المستشرقون الألمان..بين الموضوعية والأحكام المسبقة
٢٤ سبتمبر ٢٠١٣يعود اهتمام الألمان بدراسة الدين الإسلامي والثقافات الشرقية إلى قرون عدة، حيث انصبوا على ترجمة القرآن والحديث والشعر العربي وكتب المفكرين والعلماء المسلمين خصوصاً العرب والفرس، وبذلك كرسوا لتقليد علمي لا يزال الألمان يتوارثونه جيلاً بعد آخر.
في البدء كانت معركة فيينا
حسب رضا حياتبور، أستاذ العلوم الإسلامية بجامعة إيرلانغن ولاية بافاريا، فإن التأسيس لعلم الاستشراق الألماني يعود إلى مرحلة ما بعد معركة فيينا التي أنهزم فيها العثمانيون عام 1683. ويوضح حياتبور في حوار مع DWعربية قائلاً: "بعد هزيمة العثمانيين في فيينا تم تدشين مرحلة جديدة في التعامل وبموضوعية مع الإسلام والثقافات الشرقية، إذ تُرجم القرآن من جديد إلى اللغة الألمانية من طرف إيبرهارد بويزن(توفي عام 1800)، وهو عالم دين بروتستانتي كان هدفه هو تصحيح العديد من الأحكام المسبقة التي كانت متداولةً من قبل حول الدين الإسلامي".
ومنذ ذلك الحين لم يتوقف الألمان على ترجمة التراث الإسلامي من اللغات العربية والفارسية والتركية. وفي عام 1844 تأسست الجمعية الشرقية الألمانية على يد هاينريش فلايشر (1801 – 1888)التي دأبت منذ ذلك الوقت على إصدار مجلة علمية متخصصة بالثقافات الشرقية، كما تم إدخال تخصص علم الاستشراق إلى العديد من الجامعات الألمانية وتخصص الأساتذة في لغات مشرقية معينة أو في مواضيع دينية محددة، كما "بدأ المستشرقون الألمان يلتزمون بدرجة كبيرة من الموضوعية والأمانة العلمية في أبحاثهم ودراساتهم"، على حد قول رضا حياتبور.
استحضار السياسية من رحم التراث
بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول كادت معظم الأبحاث والإصدارات والندوات العلمية في ألمانيا تقتصر على موضوع التطرف الديني، غير أن السنوات القليلة الأخيرة" شهدت عودة الاهتمام بالمواضيع التقليدية في الفكر الإسلامي، كعلم الكلام، وعلم الحديث، وعلم التفسير"، كما يسجل عبد الحليم رجب مدرس اللغة العربية لطلبة علم الاستشراق في جامعة بامبرغ في ولاية بفاريا. ويضيف رجب بأن المستشرقين الألمان "أدمجوا مواضيع راهنة في صلب اهتماماتهم كالمواضيع السياسية خصوصاً الربيع العربي ومواضيع ثقافية وفكرية أخرى بارزة في المجتمعات الإسلامية في الوقت الحالي".
ومن جانبه يرى محمد آيت الفران، وهو أستاذ جامعي مغربي وأستاذ زائر في جامعة هايدلبرغ في حوار مع DW، أن التركيز على هذا الأبحاث العلمية في مجال القرآن، "يحمل على المنحى الإيجابي في الدراسات الاستشراقية لدى الألمان". ويعطي آيت الفران مثالاً في هذا الصدد قائلاً: "قد لا أجانب الصواب إذا قلت إن القراءات المنتجة لـ "تاريخ القرآن" لتيودور نولدكه لم تفارق بعد ساحة الجامعة الألمانية، ويكفي أن نشير إلى مشروع الباحثة الكبيرة أنجيليكا نويفيرث مع فريق عملها الذي يركز بالأساس على طرح جديد للنص القرآني انطلاقا من كل النسخ الموجودة رغم ما يمكن أن تفصح عنه من اختلافات قد تبتعد عن مسار المصحف العثماني المتداول".
إشكالية الموضوعية والتجرد العملي
يرى عبد الحليم رجب أن كون المستشرقين الألمان غير مسلمي الديانة "يجعلهم متحررين من مجموعة من القيود الذاتية والموضوعية التي توجد لدى المفكرين والباحثين المسلمين". وينظر رجب إلى هذا العامل كـ"عنصر يكون له أحياناً فضل إيجابي على البحث العلمي". أما آيت الفران فيسجل للمستشرقين الألمان تحليهم بـ"أسلوب العمل المعروف بالاستقصاء وإعمال الفكر والتمرن على ملكة النفاذ إلى عمق الأشياء". ويضيف آيت الفران بأن الألمان يتميزون ب"الصبر وأخذ مساحة الوقت الكافية لإنجاز أعمالهم، ثم تهيئ أرضية الاشتغال وتطويعها ضماناً لمسيرة عمل سلسة وترقبا لنتائج أفضل في بحوثهم".
كثيراً ما تثير أبحاث المستشرقين الغربيين تحفظ الباحثين المسلمين بدعوى "عدم موضوعيتها" و"تحاملها" على الدين الإسلامي. بالنسبة لعبد الحليم رجب فإن "الاشتغال على النصوص الدينية خصوصاً القرآن تكون له نتائج إيجابية كما يمكن أن تكون نتائجه مجانبة للصواب". ويتفق آيت الفران مع التحليل المتحفظ لرجب قائلاً: "من الصعب جدا وسم الاستشراق الألماني بالموضوعية هكذا بالمطلق لسبب واحد هو أننا أمام وجوه متعددة ومختلفة من الدراسات الاستشراقية، كما أن الشرق يشمل مناطق واسعة على امتداد الرقعة الجغرافية".