الفقر وإلغاء ديون الدول الفقيرة في خضم أعمال قمة الثماني
تتخبط القارة الإفريقية منذ عقود عدة في مشاكل سياسية وعرقية واقتصادية معقدة أدت لاندلاع حروب أهلية وإقليمية وأعاقت نمو القارة السمراء وأبعدتها عن الركب العالمي في ظل غياب بوادر تنموية فعلية تعتمد على الثروات البشرية والطبيعية للقارة. ولم تتوصل الدول الغنية في العالم إلى القناعات السياسية اللازمة لمساعدة الدول الإفريقية في إيجاد مخرج للمشاكل العويصة التي تحدق بمجتمعاتها إلا بعدما أصبحت صور الفقر والشتات الاجتماعي وضحايا الصراعات المسلحة تجتاح الدول الغربية وتحرك عواطف شعوبها. الأمر الذي دفع حكومات الدول الغنية إلى القيام بمبادرات على المستوى السياسي والمالي لتقديم يد المساعدة للدول الإفريقية الأكثر فقرا في العالم. وتعول الدول الغنية على التوصل إلى توافق خلال اجتماعها الأسبوع القادم على أمل أن يكون العام 2005 عام الازدهار الاقتصادي لتلك القارة. وتساهم الحكومة الألمانية هي الأخرى في تفعيل مخطط تنموي في ظل خلاف مع المخطط البريطاني.
الموقف البريطاني
يعتمد المنظور البريطاني، الذي لقي ترحيب ودعم الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش، بالدرجة الأولى على زيادة المساعدة المالية لأفريقيا. وترافق هذه المساعدة مبادرة إلى مجموعة الثماني ترمي إلى إلغاء ديون الدول الأكثر فقراً. في حين بادرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تخصيص 674 مليون دولار إضافية هذا العام كمساعدة للدول الفقيرة في القارة السمراء. وسيضاف هذا المبلغ إلى 1,4 مليارات دولار خصصتها واشنطن هذه السنة للمساعدة في التنمية ومكافحة خطر المجاعة في تلك الدول. وتظل هذه المبالغ بعيدة جدا عن توصيات اللجنة المكلفة بدعم إفريقيا التي جمعها بلير. ويطالب بلير بزيادة مساعدات الدول الغنية لأفريقيا لتبلغ خمسين مليار دولار في 2015. وسيحاول رئيس الحكومة البريطانية إقناع نظرائه خلال قمة مجموعة الثماني بإلغاء مئة في المئة من ديون الدول الأكثر فقرا. وسبق لبريطانيا، الرئيس الحالي لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، أن أعلنت أن 2005 هو عام حاسم بالنسبة لإفريقيا لكن اقتراحاتها لتخفيف عبء الديون الإفريقية لقيت استجابة فاترة من بعض شركائها.
الموقف الألماني
وتحرص ألمانيا على تعزيز علاقات الشراكة بينها وبين الدول الإفريقية التي تقوم بمبادرات حثيثة لتعزيز الجهود الرامية لإنجاح عملية إنماء هذه الدول. وفي هذا الاتجاه عبرت مندوبة المستشار الألماني أوشي أيد عن استعداد بلادها لتوسيع نطاق التعاون مع الدول التي تتبنى سياسة الإصلاحات التي أقرتها هيئة "الشراكة الجديدة من أجل التنمية الإفريقية". وتأسست الهيئة في عام 2001. وتتبنى الحكومة الألمانية مواقف مختلفة اتجاه كيفية النهوض بالاقتصاد الإفريقي وانتشال دول نامية من الفقر بشكل لا يقتصر فقط على إلغاء ديون الدول الفقيرة المستحقة لهيئات الإقراض المتعددة الأطراف، مثل صندوق النقد الدولي. وترى السيدة أوشي أيْد أن ضخ المزيد من المساعدات والهبات المالية في تلك الدول لن يحل مشاكل الفقر فيها. فضلا عن ذلك يؤكد المختصون الألمان أن تأهيل وتقوية المؤسسات الحكومية في الدول الإفريقية الفقيرة ورفع كفاءات العاملين بها وتفعيل القوانين هي السبل الأنجع لتحقيق القفزة النوعية في تلك المجتمعات بدلا من مضاعفات التدفق المالي الذي من شأنه أن يُكرس الفساد وسوء توزيع الثروات والإعانات. وتدعو أيْد إلى "عقلنة" المساعدات المالية بحيث تضاعف الهبات المالية فقط للدول التي تنهج الإصلاح وتتعاون مع المنضمات الدولية وتضفي الشفافية على تمويل برامجها التنموية.
المساهمة الألمانية في القارة الإفريقية
وتنخرط ألمانيا في عدة مشاريع إنسانية وتنموية في القارة السمراء. كما أنها خصصت لهذا الغرض اعتمادات مالية حكومية وتبرعات خاصة مهمة. وتمول الحكومة الألمانية مركزين لتأهيل طاقم مدني وعسكري للقيام بمهام حفظ السلام في كل من شرق وغرب إفريقيا. ووحدات حفظ السلام المتواجدة الآن دارفور جنوب السودان هي واحدة من تلك الكفاءات التي يتم إعدادها في تلك المراكز. إضافة إلى ذلك يتركز اهتمام المسئولين الألمان على دعم المنظمات التي تنشط على المستوى الجهوي وفي المناطق التي تقع خارج النفوذ الحكومي لبعض الدول الإفريقية.
معارضي القمة
وتتوعد المنظمات الدولية المناهضة للعولمة بمظاهرات صاخبة ضد القمة المرتقبة. ويرى المعارضون لتلك القمة أن الإلغاء الشروط الذي تفرضها الدول الغنية على البلدان الإفريقية الفقيرة يتعارض مع مصالح شعوب تلك الدول. ويرى المعارضون كذلك أن تطبيق سياسات الليبرالية الجديدة والخصخصة وفتح أسواق تلك الدول أمام تدفق السلع ورؤوس الأموال بما في ذلك إلغاء الحماية الجمركية ما هو إلا قناع إنساني لتبرير استغلال القارة الإفريقية التي تُستنزف ثرواتها منذ قرون علي يد الاستعمار، والآن علي يد الشركات المتعددة الجنسيات والحكام الفاسدين العاملين لصالح الغرب وشركاته.
تقرير: طارق أنكاي