذهم واجبهم المهني، ويمكن استعمال لقب "بطل" أو "فارس" ومنحه حقوق هذا اللقب.
وقد اعترض الكاتب نزار حيدر على هذا الوصف مشيرا إلى "أن وصف شهيد هو وصف يجمع كل الصفات الحسنة، وبضمنها الفروسية والبطولة، فلماذا نبحث عن وصف والكلمة موجودة عندنا ؟" وكشف حيدر أن صفة الشهيد تطلق على من قتل دفاعا عن عرض ودفاعا عن وطنه، ودفاعا عن ماله وما يملك.
ولدى سؤاله كيف سيكون حكم غير المسلمين الذين يقتلهم المسلحون المتشددون لأنهم يبيعون الخمور باعتبارهم كفارا؟ أجاب أنّ حكم هؤلاء القتلى جميعا هو أنهم شهداء، لأنهم قتلوا وهم يدافعون عن مالهم ( حتى إذا كان خمرا). وأضاف نزار حيدر " هم ليسوا شهداء بالمعنى القرآني المحدد بقيمة الشهادة في ساحة المعركة ، لكن لهم اجر الشهيد لأنهم دافعوا عن مالهم".
هل كان التغيير الذي قاده قاسم انقلابا عسكريا دمويا على الشرعية؟
ينتقد كثير من المعنيين بالشأن العراقي والمؤرخين عملية التغيير التي جرت صبيحة 14 تموز/ يوليو 1958، ويعدونها انقلابا عسكريا دمويا أطاح بالسلطة الشرعية. وبعد التغيير العاصف الذي جرى في العراق عام 2003 وما تبعه من اهتزازات الشرق الأوسط الجديد في المنطقة، كتبت ونشرت كتب كثيرة حول هذا التاريخ باعتباره فاتحة انقلابات العراق الدموية العسكرية وباعتباره صار نموذجا لكل مغامر يريد الاستئثار بالسلطة.
وأيّد هذا الرأي الكاتب نزار حيدر مشيرا إلى " أن كثيرين يعتقدون أن قاسم قد خرج وتجاوز على الشرعية، فقد كان هناك دستور، وبرلمان وصندوق انتخابات". ولفت الكاتب نزار حيدر إلى أن تلك الدولة التي صار ملكا عليها فيصل الأول قد منحها العراقيون شرعيتها حين وافقوا بالاستفتاء عليها. واستعرض حيدر تاريخ الوزارات العراقية التي تعاقبت في العهد الملكي مشيرا إلى أن تغيرها وسقوطها المتكرر يكشف عن مناخ ديمقراطي حر.
"علينا أن لا نحاكم التاريخ بمقاييس القرن الحادي والعشرين"
من جانبه أعتبر د عزيز الدفاعي أن " إضبارة ( ملف) الزعيم عبد الكريم قاسم كانت محفوظة في إدارة الضباط بوزارة الدفاع وتحمل الرقم( 1062) ، واختفت هذه الاضبارة بعد التغيير الذي جرى في 9 نيسان 2003 وهذا يثير أكثر من سؤال حول مصيرها والجهة التي سعت لإخفائها ".
وأكد الدفاعي انه ليس من المدافعين عن العنف الثوري " ولكن علينا أن نقرأ التاريخ كما هو، وعلينا أن لا نحاكم التاريخ بمقاييس القرن الحادي والعشرين ". وبيّن الدفاعي" أن أي ثورة في العالم هي عبارة عن صدام بين قوى معينة وعلاقات إنتاج وبالتالي فان خروج قاسم من كتلة الإسترليني، وإصداره لقانون النفط رقم 80 ، وكسره احتكارات استيراد المواد الغذائية ، ورفضه الاندماج في مشروع عبد الناصر القومي، كل هذه خلقة صدامات له مع هذه القوى".
وعلّق الكاتب نزار حيدر على الطرح بالقول أن العراقيين عموما لم يرضوا عن أي حاكم لبلدهم قط ، وهم مختلفون حول كل زعمائهم ، و" هناك كثيرون يعتبرون قاسم ديكتاتورا، فيما يراه محبوه بطلا وزعيما فذا، وكذلك صدام حسين ، فهناك عرب وعراقيون يرون فيه زعيما عربيا بطلا، فيما يرى فيه أغلب العراقيين ديكتاتورا دمويا دمر حياتهم وبلدهم".
المستمعة أم يوسف في اتصال من بغداد أشارت إلى أن " القادة الذين حكموا العراق كانوا ثوارا يستحقون التكريم والإجلال، لأنهم قضوا على الطغيان وانهوا الاحتلال".