المغرب: عفو ملكي عن مغتصب أطفال إسباني يفجر أزمة سياسية
٤ أغسطس ٢٠١٣العنف المفرط لقوات الأمن المغربية لم يمنع مئات المواطنين من الاحتجاج بقوة على قرار الملك محمد السادس بالعفو عن مواطن اسباني أدانه القضاء المغربي بالسجن لمدة 30 سنة لاغتصابه 11 طفلا مغربيا. وواجه المتظاهرون قوات الأمن بشعار "وا على شوهة" الذي يفيد بالدارجة المغربية "يا لها من فضيحة".
ففي سابقة هي الأولى من نوعها خرج مواطنون مغاربة للاحتجاج على قرار ملكي بالعفو عن شخص أدانته العدالة، وذلك في مدن الرباط وطنجة وتطوان وخريبكة وأكادير بداية شهر أغسطس.
وقد زاد استخدام عنف قوات الأمن في مواجهة محتجين بالضرب أمام مقر البرلمان من حدة الغضب الشعبي، كما ظهر ذلك في تعليقات رواد المواقع الاجتماعية وتغطيات الجرائد الالكترونية طيلة يوم السبت. وهي ضغوطات دفعت بالديوان الملكي إلى إصدار بيان مساء نفس اليوم، في سابقة أخرى من نوعها، أوضح أن الملك لم يكن على علم بخطورة الجرائم التي اقترفها الشخص المستفيد من العفو الملكي، موضوع الرفض الشعبي.
صدمة هائلة
بناء على ملتمس للعاهل الاسباني خوان كارلوس أُثناء زيارته للمغرب قبل أيام أعلن القصر الملكي في 30 يوليوز الماضي عفوا جماعيا شمل 48 مواطنا أسبانيا سجناء في المغرب. وفي اليوم التالي أكد حميد كرايري، المحامي الذي تطوع باسم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان للترافع في قضية اغتصاب 11 طفلا، أن الشخص المدان في هذه القضية استفاد بدوره من العفو الملكي. ويتعلق الأمر بمواطن أسباني قضت العدالة المغربية بسجنه 30 سنة لقيامه باغتصاب هؤلاء الأطفال وتصويرهم. وكانت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان قد أشادت في حينه بهذا الحكم واعتبرته "شجاعا".
بمجرد ما تأكد النبأ ارتفعت الأصوات المنددة بهذا العفو الملكي على وقع الصدمة والاندهاش. الموقع الشبكي "لا للعفو عن المجرم الاسباني" التي أنشأها نشطاء على موقع فايسبوك، ضمت آلاف المشاركين بتعليقات غاضبة ومطالبة بالتراجع عن العفو الملكي والاعتذار للمغاربة وعائلات الضحايا.
تبريرات الحكومة المغربية عمقت صدمة الغاضبين. "أي مصلحة وطنية هذه التي تجعلنا نعفو عن مجرم اغتصب أطفالنا؟" هكذا تصرخ متظاهرة في وقفة بالعاصمة المغربية تم منعها يوم الجمعة الماضي. وذلك في إشارة منها إلى ما أوردته وزارة العدل المغربية في بيان لها من أن قرار العفو "قرار ملكي أملته من غير شك مصالح وطنية".
في حواره مع DWيؤكد حميد كرايري أن "عددا من قضايا اغتصاب الأطفال التي عرضت على المحاكم في مدينتي مراكش وأكادير على الخصوص شابها تساهل مع الأجانب. فحين يتعلق الأمر بمذنب أجنبي يتم التعامل معه بنوع من التخفيف أو يستفيد من العفو بعد إدانته".
جمعية "ما تقيش ولدي" المتخصصة في قضايا اغتصاب الأطفال، تؤكد أن الإحصائيات المتوفرة لديها تفيد تسجيل 26 ألف حالة اغتصاب للأطفال سنويا في المغرب، بمعدل يقارب 71 حالة اغتصاب للأطفال كل يوم. ولازالت الجمعية ومنظمات حقوقية أخرى تطالب بتشديد العقوبات في حق المدانين بجرائم الاغتصاب في حق الأطفال.
أزمة سياسية
الرفض الشعبي العارم لقرار العفو الملكي يواجهه من جهة أخرى كيفية تعامل السلطات المغربية مع الأزمة. فمع اندلاع الشرارة الأولى للاحتجاجات على شبكات التواصل الاجتماعي، أدلى وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة بتصريح متناقض حول القضية. حيث ذكر مصطفى الخلفي يوم الخميس 1 غشت في لقائه الأسبوعي مع الصحافة، إنه لا علم له بقرار العفو الملكي عن الأسباني مغتصب الأطفال المغاربة، غير أنه أضاف في نفس اللقاء أنه تم اتخاذ قرار بترحيل المواطن الأسباني إلى خارج المغرب، كما نقل ذلك موقع "لكم" الالكتروني.
ومع اشتداد الغضب الشعبي في العالم الافتراضي لمواقع الأنترنت، خرج وزير العدل والحريات بتوضيحات جديدة، ليؤكد فيها بوجود مغتصب لأطفال مغاربة ومحكوم عليه ب 30 عاما سجنا من بين المستفيدين من العفو الملكي بمناسبة عيد العرش. لكن الوزير الرميد حرص، من خلال بيان صادر عن وزارته يوم الجمعة 2 غشت، للتأكيد على أن هذا العفو "قرار ملكي أملته من غير شك مصالح وطنية"، وأن "لا علاقة لوزارة العدل به".
لكن خروج الغضب الشعبي من العالم الافتراضي إلى شوارع مدن مغربية وتداعيات العنف المفرط في مواجهة المحتجين وسط العاصمة الرباط، دفعت بالديوان الملكي لإصدار بيان يتضمن توضيحات جديدة متناقضة مع راوية وزارة العدل حول "المصالح الوطنية" التي أملت العفو على مغتصب الأطفال الاسباني.
فالبيان الملكي يكشف أنه "لم يتم بتاتا إطلاع الملك محمد السادس، بأي شكل من الأشكال وفي أية لحظة بخطورة الجرائم الدنيئة المقترفة التي تمت محاكمة المعني بالأمر على اساسها." وأن الملك ما كان ليوافق على هذا العفو "بالنظر لفداحة الجرائم الرهيبة التي اتهم بها."
كما أفاد البيان أن الملك "أمر بفتح تحقيق معمق من أجل تحديد المسؤوليات، ونقط الخلل التي قد تكون أفضت لإطلاق السراح هذا، الذي يبعث على الأسف". إضافة إلى "إعطاء التعليمات لوزارة العدل من أجل اقتراح إجراءات من شأنها تقنين شروط منح العفو في مختلف مراحله."
إفلات من العقاب
كان لافتا للانتباه حضور العديد من الأسر رفقة أطفالهم خلال الوقفة الاحتجاجية الممنوعة ضد العفو الملكي على مغتصب الأطفال الاسباني. بعض هؤلاء الأطفال نالهم أيضا نصيب من العنف الذي استخدمه رجال الأمن، وقد أوردت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في حصيلة أولية للضحايا حالة طفلة لا يتجاوز عمرها 7 سنوات تعرضت للضرب رفقة والدتها وشقيقتها.
الكثير من المحتجين عبروا عن خوفهم على سلامة أبنائهم بعد العفو عن شخص أدين باغتصاب 11 طفلا. "أنا هنا لأنني خائفة على أبنائي، كيف نطمئن للقضاء والقانون إذا كان مغتصبو الأطفال يستفيدون من العفو" تقول إحدى المتظاهرات في حديث لـDWخلال الوقفة الاحتجاجية. بينما كان محتجون يرفعون شعار "هذا هذا عار، الطفولة في خطر".
في بيان لمكتبها المركزي نبهت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى أن العفو الملكي في هذه القضية "يعد تعطيلا لأحكام القضاء وطعنا في مصداقيته، وتشجيعا على الإفلات من العقاب واحتقارا لكرامة الشعب المغربي، خاصة وأنه لم يكد يمضي من العقوبة المقررة في حقه غير اثنين وثلاثين شهرا." وأعلنت الجمعية أنها تفكر في "اتخاذ جميع المبادرات الممكنة، من أجل متابعة هذا الجاني أمام المحاكم الدولية والأوروبية، وذلك بالتنسيق مع الهيئات والمنظمات المهتمة بحقوق الطفل."
في حين ذكر معلقون في إحدى الصفحات المخصصة للموضوع على موقع فايسبوك أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها العفو عن مغتصب أطفال، وأشارت سمية نعمان جسوس، الباحثة السوسيولوجية على صفحتها في موقع فايسبوك، الى قضية مواطن مغربي أدين ب20 سنة سجنا نافذا لاغتصابه أطفالا، لكنه لم يقض وراء القضبان سوى سنتين لاستفادته من عفو ملكي، مستنكرة دور الرشوة والفساد في الاستفادة من العفو.