المشاركة التركية في اليونيفيل بين المعارضة الداخلية ومتطلبات دورها الإستراتيجي
٧ سبتمبر ٢٠٠٦في الوقت الذي يستعد فيه حوالي 1000 جندي من القوات التركية للسفر إلى لبنان للمشاركة مع القوات الدولية في حفظ السلام هناك، تثور كثير من التساؤلات والشكوك حول أهداف أنقرة من هذه المشاركة والمخاطر المترتبة عليها. يذكر هنا أن الحكومة التركية، برئاسة رجب طيب اردوغان الذي ينتمي لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، قد حصلت على قرار من البرلمان التركي بالموافقة على هذه المهمة بعد أن حشدت الدعم له. جاء ذلك وسط انتقادات داخلية حادة ومظاهرات شعبية إعتراضية رفعت فيها لافتات تقول "لا نريد أن نكون جنودا للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل". وكشفت استطلاعات للرأي نشرتها صحف تركية عدة على مواقعها على الانترنت بان الرأي العام التركي يعارض بشكل واسع إرسال جنود إلى لبنان.
ومع إن هذه ليست المرة الأولى التي تشارك فيها أنقرة في مهمات دولية، حيث سبق للدولة العضو في حلف شمال الأطلسي وصاحبة ثاني أكبر جيش في الحلف، أن شاركت ضمن القوات الدولية في كوسوفو وأفغانستان وحتى في لبنان. وهذا ما يعني من حيث المبدأ ان الجيش التركي يتمتع بخبرة طويلة في هذا المجال. لكن طبيعة المهمة هذا المرة في لبنان ينظر لها بشكل مختلف عن المرات السابقة وإن كان بعض المحللين يبالغ كثيرا في وصف أوجه الاختلاف وبالتالي في خطورة الوضع. ويرجع الاختلاف هنا في رأي المحللين إلى حساسية الوضع هذه المرة كون تركيا لها وضع خاص وفريد في المنطقة لكونها تقيم علاقات وثيقة مع الدول العربية ومع إسرائيل ايضا.
العلاقات الإسرائيلية ـ التركية
أتسمت العلاقات التركية ـ الإسرائيلية بالتأرجح وفقا لتطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية. يشار هنا إلى أن تر كيا كانت أول دولة إسلامية تقيم علاقات دبلوماسية مع الدولة العبرية. وفي تحليله لتطور العلاقات التركية ـ الإسرائيلية يشير عالم السياسة التركي فخري تيورك بأنه ومع نهاية الحرب الباردة وفي بداية التسعينات وصلت العلاقات الثنائية بين البلدين إلى عصرها الذهبي وشملت التعاون الاقتصادي والعسكري والإستخباراتي. وقد تطورت هذه العلاقة إلى حد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ببنيامين نتنياهو أطلق عليها وصف "التحالف العسكري إستراتيجي". ويشير، يودو شتاينبخ مدير معهد الشرق في هامبورج بأن أعداء إسرائيل كانوا ايضا أعداء حقيقيين او مفترضين لتركيا مثل العراق، سوريا وإيران وهو ما قرب بين البلدين. لكن هذه العلاقات انتكست مع بدء الانتفاضة في الأراضي الفلسطينية عام 2000 وزاد من جمودها وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى السلطة عام 2002. وكان رئيس الحكومة التركية اردوغان نفسه كان قد وصف الممارسات ا لإسرائيلية ضد الفلسطينين بأنها "إرهاب دولة" واستقبل في مايو الماضي اثنين من ممثلي حركة حماس الأمر الذي انتقدته تل أبيب بشدة. إضافة إلى ذلك شكلت المسألة الكردية إحدى نقاط التوتر في العلاقات التركية ـ الإسرائيلية حيث تعتبر إسرائيل قيام دولة كردية يخدم مصالحها الإستراتيجية وإن بدا ظاهريا بأنها تدعم أكراد العراق وليس أكراد تركيا. لكن هذا الأمر يمثل حساسية خاصة بالنسبة لأنقرة التي ترى في ذلك دعما لقيام دولة كردية مركزية تشمل أكراد تركيا ايضا.
سياسة مسك العصا من الوسط
وتحرص الحكومة التركية الحالية على مسك العصا من الوسط في علاقاتها مع الأطراف المتنازعة في المنطقة والتوفيق بين متطلبات الواقع الدولي الذي تفرضه علاقاتها مع الغرب من جهة وضرورات الواقع الداخلي المتمثل بوجود رأي عام شعبي ضاغط يعارض السياسات الإسرائيلية والتقارب مع تل أبيب وكذا الانحناء لرغبات الغرب. لذلك تحاول تركيا الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع العالم العربي الذي تجمعها به صلات العقيدة والثقافة التاريخ المشترك وبين إرضاء إسرائيل من جهة أخرى وبالتالي إرضاء الغرب الذي تسعى الدولة الواقعة على مشارف أوروبا لان تكون جزءا منه من خلال سعيها لدخول الإتحاد الأوروبي. وقد لا يكون من قبيل الصدفة أن يأتي قرار مشاركة تركيا في القوة الدولية في الوقت الذي تتجه فيه مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي إلى طريق مسدود وربما يصل الأمر إلى تعليق تام للمفاوضات. لكن مع ذلك يعترف الإتحاد الأوروبي، وهذا ما تريد تركيا جعله أمرا واقعا، بأهمية دور تركيا في المنطقة. في هذا السياق قال جوزيه مانويل باروزو رئيس المفوضية الأوروبية قبل نحو أسبوع بأن ألازمة في الشرق الاوسط تلقي الضوء على أهمية ضم تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. واضاف قائلا بأن التطورات في الشرق الاوسط "قد تلفت انتباهنا إلى الأهمية الإستراتجية الكبيرة لوجود تركيا" داخل الاتحاد الأوروبي. من هنا تحاول أنقرة، وبالذات من خلال مشاركتها في قوات حفظ السلام الدولية، أن تثبت للغرب عموما وللأوروبيين بوجه خاص بأنها لاعب إقليمي مهم وشريك يعتمد عليه في مهام حفظ السلام الدولية، كما يقول ين سينكير، مدير مكتب منظمة كونراد أدناور في تركيا. إضافة إلى ذلك تحتاج أنقره لدعم المجتمع الدولي أو على الأقل لتفهمه فيما يتعلق بما تسميه مكافحة الإرهاب الكردي. إذ تسعى في هذا الجانب للحصول على اعتراف بهذا الحق. وقد ربط أردوغان في أكثر من مناسبة بين مكافحة الإرهاب الدولي وما يسميه بالإرهاب الكردي معتبرا حرب بلاده مع الأكراد جزء من هذه الحرب الدولية على الإرهاب.
مخاوف من "المستنقع اللبناني"
يؤكد رجب طيب اردوغان بأن المشاركة في اليونيفيل تعزز الدور الجيواستراتيجي لتركيا في المنطقة. ويحاول رئيس الحكومة التركية تبديد المخاوف من أن قوات بلاده لن تشتبك مع حزب الله إذا ما طُلب منها تجريده من سلاحه. في هذا السياق قال بأنه سيسحب قوات بلاده من هناك فورا "اذا طلب من تركيا تجريد اي مجموعة في لبنان من السلاح". غير ان هذه الحجة لا ترضي المشككين الذين يخشون غرق الجنود الأتراك في "المستنقع" اللبناني. وتثور مخاوف من تورط تركيا في نزاع إقليمي اذا لزم على الجنود الأتراك ان يواجهوا جنودا مسلمين او مسلحين في حزب الله المدعوم من ايران. في هذا السياق حذر المحلل اومور تالو في صحيفة "صباح" الواسعة الانتشار من ان جنودا أتراكا سيموتون او يقتلون في لبنان على الأرجح. واضاف بأن الجنود الأتراك قد يتم تصنيفهم كطرف في الحروب الأهلية او الطائفية في المنطقة وهذا سيكون، في رأي تالو، مقدمة لنزاع محتمل مع ايران. ويعود المحلل السياسي دوغو ارجيل إلى التاريخ ليبعث مخاوف إضافية، مشيرا في هذا الجانب إلى إحتمال تعرض الجنود لأعمال عدائية لأسباب مرتبطة بالماضي. وفي هذا السياق يقول المحلل التركي لصحيفة "توركيش ديلي نيوز" الناطقة بالإنكليزية بأن الهيمنة التركية تركت ذكريات مريرة في المنطقة حاول المؤرخون إخفاءها، معتبرا بأن مجرد رؤية اعلام وبزات تركية ستحيي هذا القلق وتعرض أمن القوة التركية للخطر.