الهجرة إلى بريطانيا
٢ أكتوبر ٢٠٠٦تعد المملكة المتحدة/ بريطانيا إحدى أهم دول العالم وأكثرها تأثيرا على العديد من القرارات الهامة التي تتعلق بالقارة الأوروبية. كما أنها من الدول القليلة التي تتبع سياسة هجرة جريئة تحاول من خلالها تلبية متطلبات اقتصادها. وفي هذا الإطار تحرص على تنظيم عملية الهجرة بشكل لا يقود إلى زيادة حدة مشاكل البطالة والعمل غير الشرعي.
العالم الثالث لم يعد مصدر المهاجرين
تعتمد بريطانيا منذ القدم على استقطاب مهاجرين من دول مختلفة. وجاءت غالبيتهم في السابق من دول الكومنولث والمستعمرات البريطانية في قارتي آسيا وأفريقيا. غير أن مصادر المهاجرين شهدت تغيرا ملحوظا في السنوات الأخيرة بعد أن فتحت المملكة المتحدة أبوابها لهؤلاء من دول شرق أوروبا، لاسيما التي دخلت في عضوية الاتحاد الأوروبي اعتبارا من مايو/ أيار عام 2004. وكان لهذا القرار نتائجه الملموسة بشكل سريع. فبعد أشهر فقط من صدوره شهدت الحدود البريطانية تدفق أعداد كبيرة من الأوروبيين الشرقيين الباحثين عن فرص حياة أفضل. وجاء معظم هؤلاء، نحو 56 بالمئة من بولندا هذه المرة. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى ارتفاع نسبة البطالة هناك، إذ وصلت إلى 16 بالمائة. يضاف إلى ذلك ان ها البلد أكبر الدول الأوروبية العشر التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي مؤخرا.
فتح باب الهجرة يقلق البريطانيين
أُحيط قرار بريطانيا عام 2004 بفتح أبوابها أمام المهاجرين من شرق أوروبا والسماح لهم بالعمل والإقامة هناك بالكثير من المخاوف والقلق. ولعل أكبرها تلك المقترنة بخشية البريطانيين من تراجع فرصهم في الحصول على عمل بسبب منافسة القادمين الجدد وانخفاض أجورهم، وهو الشيء الذي قد يصاحبه انخفاض في مستوى المعيشة. وربما تكون تلك المخاوف أهم أسباب امتناع دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا وفرنسا على اتخاذ مثل هذا القرار.
وبعيدا عن انتقاده ورفضه من قبل الأحزاب المعارضة والتيارات المحافظة في المملكة المتحدة، فإن حضور المهاجرين الجدد اخذ يفرض نفسه ببطيء على الحياة اليومية في بريطانيا. ومن المثير للدهشة والسخرية في نفس الوقت أن رئيس الحزب المستقل- اكبر الأحزاب المعارضة في بريطانيا، والمعارض بشكل واضح لاستقدام مهاجرين جدد- استعان هو نفسه بعمال بولنديين للقيام بإصلاح منزله الريفي.
المهاجرون ينعشون الاقتصاد البريطاني
أما على الجانب الاقتصادي فقد شهد الاقتصاد البريطاني نموا ملحوظا خلال السنوات القليلة الماضية، الشيء الذي يربطه الكثيرون بالهجرات الأخيرة إلى المملكة المتحدة. وفي هذا الإطار يرى محللون إن تشغيل هؤلاء أنعش الطلب في السوق وأدى إلى زيادة معدلات النمو. ويتوقع أن يشهد الاقتصاد المذكور مزيدا من الانتعاش على ضوء ذلك في السنوات القادمة.
إن فتح الحدود البريطانية للأوربيين الشرقيين يفصح بشكل واضح عن استراتيجية هجرة جديدة تتبعها بريطانيا، وتقوم على استقطاب المهاجرين من أوروبا في المقام الأول. ويرى المحللون إن خلفية ذلك تعود إلى المصالح الأوربية المشتركة، إضافة إلى قدرة هؤلاء على الاندماج في المجتمع البريطاني بيسر ومرونة أكثر مقارنة بالمهاجرين من خارج القارة الأوروبية.
فرص عمل أقل للعرب في بريطانيا
وترتبط فرص الهجرة إلى بريطانيا باحتياجات سوق العمل هناك. وتستقطب هذه السوق ثلاث مجموعات رئيسية في الوقت الحاضر:
- المجموعة الأولى: تشمل الأكاديميين المتخصصين، لاسيما في مجال الطب والهندسة وتقنية المعلوماتية.
- المجموعة الثانية: تضم العمال المهرة اللذين وصلوا إلى مستوى عال من الخبرة من خلال التدريب وممارسة العمل في مجالات عديدة.
- المجموعة الثالثة: ينتمي إليها العمل العاديين الذي يقومون بأعمال لا تحتاج إلى تأهيل عال كما هو عليه الحال في قطاعي النظافة والمطاعم وتجارة التجزئة.
أما فرص العمالة العربية للهجرة إلى الملكة المتحدة فهي شبه محصورة في مجالات عمل المجموعة الأولى. وهذه الفرص مثلها مثل بقية الفرص المتاحة لأقرانهم من الدول النامية أو بلدان العالم الثالث. غير أنها أصبحت مؤخرا أقل مما كانت عليه من قبل بسبب اهتزاز صورة المسلمين والعرب في أوروبا خلال السنوات القليلة الماضية. صحيح أن هذا الشيء لا يتم التصريح عنه في قوانين الهجرة، غير أن يؤخذ في الاعتبار على أرض الواقع.
محمود يعقوب