انتحار سارة حجازي.. فاجعة تجدد الجدل حول الحريات في مصر
١٥ يونيو ٢٠٢٠أصدر الحزب المصري المعروف بـ "حزب العيش والحرية" وهو ما زال في مرحلة التأسيس باعتباره حزباً اشتراكياً ديموقراطياً في مصر بياناً رسمياً على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" نعى فيه العضوة المؤسسة بالحزب والناشطة المصرية المدافعة عن قضايا وحقوق المثليين، سارة حجازي. من جانب آخر أعلنت "حركة الاشتراكيون الثوريون" عن وفاتها على صفحتها على موقع "تويتر". كما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي رسالة كتبت بخط اليد ونسبت إلى سارة. و رغم أن كلمات هذه الرسالة لم تشر إلى عزم سارة على الانتحار، إلا أن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أفادوا بأنها قد انتحرت في كندا التي فرت إليها من مصر قبل عام ونصف.
صدمة وجدل حول المثلية الجنسية
خبر انتحار الناشطة المصرية سارة حجازي، انتشر بشكل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، وشهد هاشتاغ #سارة_حجازي، والذي احتل منذ يوم أمس قائمة الأكثر تداولاً في مصر، جدلاً حاداً بين مؤيد ومعارض لآراء وأفكار الناشطة الداعمة لحقوق المثليين وبين آخرين رافضين لفكرة المثلية الجنسية. وإضافة إلى عدد من أصدقاء ومعارف الناشطة المصرية الراحلة، فقد تفاعل أيضاً عدد كبير من الشخصيات العامة، وفي هذا الصدد علّق المحامي والسياسي المصري، خالد علي على الحادثة في تغريدة:
من جانبه كتب الإعلامي المصري يوسف حسين مذيع البرنامج السياسي الساخر "جو شو" عن التعليقات السلبية الصادرة من بعض "من نصبوا أنفسهم حكاماً على البشر" كما وصفهم في تغريدته:
من جانب آخر، انتقد مغردون ومدونون حملة التضامن مع الناشطة المصرية المدافعة عن قضايا مجتمع الميم، سارة حجازي، و"طالبوا بعدم التضامن مع من ينتحر أو يدعم أفكار تخالف الإسلام والمسلمين"
وارتبط اسم الناشطة المصرية الراحلة بالحادثة التي عُرفت بـ "علم قوس قزح"، حيث ألقي القبض على سارة حجازي والطالب المصري بكلية الحقوق، أحمد علاء في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2017 على إثر رفعهما علم قوس قزح، شعار المثلية الجنسية في حفل غنائي للفرقة اللبنانية "مشروع ليلي" والذي أقيم في سبتمبر/ أيلول من نفس العام. واتهمت السلطات المصرية كلاً من سارة وأحمد بـ"التحريض على الفسق والفجور". وفي يناير/ كانون الثاني تم الإفراج عن سارة حجازي وسافرت إلى كندا. وفي لقاء سابق لها وللطالب أحمد علاء معDW تحدثت سارة عن ظروف اعتقالها وعن حجم المعاناة التي تعرضت لها خلال الفترة التي قضتها داخل السجن في مصر.
حملات واسعة ضد المثليين
منذ أن رفعت رايات "قوس قزح" التي ترمز إلى مجتمع المثليين في حفل غنائي للفريق اللبناني "مشروع ليلى" بالقاهرة في 22 أيلول / سبتمبر من عام 2017، تكثفت عمليات اعتقال المثليين في مصر. ويلجأ القضاء في مصر في معظم الحالات إلى النصوص التجريمية المتعلقة "بالفسق" أو "التحريض على الفجور" لعدم وجود نص صريح يجرّم المثلية الجنسية في القانون المصري، كما أشارت منظمة العفو الدولية في شمال إفريقيا في بيان سابق لها تعليقاً على حادثة رفع علم قوس قزح عام 2017.
كما طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" حينها مصر بالتوقف عن اعتقال ومضايقة المشتبه في أنهم مثليون جنسياً بتوجيه تهم مفبركة بـ "الفجور" و"التحريض على الفسق" واعتبرت ذلك "انتهاكاً للخصوصية وحرية التعبير". كما تحدثت المنظمة عن إجراء" فحوص شرجية قسرية" على المعتقلين وهي "تقنية تعود إلى القرن الـ 19 للبحث عن "أدلة" على السلوك المثلي، لكن خبراء الطب الشرعي في جميع أنحاء العالم أدانوا هذه الممارسة لافتقارها إلى أي صحة علمية وانتهاكها أخلاقيات مهنة الطب". ووصفها "المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب" و"لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب" و"اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب" بأنها شكل من أشكال التعذيب أو سوء المعاملة التي يحظرها القانون الدولي.
ضغوط السلطة والمجتمع
في ذات السنة التي رفعت فيها رايات "قوس قزح"، أصدر المجلس الأعلى لتنظيم وسائل الإعلام في مصر أمراً يمنع "ظهور المثليين جنسياً" أو "الترويج لشعاراتهم" على وسائل الإعلام. وفي يناير / كانون الثاني عام 2019، حُكم على الإعلامي المصري محمد الغيتي بالسجن لمدة عام لاستضافته رجلا مثلي الجنس في برنامجه التلفزيوني. ولا يمثل ما حدث بعد حفل "مشروع ليلى" الحملة الأولى على المثليين جنسيا في مصر، إذ قامت قوات الأمن في عام 2001 باعتقال 52 شخصا كانوا مجتمعين في ملهى ليلي على النيل، كما أفادت تقارير سابقة، ما أثار حفيظة المجتمع الدولي والمنظمات الأهلية المختلفة.
وبسبب أغنية صوّرها للمغني رامي عصام، تسخر من الوضع السياسي في مصر، دخل المخرج المصري شادي حبش السجن وتوفي داخله ولم يتجاوز عمره 24 عاماً. ووفق ما تم تداوله جاءت وفاته بعد مضاعفات صحية تعرّض لها، رغم كل المناشدات السابقة للإفراج عنه. كثير من المصريين حزنوا لوفاته وعبروا عن "صدمتهم وغضبهم". حادثة وفاة المخرج المصري شادي حبش، من الحوادث التي أثارت جدلاً واسعاً في مصر كما هو الحال اليوم مع قضية الناشطة سارة حجازي التي أعادت قضيتها تسليط الضوء من جديد على وضع الحريات الشخصية وكذا السياسية في مصر، وفي سياق متصل نبه السياسي محمد البرادعي، أحد رموز ثورة الخامس والعشرين من يناير، إلى أن "قضية سارة حجازي تثير قضايا عامة شائكة لم تطرح بوضوح في معظم الدول ذات الأغلبية المسلمة..".
يعتقد الحقوقي المصري المقيم بالخارج، أحمد سميح أن "الشباب بحاجة إلى فرص جديدة في مجتمعات جديدة "وعن وضع الحريات الشخصية والسياسية في مصر قال في حواره مع DW عربية: "الأوضاع الخاصة بالحريات في مصر لا تطاق. المجتمع الدولي باستطاعته أيضا الضغط علي النظام السياسي العسكري من أجل اقناعهم أن الحريات ليست خطراً على مناصبهم بل ضمانه لاستمرارية الاستقرار".
أما مصطفى فؤاد، نائب المدير التنفيذي لمنظمة هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية، وهي منظمة إقليمية غير حكومية تعمل على تعزيز حقوق الإنسان والمشاركة المدنية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فقد ذكر في تصريحه لـ DW عربية بأن "المسؤولية تقع على النظام السياسي والسلطة الأبوية المترسخة في كل فرد من أفراد المجتمع والرفض الذي تعانيه هذه الفئة لأنها مختلفة فكرياً وسياسياً".
وأضاف فؤاد بأن "احراز أي تقدم في مثل هذه القضايا ومساعدة هذه الفئات المستهدفة بضغوط السلطة والمجتمع لا يمكن أن يحدث من دون ثقافة قبول الآخر والوعي بالتعددية قبل احترامها (…) الاعتداء على المسيحيين، اتهام المسلمين بالإرهاب وغيرها من القضايا، كلها قضايا لن تتغير دون ذلك".
إيمان ملوك