المهاجرون في ألمانيا ومشكلة الاختيار بين الجنسيتين
٣١ مارس ٢٠١٣رغم أن عيد ميلاد شخص ما يعتبر عادة مناسبة تدعو إلى الاحتفال بها، إلا أن شابة تركية، تحمل الجنسية الألمانية في مدينة هانوا، تلقت في عيد ميلادها الثالث والعشرين من الإدارة الإقليمية المختصة في مدينة دارمشتادت رسالة عكرت أجواء الاحتفال بالمناسبة، إذ جاء في هذه الرسالة أنها فقدت لأسباب قانونية في يوم عيد ميلادها الثالث والعشرين جنسيتها الألمانية.
حملت ابنة زوجين تركيين، ترعرعت وتلقت تعليمها المدرسي في ألمانيا، حتى ذلك الحين الجنسيتين الألمانية والتركية. إلا أن هناك قانونا ينص على أنه يجب على أطفال المهاجرين الأجانب أن يختاروا بين الجنسية الألمانية وجنسية والديهم الأصلية، وذلك إلى أجل أقصاه تاريخ عيد ميلادهم الثالث والعشرين. ويعني ذلك أن هذا الاختيار إجباري.
رغم أن المرأة الشابة كانت قد رفعت طلبا للتخلي عن الجنسية التركية إلى القنصلية المختصة، إلا أنها لم ترفعه في الوقت المناسب، إذ أن مراجعة كل طلب بهذا الشأن تستغرق بضعة أشهر. وبذلك تكون قد تجاوزت المهلة المحددة.
"قواعد ينبغي إلغاؤها"
هذا الحادث لا يشكل حالة استثنائية، كما يقول مارتين يونغنيكل، من الإدارة الإقليمية في دارمشتادت، فمنذ بداية السنة الجارية تجاوز 12 شابا في إقليم دارمشتادت وحده المهلة القانونية المثيرة للجدل. ولذلك فقدوا الجنسية الألمانية.
من حيث المبدأ لا تسمح ألمانيا بحمل جنسيتين مختلفتين دائما. إلا أن هناك العديد من الاستثناءات، فإذا كان آباء الشباب من مواطني إحدى دول الاتحاد الأوربي أو سويسرا، فيمكنهم الاحتفاظ بجوازي سفرهم الألمانية والأصلية. وينطبق ذلك أيضا على الشباب الذين هاجر آبائهم من دول لا تسمح بالتخلي عن جنسيتها، مثل إيران وسوريا. وعلاوة على ذلك يجوز لكل شاب، يكون أحد والديه ألمانيا، أن يحتفظ بجوازي سفره. ويرى مارتين يونغنيكل في ذلك انتهاكا لمبدأ المساواة. "هذه قواعد ينبغي إلغاؤها"، كما يقول. ويؤيد يونغنيكل السماح بالجنسية المزدوجة في جميع الحالات.
"الاعتراف بثقافة المعنيين"
ينتمي معظم الشباب المعنيين إلى مجموعة الأتراك الألمان. ويطالب رئيس الجالية التركية في ألمانيا، كينان كولات، بإزالة الاختيار الإجباري، مشيرا إلى أن ذلك سيشجع تطور هوية ألمانية لدى الشباب المعنيين أكثر من إجبارهم على الاختيار بين جنسيتيهم. ويؤكد كولات أن قبول الجنسية المزدوجة يعني "الاعتراف بثقافة المعنيين"، إذ "من المهم عدم القبول بالتمييز بين مواطني الدولة، فالتمييز يضر بالشعور بالعدالة".
يطالب غونترام شنايدر، وزير الاندماج في ولاية شمال رينانيا فيستفاليا، أيضا بإلغاء الاختيار الإجباري. "لا نحتاج إلى جنسية ألمانية مؤقتة، وإنما نحتاج إلى قواعد قانونية واضحة توفر على الشباب المعنيين الاختيار الإجباري بين جوازي سفر"، كما يقول. وهو موقف يتفق عليه معظم وزراء الاندماج في الولايات الألمانية التي يحكمها ائتلاف الحزبين، الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر. ومن المقرر أن تتقدم الولايات التي تحكمها حكومات ائتلافية من هذين الحزبين، بمبادرة قانونية بهذا الشأن في مجلس الولايات.
"إزالة الاختيار الإجباري ليست مبررة"
إلا أن الفرص المتاحة لإنجاح مثل هذه المبادرة قبل الانتخابات البرلمانية الاتحادية في الخريف القادم قليلة للغاية، إذ أن الحكومة الاتحادية من الحزبين المسيحيين والحزب الديمقراطي الليبرالي منقسمة بهذا الشأن، فبينما يؤيد عدد من السياسيين الليبراليين القياديين المبادرة، إلا أن السياسيين من الحزبين المسيحيين متشائمون بهذا الشأن. وأعربت مفوضة الحكومة الاتحادية لشؤون الهجرة، ماريا بيمر، عن وقوفها ضد إزالة الاختيار الإجباري، مشيرة إلى أنها تعتبر ذلك "غير مبرر". وترى وزيرة شؤون الاجتماعية في ولاية بافاريا، كريستينه هادرتاور، من الحزب الاجتماعي المسيحي أيضا أن "انتماءا داخليا إلى دولة معينة واحدة ضروري لإنجاح الاندماج فيها".
إلا أن هذا ليس رأي الباحثة النفسية، ديبورا مالر، التي تقوم منذ سنين في جامعة كولونيا بدراسات علمية حول موضوع الهجرة، تشمل أيضا قضية مدى شعور المهاجرين بالارتباط بألمانيا. في هذا السياق تقول الباحثة "وضحت هذه الدراسات بكل جلاء أن أشخاصا يحملون جنسية دولتين، يشعرون بارتباطهم الوثيق بكلتا الدولتين، أي بكل من ألمانيا والدولة الأجنبية"، كما تقول السيكولوجية. ولذلك، فإن الجنسية المزدوجة لا تعرقل ارتباط المعنيين بالدولة الألمانية.
لم تطعن المرأة الألمانية التركية الشابة من مدينة هانوا بقرار فقدان جنسيتها الألمانية. ورغم ذلك هناك مخرج، كما يقول مارتين يونغنيكل. "يمكن للمعنيين أن يتقدموا بطلب لحصولهم على الجنسية الألمانية مجددا"، كما يوضح مارتين. ورغم أن تكاليف ذلك تبلغ 255 يورو، إلا أن الفرصة كبيرة للحصول على الجنسية الألمانية مجددا.