العراق: ضحية صراع طائفي على النفوذ في الشرق الأوسط؟
١٨ مايو ٢٠١٥يبدو أن لعبة الكر والفر مع تنظيم "الدولة الإسلامية" لازالت متواصلة، فبعد أن تمكنت القوات العراقية بمشاركة الفصائل الشيعية من استعادة السيطرة على مدينة تكريت ذات الغالبية السنية شمالي بغداد مطلع نيسان/أبريل، هاهم مقاتلو التنظيم المتشدد يبسطون سيطرتهم على مدينة الرمادي العراقية، مركز محافظة الأنبار. وبهذا التقدم أصبحت "الدولة الإسلامية" تسيطر على أكبر محافظة عراقية على الحدود مع سوريا والأردن والسعودية وعلى مشارف العاصمة العراقية بغداد. ففي سياق متصل، كتبت صحيفة غاردين البريطانية في عددها الصادر اليوم الاثنين (18 أيار/مايو 2015): "خسارة الرمادي لحساب تنظيم الدولة الإسلامية يعني فصل تقريبا كل محافظة الأنبار عن باقي العراق، فقط بعض الجيوب الصغيرة بين مدينة الفلوجة وشرقها وكذلك في النخيب على بعد 322 كم في جنوب غرب المحافظة وبعض المدن الحدودية لا زالت تحت سيطرة القوات الحكومية." ويعد سقوط الرمادي التراجع الأكبر للقوات الامنية منذ حزيران/يونيو من العام الماضي، لتصبح ثاني مركز محافظة بيد "داعش"، بعد الموصل (شمال) مركز محافظة نينوى.
"انتكاسة عسكرية نتيجة سوء تقدير"
هذه الانتكاسة الميدانية للجيش العراقي تعد أيضا ضربية موجعة للحكومة المركزية في بغداد التي أصبحت فاقدة للسيطرة على أجزاء واسعة من الأراضي العراقية. ويعزو الصحفي العراقي عصام الياسري عجز الجيش العراقي في وقف زحف مقاتلي "الدولة الإسلامية" إلى فقدانه للدعم العسكري واللوجيستي من قبل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "داعش". ويقول الياسري في حوار مع DW عربية: "نجاح تنظيم داعش الإرهابي في السيطرة على مناطق واسعة يعود إلى عدة عوامل، من بينها عدم اهتمام الولايات المتحدة وشركائها بمتابعة وضرب تحركات داعش بشكل ممنهج وفعال." ويضيف قائلا: "واشنطن وعدت بتسليح الجيش العراقي ولم تسلحه بالشكل المطلوب. "
من جهته، يرى الدكتور خطار أبو دياب، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، أن نجاح "الدولة الإسلامية" في السيطرة على الرمادي إنما يعود بالدرجة الأولى إلى سوء تقدير الحكومة العراقية للوضع داخل البلاد. ويقول في حديث مع DW عربية: "علينا ألا نسهو عن حقيقة أن تنظيم "الدولة الإسلامية" يضم في صفوفه مقاتلين متمرسين يشكلون جيشا شبه محترف. وأعتقد أن الدولة العراقية لم تخطط لمعركة الرمادي كما يجب واعتقدت بأن تراجع التنظيم في معركة تكريت قد أثر على قدارته وبأنه يحتاج لوقت حتى يسترجع قدراته القتالية." بيد أنه يشير في الوقت نفسه إلى الهزيمة الميدانية للجيش العراقي في الرمادي قد تكون نتيجة لتكتيك سياسي، بحيث يقول: "لدي شك في أن البعض في الحكومة العراقية يريد أن تسجل انتصارات بتوقيع الحشد الشعبي، أي الميليشيات الشيعية، وليس من إنجاز الجيش الوطني العراقي."
ويضيف أبو دياب قائلا: "هناك انقسام في حكومة بغداد: رئيس الوزراء حيدر العبادي يريد ربما إعطاء الجيش كل الإمكانيات، لكن هناك دوائر قريبة جدا من إيران برئاسة نوري المالكي، الذي يشغل حاليا منصب نائب الرئيس، وأيضا عبر تأثير هادي العامري وزير النقل السابق ورجل إيران الأول في العراق. هذه القوى تريد أن يكون كل نصر بتوقيع الحشد الشعبي وليس بتوقيع الجيش الوطني العراقي." يذكر أن الحكومة العراقية لجأت إلى الحشد الشعبي، المؤلف معظمه من فصائل شيعية مسلحة، للقتال إلى جانب القوات الأمنية إثر انهيار جزء كبير منها في وجه الهجوم الكاسح الذي شنه مقاتلو "داعش" في شمال العراق وغربه في حزيران/يونيو 2014.
الحشد الشعبي - ذراع إيران في العراق؟
وفي الواقع، فإن هناك انتقادات شديدة لتنامي نفوذ كتائب الحشد الشعبي على أنها "ذارع إيران في العراق". ذلك أن أغلبية قياداتها مدعومة مباشرة من طهران. ففي سياق متصل، قال المتحدث العسكري باسم "كتائب حزب الله" جعفر الحسيني: "أصبحت الحاجة أساسية لأن تكون فصائل المقاومة وأيضا الحشد الشعبي متواجدة في الأنبار لكي تحسم المعركة بنفسها". وترى الفصائل الشيعية في تأمين الأنبار مفتاحا محوريا في تأمين العاصمة بغداد وحدود المحافظات الجنوبية ذات الغالبية الشيعية، ولا سيما كربلاء.
بيد أن محللين يرون أن دخول الفصائل إلى الأنبار سيمنح إيران موطىء قدم في كبرى محافظات العراق، التي لها حدود مع سوريا والأردن والسعودية. كما أن إيران ذاتها لم تتوان عن الإعراب عن استعدادها مساعدة العراق في حربه ضد "داعش". ففي سياق متصل، قال علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني، اليوم الاثنين لتلفزيون رويترز: "إذا قامت الحكومة العراقية بالطلب من الجمهورية الإسلامية بشكل رسمي كبلد شقيق أن تقوم بأي خطة للتصدي (...) فإنها سوف تلبي مثل هذه الدعوة."
كما تحظى الأنبار ذات الأغلبية السنية بأهمية فائقة لدى الأطراف المناهضة لحكومة بغداد، ففي تسجيل صوتي نادر الأسبوع الماضي، قال عزة ابراهيم الدوري، أبرز الأركان المتوارين لنظام الرئيس الأسبق صدام حسين، إن ايران تسعى للتواجد في الأنبار "لفتح جبهة مع السعودية". أما زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي، فقال في تسجيل صوتي قبل أيام إن مقاتليه "انتزعوا الأنبار انتزاعا من أعين المرتدين وحلوق الروافض رغم انف أمريكا وحلفائها".
فهل ينذر الوضع المتوتر في العراق بحرب أهلية ذات طابع طائفي تحركه قوى خارجية؟ "نحن أمام صراع محتدم في منطقة الشرق الأوسط، وكل طرف في الصراع له وكلاء"، على حد تعبير خطار أبو دياب. ويضيف قائلا: "في العراق تحديدا ومنذ التدخل العسكري الأمريكي فيه في عام 2003 وحتى اليوم هناك عدة حروب بالوكالة. وما يجري اليوم، وخاصة بعد خطاب عزة الدوري، أعتقد أن هناك إمكانية قيام حراك سني من خارج تنظيم "داعش" أو ربما أوضاع جديدة مدعومة من دول أخرى. أعتقد أن الصراع السني –الشيعي هو الطاغي على المشهد في العراق."