انقسام في المغرب حول مكتسبات المرأة
١٣ أكتوبر ٢٠١١خلف موقف حزب العدالة والتنمية المعارض لمصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية لمحاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والتي تسمى باختصار "سيداو" ، ردود فعل ساخطة من قبل الحركات النسائية في المغرب. إذ تأجج الخلاف بين الحزب الإسلامي وعدد من الجمعيات النسائية مباشرة بعد إعلان الحكومة المغربية إلغاءها لكافة تحفظاتها على المادتين التاسعة و السادسة عشرة في الاتفاقية المعنية.
وفيما اعتبرت هذه المنظمات النسائية أن حزب العدالة و التنمية يستغل الدين الإسلامي لدوافع انتخابية بالأساس، يرى حزب العدالة والتنمية وعدد من الحركات الإسلامية، أن رفع المغرب لتحفظاته على المادتين 9 و 16 من اتفاقية "سيداو" يشكل مسا خطيرا بالمرجعية الإسلامية للدولة المغربية.
وعلى الرغم من أن المادة التاسعة من الاتفاقية لم تعد تطرح أي إشكال بعد ما خول الفصل السادس من قانون الجنسية المغربي الجديد المرأة الحق في منح جنسيتها لأبنائها، إلا أن المادة 16 تحث الدول الموقعة على ضمان نفس الحقوق و المسؤوليات للرجل و المرأة أثناء الزواج وعند فسخه، و كذا ما يتعلق بالولاية و القوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم.
استغلال الدين لحسابات انتخابية
تعتبر فوزية العسولي، رئيسة فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة في المغرب، وهي منظمة نسائية ينضوي تحتها العديد من الجمعيات في تصريح لدويتشه فيله، "أن رفع المغرب لتحفظاته على المادتين 9 و 16 من الاتفاقية الدولية الخاصة بمحاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة يعتبر خطوة هامة وأساسية لتكريس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة بالمغرب، خاصة بعد إقرار مدونة الأسرة في السنوات الأخيرة". وتضيف العسولي منتقدة حزب العدالة و التنمية الإسلامي المعارض، "أن الحزب يحرص على إثارة الشعور الديني لتغطية عجزه وعدم قدرته على تقديم برنامج اقتصادي و اجتماعي للناخبين من أجل التصويت عليه".
و تتابع فوزية العسولي بأن هذا الموقف "ليس غريبا على حزب العدالة و التنمية، الذي سبق واعترض على عدة قوانين تروم إنصاف المرأة، مثل مدونة الأسرة التي اعتبرها الحزب خروجا عن الشريعة الإسلامية و تهديدا للأسرة، وكذلك رفع سن الزواج إلى 18 سنة ومنع استعباد النساء بدعوى الخوف عليهن من الفساد، و كذا جعل مسالة الطلاق بيد القضاء وليس بيد الرجل"، ثم ما لبث الحزب تواصل العسولي ،"أن صادق عليها كلها، وصادق أيضا على الدستور الجديد الذي ينص على المساواة بين المرأة و الرجل".
الاتفاقية تتنافي مع أحكام الدين الإسلامي
في مقابل الموقف المرحب برفع المغرب لتحفظاته على المادتين 9 و 16 من الاتفاقية الدولية الخاصة بمحاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، يبرز موقف آخر تصفه الحركات النسائية "بفريق الممانعة " ممثلا في حزب العدالة و التنمية. ويعتبر هذا الفريق أن رفع المغرب لتحفظاته على اتفاقية "سيداو" و بشكل خاص المادة 16، يمثل مخالفة صريحة لضوابط الشريعة الإسلامية بشكل سافر، فضلا عن الإشكاليات القانونية الأخرى التي يثيرها اعتماد المادة 16 .
وعلى هذا النحو يرى مصطفى الرميد، القيادي في حزب العدالة و التنمية الإسلامي المعارض في حوار مع دويتشه فيله، "أن مدونة الأسرة في المغرب تعتبر الحل الذي توافقت عليه جميع أطراف المجتمع، و بالتالي لا يجوز بأي حال من الأحوال المس بهذا التوافق بطريقة متسرعة و غير مضبوطة يمكن أن تثير الفتنة ". ويتابع الرميد مستعرضا جملة من مخالفات الشرع التي تنطوي عليها المادة 16 ضمن اتفاقية "سيداو"، وخاصة البند الذي يقر "بنفس الحقوق للرجل والمرأة في عقد الزواج، وهو أمر إذا تم إقراره سيفضي إلى تبعات تصطدم مع أحكام الشرع القطعية، حيث أن نفس الحق في عقد الزواج يفيد زواج المسلمة من الكتابي، ما دام الرجل يملك هذا الحق شرعا بأن يتزوج من الكتابية، لافتا إلى حرمة زواج المسلمة بغير المسلم.
و يختم مصطفى الرميد قوله بأن "خطوة الحكومة المغربية هذه ستجهز على المكتسبات التي تضمنتها مدونة الأسرة المصادق عليها من طرف البرلمان المغربي قبل سنوات عدة، وأولى هذه الحقوق هي الصداق و النفقة التي لا تنص عليها اتفاقية سيداو".
هل بدأ التصدع يصيب التوافق الوطني الذي واكب الدستور الجديد؟
أثار الانقسام حول رفع المغرب لتحفظاته على اتفاقية "سيداو" بين مؤيد ومعارض، العديد من الأسئلة حول ما إذا كان "شهر عسل" التوافق الذي واكب عملية التصويت على الدستور قد ولى . حسن طارق أستاذ العلوم السياسية وعضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يعتبر "أن الأمر لا يتعلق بشرخ في الكتلة التي صادقت بشكل إيجابي على الدستور، لأن هذا الموقف الموحد لا يلغي كل التناقضات المتعلقة بتدبير المرجعيات الإيديولوجية لكل طرف في الصراع". ويستدل حسن طارق على هذا الأمر "بكون الدستور المغربي الذي يعد الوثيقة الرسمية، يضم بين ثناياه معالم عصرية، وفي نفس الوقت يحافظ على الخصوصيات الإسلامية، وكل من الطرفين قد يجد في الوثيقة الدستورية ما يسند به مواقفه وأفكاره".
الشارع المغربي بدوره منقسم
عدم التوافق على تأييد رفع الحكومة المغربية لتحفظاتها على اتفاقية "سيداو" لم يبق في مربع عمليات الأحزاب الإسلامية والجمعيات النسائية فقط، بل انتقلت "عدواه" إلى الشارع المغربي.
إسماعيل النافع شاب في العشرينيات يرى "أن المرأة المغربية قد تحقق لها من المكاسب ما يكفي لضمان حياة كريمة لها، وبالتالي فهي في غنى عما ستضيفه هذه المواد من الاتفاقية التي تم رفع التحفظ عليها". ويعبر إسماعيل عن تخوفه من "أن يتم استغلال هذه البادرة لبث المشاكل داخل كنف الأسر المغربية".
وعلى الطرف الآخر، ترى سارة حيدر، شابة بمستوى جامعي، أن "رفض قضية رفع التحفظات على الاتفاقية الدولية لمحاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة ليس له ما يبرره، حيث أن المرأة المغربية عانت من الظلم لمدة طويلة، وقد حان الوقت لتتمتع بحقوقها كاملة بما في ذلك مقتضيات الفقرة 16 من اتفاقية "سيداو" . و تضيف حيدر، "أن المرأة المغربية أصبحت قادرة على تسيير حياتها واختيار ما تريد دون وصاية من احد".
الرباط ـ عبد المولى بوخريص
مراجعة: محمد المزياني