العراق و سوريا: حليفان لدودان
١٨ نوفمبر ٢٠١١صوتت الجامعة العربية هذا الأسبوع على قرار بتعليق مشاركة سوريا في نشاطاتها واجتماعاتها، الحكومة العراقية امتنعت عن التصويت على قرار الجامعة، ما وضع العراق في موقف مخالف لمواقف كل الدول العربية. سوريا نفسها لم تكن راضية عن موقف العراق، بل كانت تنتظر منه رفض القرار. والداخل العراقي - كما هو الحال دائما وفي كل قضية- منقسم بشأن الموقف من سوريا.
كيف نفسر هذا التغير المفاجئ في المواقف؟
زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر دعا من جانبه المعارضين السوريين للإبقاء على الرئيس بشار الأسد على اعتبار أنه "معارض للوجود الأميركي والإسرائيلي".
وكالة فرانس برس نقلت مضمون رسالة منه مخاطبا الشعب السوري بالقول "كونوا على يقين بأني مؤمن كل الإيمان بقضيتكم"، لكنه رأى في الوقت ذاته أن هناك "فارقا كبيرا" بين ما يحدث في سوريا و"الثورات العظيمة في تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن". السؤال الشاخص هنا هو: كيف تغيرت مواقف القوى السياسية في العراق تجاه سوريا بسرعة؟ وهل لذلك علاقة بالانسحاب الأمريكي من العراق؟
الكاتب والمحلل السياسي وليد الزبيدي المشرف على شبكة الوليد قال " إن المالكي في 19.08.2008 وبعد هجمات عنيفة بالقنابل تعرضت لها المدن العراقية شن هجوما كبيرا وصريحا على حكومة بشار الأسد، ووجه له اتهامات واضحة باتجاهين، فقد اتهمه بإيوائه البعثيين في سوريا وهم من قاموا بتلك التفجيرات، وفي الاتجاه الثاني اتهمه بإيواء عناصر القاعدة باعتبارهم متعاونين مع البعثيين في تنفيذ تلك الهجمات.
في ذلك الوقت كان الهجوم الكلامي مؤشرا لبدء مرحلة جديدة من تعامل الحكومة العراقية مع الحكومة السورية ولكن اختلفت القضية خلال الشهور الأخيرة وبعد التطورات الكبيرة التي حدثت في سوريا. والمراقبون اليوم يصفون شكل العلاقة بين البلدين بأنه خاضع للسياسة التي تضع المصالح في أولوياتها، وهناك رأي آخر يقول إن الحكومة العراقية والمنظومة السياسية في حالة ارتباك قد يقترب من الهلع مع قرب خروج القوات الأمريكية التي كانت توفر الأمن للمسؤولين السياسيين، وهناك رأي ثالث يربط بين المنظومة الإيرانية ( بغداد- طهران - دمشق) في ضوء التداخلات، ويمكن للمرء أن يضع كل هذه التصورات في ذهنه ليشكل صورة عن تطورات الأوضاع في سوريا، وهي ليست سهلة، وفي العراق هناك أكثر من سيناريو لمرحلة ما بعد الوجود الأمريكي، كما أن طهران حاليا في وضع لا تحسد عليه.
الدباغ يحذر العرب من تدويل قضاياهم
القائمة العراقية وهي الكتلة البرلمانية التي تمثل المعارضة اعتبرت أن موقف حكومة العراق من التغييرات التي تجري في سوريا يدخل ضمن وصف "اللاشرف السياسي" على حد تعبير بيان القائمة، فيما لم يعلن التحالف الكردستاني موقفا صريحا تجاه هذه القضية لكن تسريبات غير رسمية من ساسة أكراد كشفت عن رغبة غالبية القوى السياسية الكردية في التغيير في سوريا. من جانبه اعتبر الكاتب السياسي د تيسير عبد الجبار الألوسي " أن من الضروري التنبيه على تعددية الخطاب العراقي، بمعنى تعدد التصريحات التي يطلقها المسؤولون في العراق. وكل مسؤول يتخذ موقفه بما يعتقده ملائما للخط العام المشترك للحكومة- إن وجد خط موحد تتبناه الحكومةـ.
الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ وصف قرار الجامعة العربية بتعليق مشاركة سوريا بالخطير جداً، محذرا العرب من تدويل قضاياهم".و السؤال الفوري الذي يتبادر إلى الأذهان هو: لولا التدويل، هل قامت حكومة تعددية في العراق؟
د.الالوسي اعتبر" أن المعارضة العراقية التي سعت لإسقاط صدام حسين على مدى 30 عاما لما كانت قد تمكنت من فعل ذلك لولا المساعدة الدولية التي أحدثت التغيير الشامل في 2003. لكن خطورة ما قال علي الدباغ تكمن في العراق وليس في موضع آخر، فالخطاب العراقي حول القضية السورية، يعبر عن الاتجاه الطائفي السياسي- وأرفق هنا عمدا وصف السياسي حتى لا تكون القضية دينية على الإطلاق- هناك كهنوت سياسي في العراق، وهو يوقع العراق في مأزق لا ينحصر في التناغم مع مواقف طهران تحديدا ولكن يوقعه في تبعية سياسية. أما الخطورة الثانية النابعة من الموقف الرسمي العراقي فتنبع من أنه يعزل العراق عربيا وشعبيا ورسميا".
العراق و سوريا: حليفان لدودان
على مدى الزمن اعتبر الساسة في العراق و سوريا أن علاقة البلدين تتجاوز حدود تجاورهما الجغرافي لتصل إلى مستوى عميق من التأثير الفكري والسياسي. و لم يقتصر التأثير على البلدين وحدهما بل امتد إلى أغلب المنطقة العربية وجوارها.
وضمن تعقيدات الموقف الدولي والإقليمي بشأن سوريا وموقف حكومة العراق من نظام بشار الأسد استبعد مسؤول في المكتب الإعلامي لحزب العمال الكردستاني (بي كيه كيه) المحظور، حمل السلاح دفاعا عن النظام السوري، مشيرا إلى أن "الحزب ليس أداة بيد أي دولة في العالم حتى يحمل السلاح من أجلها".
ملف الكرد : العراق وتركيا و"سوريا ومن ورائها إيران"
ولعل هذا التصريح يسلط الضوء على تداخل ملف الأكراد في المنطقة مع ملفات الأنظمة الحاكمة، لا سيما وأن هناك تسريبات تشير إلى أن تركيا لن تدعم التغيير في سوريا خوفا من أن يقيم الأكراد في سوريا إقليما لهم على غرار إقليم كردستان العراق وهو أمر يهدد مستقبل 15 مليون كردي يقيمون في تركيا.
لكن البروفسور فرهاد إبراهيم أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة إيرفورت والذي تحدث إلى مايكروفون برنامج العراق اليوم في دويتشه فيله استبعد ذلك، مشيرا إلى "أن موقف الحكومة التركية مما يجري في سوريا واقعي جدا، فهم يعرفون أن الأكراد في سوريا أضعف من أن يغيروا التركيبة السياسية في هذا البلد، وهم أضعف من أن يستطيعوا تشكيل إقليم لهم، فهم إذا جماعة هامشية في سوريا.
ولكن هناك قضايا تحصل خلف الكواليس منها تحالف (حزب بي كا كا) مع الحكومة السورية، وهو أمر حقيقي، حيث زار وفد بي كا كا من جبال قنديل شمال العراق دمشق مؤخرا، ولم يكذب الحزب المذكور خبر هذه الزيارة. وفي تقديري أن إيران تقف وراء التحالف بين بي كا كا وبين النظام السوري".
وتوسّع البروفسور ابراهيم في الحديث عن دور إيران في ملف العراق وسوريا مشيرا إلى أن" التأثير الإيراني كان قويا لدرجة أنه غيّر الموقف العراقي، فلو تابعنا مواقف حكومة العراق من حكومة الأسد في السنوات الثلاث الماضية لوجدناها مواقف نقدية جدا، والمالكي نفسه أعلن أكثر من مرة أنه يملك وثائق تثبت دعم النظام السوري للإرهاب في العراق. والحقيقة المهمة التي ينبغي ملاحظتها هنا، أن إيران تنظر إلى سوريا باعتبارها قضية مركزية جدا، ومن هذا الموقف فقد نجحت في تغيير موقف العراق من سوريا مائة بالمائة.
"قرارات الجامعة العربية مسيّسة"
دخل على خط الحوار من البصرة علي عبد الحسين مشيرا إلى أن قرارات الجامعة العربية بمجملها مسيّسة وإلا لماذا تتخذ موقفا قاطعا من سوريا وتغض النظر عما يجري في البحرين واليمن؟ في اليمن الوضع أشد قسوة منه في سوريا، المواقف مرتبطة بمصالح الدول، وحكومة العراق ترى أنه ليس من مصلحة البلد الوقوف إلى جانب الثورة في سوريا في هذه المرحلة لأنها غير واضحة المعالم حتى الآن".
أما أبو أحمد وفي اتصال من البصرة أيضا فقد أشار إلى أن " القائمة العراقية التي تبدو معترضة على موقف الحكومة العراقية هي في الحقيقة تخالف دائما ما تذهب إليه الكتلة الأخرى( دولة القانون)، فلو كانت الحكومة أيدت التغيير في سوريا لاختلف موقف العراقية وطالبت بدعم حكومة الأسد، العنصر المهم الثاني في النقاش أن الجامعة العربية كمؤسسة لا تملك أن تقرر لوحدها، بل هي أداة بيد قوى كبرى تحركها كيفما شاءت".
ملهم الملائكة
مراجعة: منى صالح