الناتو والدول العربية.. هل أضحى الحلف مهدداً بفقدان مكانته؟
٤ أبريل ٢٠٢٤لا يخفي حلف شمال الأطلسي "الناتو" رغبته في تعزيز التعاون مع عدد من الدول العربية، خصوصا للأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا للغرب، للقرب من أوروبا وللصراع العربي-الإسرائيلي وللمنافسة بين الغرب وقوى أخرى كالصين وروسيا وأدوار إيران التي يرتاب لها الغرب.
وأرسل الحلف عدة رسائل في هذا الإطار، فأمينه العام، ينس ستولتنبرغ، زار العاصمة السعودية الرياض، ديسمبر/كانون الثاني 2023، للمرة الأولى في تاريخ منصبه، معبّرا عن رغبته في "تعميق التعاون".
كما أبرز بيان للحلف أن ستولتنبرغ عيّن مجموعة خبراء "لمراجعة نهج الحلف تجاه الخليج والشرق الأوسط وأفريقيا"، والتقى الأمين العام للناتو في الزيارة بالأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي.
غير أن هناك تحديات كبيرة تواجه علاقة الطرفين. "الناتو لم يغيّر كثيرًا طريقة التعامل مع الدول الشريكة له ولا يزال حبيس نظرة قديمة لها" يقول سمير صالحة، أستاذ جامعي للعلاقات الدولية لـDW عربية، موضحًا أن الحلف لم يراجع استراتيجيته، خصوصاً مع دخول عدد من اللاعبين الإقليميين والدوليين على الخط بشكل قوي في المنطقة، بطابع إستراتيجي أمني وعسكري واقتصادي".
التعاون بين الناتو والدول العربية
يرتبط حلف الناتو مع أربع دول خليجية بما يسمى "مبادرة إسطنبول للتعاون"، وهي دول الإمارات والكويت وقطر والبحرين، كما تشارك عُمان والسعودية في بعض أنشطة المبادرة التي تم الإعلان عنها عام 2004. تعمل المبادرة على "التخطيط الدفاعي وإعداد الميزانية الدفاعية ومكافحة الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وكذلك ضمان الجاهزية المدنية" حسب ما يذكره موقع الناتو.
ويقول حلف الناتو إن بعثته المتواجدة في العراق تعمل بناء على طلب من الحكومة العراقية، وهي "بعثة غير قتالية وركزت على الأهداف التي طلبتها ووافقت عليها السلطات العراقية". وتدعم بعثة الناتو في العراق منذ عام 2018، الحكومة العراقية في إصلاح هيكليتها الأمنية ومؤسساتها لغرض جعلها أكثر مهنية وفاعلية واستدامة على المديين المتوسط والبعيد.
وحول مدى تأثر دور بعثة الناتو بإنهاء مهام التحالف الدولي أعلن مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، ان إنهاء مهمة التحالف الدولي لن يؤثر على العلاقة مع بعثة الناتو في العراق.
وهناك كذلك "الحوار المتوسطي" الذي انطلق عام 1994، ويعمل على أهداف "المساهمة في الأمن والاستقرار الإقليميين، وتحقيق تفاهم متبادل أفضل، وتبديد أي مفاهيم خاطئة حول حلف شمال الأطلسي في الدول المشاركة". وانضمت عدد من الدول العربية إلى هذه المبادرة، هي مصر وموريتانيا والمغرب وتونس الأردن والجزائر، وتوجد إسرائيل كذلك في هذا الحوار.
وحسب تحليل لجان-لو سمعان، الباحث المتخصص في مجال الشؤون الاستراتيجية لمعهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية، فإن "الأجندات السياسية المتنافسة للدول الأعضاء في الناتو أدت إلى عرقلة تطبيق أي شراكة طموحة في المنطقة".
ويضيف في المقال على موقع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن بعض أعضاء الحلف دفعوا نحو زيادة تدخله خارج حدود البحر المتوسط، بينما رأى أعضاء آخرون أن الحلف لا يمتلك الخبرة الدبلوماسية اللازمة للتعامل مع أزمات الشرق الأوسط، كما قامت تركيا بجهود لـ"تعطيل أنشطة الناتو غير المنسجمة مع استراتيجيتها في المنطقة".
ويشير إلى أن مساهمة الناتو في دعم الجيوش العربية لا تزال متواضعة، ولا تساهم في تحديث هذه الجيوش، لكن في جانب آخر، "نجحت برامج الناتو التدريبية والتعليمية في الشرق الأوسط بالنجاح، خصوصا في مجال الدبلوماسية الدفاعية من خلال إنشاء شبكات دولية جديدة من القادة العسكريين"، غير أنه يبقى نجاحا محدودا حسب الباحث، خصوصا مع افتقار الحلف لأهداف محددة، ولمعايير واضحة للتقييم.
لكن من جانب آخر، يشير كمال بن يونس، الإعلامي التونسي والأكاديمي المتخصص في الدراسات الدولية، إلى أنّ العلاقات بين دول الحلف والدول العربية شهدت الكثير من الشراكات، سواء على المستوى الثنائي، أو على المستوى الجماعي، مضيفًا لـDW عربية أن الشراكة تعززت بالمبادرات المذكورة آنفًا.
ويضيف بن يونس قائلا إنّ الحروب التي انفجرت في المنطقة عموما بما فيها منطقة الساحل، ساهمت في "مضاعفة صيغ اعتماد الدول العربية على القدرات العسكرية والأمنية لدول الناتو ومؤسسات الحلف في بروكسل".
نظرة سلبية للحلف
لكن لا يحظى حلف الناتو بنظرة إيجابية على المستوى الشعبي في المنطقة العربية وفق ما تؤكده عدة مؤشرات، شأنه شأن النظرة إلى التكتلات الغربية. وزاد هذا الشرخ مع الحرب في غزة، إذ تنتشر أفكار أن الغرب عمومًا كان داعماً لإسرائيل، خصوصا الولايات المتحدة التي عرقلت توصل مجلس الأمن أكثر من مرة لاتفاق بوقف إطلاق النار، فضلاً عن الإرث الاستعماري لعدد من الدول الأعضاء في الحلف، والنظرة الحساسة لها من شعوب الدول المستعمرة سابقًا.
وفي رأي كمال بن يونس، فإن النظرة السلبية للرأي العام العربي تجاه الحلف، تعود إلى "اقتناع الأغلبية في العالم العربي بغياب توازن في علاقات دول الناتو مع قضايا المنطقة والعالم"، ومن ذلك حسب الخبير "المطالب الوطنية والسياسية والإنسانية للشعب الفلسطيني وللدول العربية التي ماتزال بعض أراضيها محتلة".
ويوضح أن أزمة الثقة "استفحلت بين الطرفين بعد التدخلات والعمليات العسكرية التي قامت بها قوات دول من الناتو في عدد من الدول العربية وكانت نتائجها الأمنية والعسكرية عكسية، بينها ليبيا وسوريا والعراق"، لافتاً أن الأزمات استفحلت في هذه البلدان، ولم تتحقق النتائج التي وعد بها الحلف، ومن ذلك تحرير دول المنطقة من الاستبداد وتحسين الأوضاع الأمنية ونشر السلام.
وفي رأي صالحة، فإن الملف الأوكراني كانت له ارتدادات كبيرة على منطقة الشرق الأوسط، إذ إن الحرب في أوكرانيا تتجه نحو المجهول وتخلق تحديات كبيرة للحلف، كما أن السياسة التي تتبعها إيران في الخليج، وطبيعة تعامل الناتو معها، لم يرض الدول الخليجية، لافتًا كذلك إلى وقوع نوع من تضارب المصالح بين أوروبا وأمريكا في الشرق الأوسط، إذ تباعدت وجهات نظرهما في عدة ملفات في المنطقة، ما كان له تأثير سلبي على علاقاتها بالناتو.
هل تستغل روسيا والصين الوضع ؟
تعزز التعاون بين عدد من الدول العربية وبين الصين وروسيا، وبعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، زار فلاديمير بوتين الرياض، والتقى بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، نهاية 2023، مؤكدا على تطوير العلاقات بينهما، كما قامت الصين بدور رئيسي في مصالحة سعودية-إيرانية.
كما تسارعت وتيرة تطور العلاقات الخليجية مع الصين، رغم استمرار التأكيد على الدور الأمني للغرب، خصوصا الولايات المتحدة.
يؤكد سمير صالحة أن مصالح حلف شمال الأطلسي مهددة من أطراف أخرى، أهمها الصين، وكذلك العودة الروسية القوية إلى المنطقة، والصعود الإيراني، و"كذلك الأدوار التي تلعبها تركيا في حوض البحر الأوسط والشرق الأوسط"، مبرزاً أن ما يهدد الحلف كذلك هو ردود فعل دول الخليج السلبية تجاه عدد من سياسات الولايات المتحدة وتباعد وجهات النظر بينهما في عدة ملفات، فضلاً عن أن المصالحة الخليجية ونهاية الأزمة بين السعودية وقطر يمكنه تفعيل مبادرة أمنية خليجية خاصة.
ومؤخرا، بدأت عدد من دول المنطقة تفكر في خلق "ناتو عربي"، وأشارت تقارير متعددة إلى دعم أمريكي لخلق ناتو عربي، يضم دول الخليج العربية الست، بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق، كما أعلنت إسرائيل عن تحالف للدفاع الجوي المشترك في الشرق الأوسط، يمكن أن تنضم له دول المنطقة، لكن أيا من هذه المشاريع لم يتم تشكيلها أو أجرأتها.
وفي رأي كمال بن يونس، فالحلف الأطلسي "سيبقى الشريك العسكري والأمني والتكنولوجي الأهم بالنسبة لغالبية الدول العربية، رغم دخول الصين وروسيا على الخط"، لأسباب عديدة من بينها حجم الشراكات بين الدول العربية والغرب، لافتاً أن الاعتماد على" الأصدقاء" لا يعوض الاعتماد على" الحلفاء" وفق تعبيره.