اندماج المهاجرين في ألمانيا ـ مسافة الألف ميل تبدأ باللغة!
٢٨ مايو ٢٠١٧يجلس ريبر عمر في قاعة حديثة لكنها بسيطة الأثاث وهي تابعة للمدرسة الشعبية في قلب مدينة كولونيا بالقرب من ميدان "نوي ماركت" الشهير، وهو يستمع بتركيز كبير إلى شرح معلمة اللغة الألمانية لبعض حالات القواعد اللغوية. ورغم جفاف المادة وصعوبتها يحاول الشاب الكردي القادم من سوريا كلاجئ أن يفهم ويحاول كتابة الملاحظات التي يحصل عليها أو يفهمها من الدرس. الدرس هذا هو جزء من دورة اندماج يتحمل تكاليفها مكتب الهجرة واللاجئين. ريبر يتحدث الألمانية بشكل لا بأس به وهو سعيد لمشاركته في هذه الدورة ويقول دوما "دون تعلم اللغة لا يمكن للمرء أن يعيش" في هذا البلد.
في سوريا تعلم ريبر مهنة الحلاقة إلى جانب مهنة "خباز البيتزا" وكان يعيش من المهنتين حسب الظروف. أما في ألمانيا فيرغب ريبر في تعلم حرفة "ميكانيك السيارات". ريبر لم يلتق بوالديه منذ ثلاث سنوات، حيث يقول عنهم إنهم هربوا إلى العراق ويتصل بهم بين الحين والآخر عبر شبكة الانترنت.
يجلس ريبر إلى جانب ميلاكه على طاولة واحدة في الفصل. ميلاكه مهاجر قادم من إريتريا ويتحدث الألمانية بصعوبة، لكنه مصمم على تعلم اللغة الألمانية بشكل جيد وبأسرع وقت ممكن، ويقول " إنه من المهم بمكان أن يتمكن المرء من الحديث مع الناس". ميلاكه قدم إلى ألمانيا قبل عامين وكان عمره آنذاك 19 عاما، ويأمل في الدراسة في ألمانيا في المستقبل.
طبيعة دورات الاندماج
تستمر دورة الاندماج هذه حوالي عاما كاملا وتتضمن ما بين 700 ساعة دراسية للراشدين و 1000 ساعة دراسية للشباب. وتتوزع الساعات الدراسية على ثلاث وحدات تعليمية مهمة: الأولى تعلم أساسيات اللغة الألمانية فيما يخص مواضيع التسوق أو التبضع والسكن والصحة والتعليم وقضاء وقت الفراغ.
في الوحدات التعليمية المتممة يتعلم المشاركون كيفية خوض نقاش باللغة الألمانية في مواضيع المجتمع ووسائل الإعلام وعن الدولة والثقافات الأخرى. وتختتم الدورة باختبار، تتبعه دورة توجيهية يتم فيها مناقشة وتعلم النقاش في مواضيع مهمة في المجتمع، مثلا النظام القضائي الألماني والتاريخ والثقافة والقيم الاجتماعية. وهذه الدورة تنتهي أيضا باختبار . ومن يجتاز الاختبارين يكون قد أكمل دورة الاندماج بنجاح.
البحث عن الأمن والاطمئنان
في الغرفة المجاورة لغرفة ريبر وميلاكه تجلس ماريا في الدورة الخاصة بالمجتمع والقيم الثقافية والأخلاقية في المجتمع، أي في الجزء الأخير من دورة الاندماج. ماريا مهاجرة من إيران وترغب العمل في محل لبيع الورد أو افتتاح مقهى خاص بها، وتقول في هذا السياق: "أحتاج إلى الدورة لأني أريد أعيش هنا وأريد تعلم مهنة ما وأرغب أن أعمل وأكسب عيشي". ماريا تفتقد عائلتها في إيران وتقول" أريد أن أكون هناك، حيث تكون الحرية". ماريا ممتنة في وجودها في ألمانيا "لأن ألمانيا تحترم حقوق المرأة، في ألمانيا أعيش مطمئنة وأتمتع بالهدوء"، حسب قولها.
معلم ماريا والذي حاول خلال الدورة أن يلخص في وقت قصير التطور السياسي في ألمانيا من عام 1806 وحتى الوقت الحاضر، هو مدرس اللغة الألمانية ومادة التاريخ المتقاعد فولفغانغ هيرمان. هيرمان يقدم أسبوعيا 10 ساعات من دروس دورات الاندماج في المدرسة الشعبية في كولونيا.
إثراء للطرفين
يقول هيرمان "إن العمل هنا يشكل إثراء بالنسبة لي" ويعبر هيرمان عن سعادته بالحصول على هذه الفرصة في هذا المجال المهم، ويضيف "العمل هنا يعطيني الكثير. وأكن احتراما كبيرا لمصير هؤلاء الناس القادمين إلى بلدنا". ويتأثر المعلم هيرمان كثير بما يرويه المشاركين في فصله الدراسي بشأن طريقة هروبهم وعصابات المهربين الذي يستغلون معاناة المهاجرين من أجل كسب المال. وآخر ما سمعه هيرمان في هذا المجال يقوله بنفسه" روى لي أحد المشاركين في الأسبوع الماضي أنه دفع مع اثنين آخرين مبلغ 50 ألف دولار لمهربين".
تزايد الطب على دورات الاندماج
ويتزايد الطلب على دورات الاندماج يوما بعد يوم "ففي عام 2016 شارك أكثر 340 ألف شخص في دورات الاندماج"، كما تقول المتحدثة باسم المكتب الفيدرالي للهجرة واللاجئين ساندرا شلوتسير. كما خطط المكتب الفيدرالي للهجرة والمهاجرين لعدد كبير من المشاركين في دورات الاندماج في عام 2017، حيث خصص المكتب مبلغ 610 ملايين يورو لتغطية تكاليف هذه الدورات.
وشهدت الفترة ما بين 2015 و2016 تضاعف عدد المشاركين في دورات الاندماج. ويعود سبب ذلك، حسب المتحدثة باسم المكتب الفيدرالي ساندرا شلوتسير، إلى أن السلطات سمحت للاجئين من بعض الدول التي تكون نسبة الاعتراف بهم كلاجئين عالية، بالمشاركة في دورات الاندماج حتى وإن كانت طالباتهم قيد الدراسة ولم تحسم بعد. ومن هذا الدول سوريا وإريتريا وإيران والعراق والصومال.
حسن ع.حسين (إ ب. د(