بعد الإطاحة بنظام الأسد في سوريا .. هل يسقط النظام الإيراني؟
١٧ ديسمبر ٢٠٢٤خيم نوع من التفاؤل الحذر لدى كثيرين في إيران، بعد الانهيار المفاجئ والسريع لنظام بشار الأسد في سوريا، إذ يرى الذين خاب أملهم في نظامهم، أن هناك أوجه تشابه بين نضالهم ونضال الشعب السوري لإسقاط الدكتاتور.
لقد كان سقوط نظام بشار الأسد، المتوارث لما يزيد عن خمسين سنة، ذا أهمية كبيرة بالنسبة للإيرانيين، لأن سوريا كانت حجر الزاوية في استراتيجية طهران الإقليمية، ولا ترمز فقط إلى النفوذ الجيوسياسي ولكن أيضا إلى نموذج مشترك للاستبداد، وبالتالي فإن صدى التطورات في سوريا، يصل مداه إلى كل زوايا المشهد الاجتماعي والسياسي في إيران.
لقد أحيت الإطاحة بالأسد الأمل بين الإيرانيين في التغيير المحتمل داخليا، وخاصة بعد حملة القمع الوحشية التي شنتها الحكومة الإيرانية على حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، والتي خلّفت مئات القتلى وآلاف السجناء.
لقد دفع هذا الوضع المرشد الأعلى علي خامنئي إلى الإدلاء ببيان علني، وحذر خامنئي في خطابه الأسبوع الماضي قائلاً: "إن أي شخص يحلل أو يدلي بتصريحات تثبط عزيمة الناس، فإنه يرتكب جريمة وسوف يتم التعامل معه". مضيفا أن "البعض يقوم بذلك من الخارج باستخدام وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية، ولكن لا ينبغي لأحد داخل البلاد أن ينخرط في مثل هذا السلوك".
تؤكد تصريحات خامنئي مخاوف النظام الحاكم في إيران من تأثير الأحداث في سوريا عليه، خاصة وأن الإطاحة بالأسد تسلط الضوء على نقاط الضعف في الأنظمة التي تقمع المعارضة وتعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي. كما تخشى القيادة الإيرانية أن يتردد صدى عوامل مماثلة مزعزعة للاستقرار، مثل الصعوبات الاقتصادية الكبيرة والتحالفات الإقليمية التي تشهد تراجعا وتهدد استقرارها.
أنصار النظام "في حالة صدمة"
حسين رزاق، هو ناشط سياسي وسجين سابق تم اعتقاله عدة مرات منذ احتجاجات الحركة الخضراء في عام 2009، ويعتقد أن سقوط الأسد أثار، في المقام الأول، قلق أشدّ المناصرين للجمهورية الإسلامية. واعتبر المتحدث أن المؤيدين للنظام الإيراني، والذين ينتمون في غالب الأحيان لعائلات النخبة في النظام، أو الذين تربطهم علاقات بالمؤسسة العسكرية والدينية، مهتمون بشدة ببقاء النظام، وقد هزهم فقدان أحد حلفائه الإقليميين الرئيسيين.
وقال رزاق في تصريحات لـ DW: "لقد ترك انهيار الأسد أنصار النظام المتشددين في حالة صدمة"، مشيراً إلى ردود الفعل في صفوف عائلات الجنود الذين توفوا وهم يقاتلون من أجل النظام في سوريا، والمعروفين في إيران باسم "المدافعين عن الحرم".
وتابع رزاق: "لقد هز هذا الوضع آلة الدعاية للجمهورية الإسلامية. ويتساءل العديد من أنصارها المتعصبين الآن، عما إذا كانت إيران نفسها على وشك الانهيار". وأردف أن خسارة النظام الحالية للمصداقية بين أتباعه الأكثر ولاء غير مسبوقة، حتى عند مقارنتها بأحداث مثل الحركة الخضراء عام 2009، أو احتجاجات الوقود عام 2019، أو في أعقاب إسقاط طائرة الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية "الرحلة 752".
وقال حسين رزاق: "الحالة السائدة في المجتمع، قد تجعل أي شرارة، سواء كانت وفاة خامنئي أو أي انتكاسة كبيرة أخرى، إشارة إلى بداية نهاية النظام وسقوطه".
الشرعية تتآكل من الداخل
أكد حسن أسد زيد آبادي، وهو ناشط سياسي آخر مقيم في طهران ومؤيد لمقاطعة الانتخابات، على حالة من عدم الرضى والسخط الداخلي المتنامي بسبب فساد الحكومة الحالية وعدم كفاءتها. وقال في تصريحات لـDW: "ما أدى إلى سقوط الأسد كان أزمة شرعية وعدم كفاءة. وينطبق الشيء نفسه على الحكومة الإيرانية، التي تفشل بشكل متزايد في تلبية حتى الاحتياجات الأساسية لمواطنيها".
وسلط زيد آبادي الضوء على قضايا كثيرة مهمة، مثل نقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي والقيود المفروضة على الإنترنت والتلوث الشديد، مستشهدا بأمثلة حديثة لانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة في المدن الكبرى، ومستويات تلوث الهواء القياسية في طهران.
وقد أدت هذه الأزمات المستمرة إلى تأجيج غضب المواطنين وتعميق السخط تجاه الحكومة. وأشار زيد آبادي إلى أوجه تشابه تاريخية، مشيرا إلى أن "تأميم النفط في إيران ألهم حركات مماثلة في مصر، في حين لعبت الحركة الخضراء في عام 2009 دورا في إشعال شرارة الربيع العربي. وعلى نحو مماثل، أثر الربيع العربي على قادة الحركة الخضراء، مما أدى في النهاية إلى قمعهم وفرض الإقامة الجبرية عليهم".
ومع ذلك، يرى المتحدث أن إيران قد لا تسير بالضرورة على مسار سوريا، مضيفا: "في حين أن الديناميكيات الجيوسياسية والتاريخية في الشرق الأوسط تخلق مصائر مترابطة، فإن هذا لا يضع إيران تلقائيا على المسار ذاته".
تفاقم خيبة الأمل تجاه النظام
أشار مهدي محموديان، وهو ناشط سياسي وسجين سياسي سابق، إلى تراجع مصداقية الجمهورية الإسلامية وفعاليتها، وهو ما عزاه إلى إخفاقات النظام المتكررة في معالجة القضايا الداخلية الرئيسية وفقدانه ثقة المواطنين والمجتمع الدولي.
كما سلط المتحدث الضوء على عجز النظام عن الوفاء بوعوده المرتبطة بالتنمية الاقتصادية، وهو الأمر الذي أدى إلى تعميق خيبة لدى عموم المواطنين. وأضاف محموديان قائلا: "لقد فقد النظام شرعيته وقدرته على العمل. إن انهيار الأسد يؤكد مدى ضآلة النفوذ الذي تتمتع به طهران الآن في المفاوضات مع الغرب".
وحث محموديان الحكومات الغربية على تبني نهج أكثر فعالية لدعم التغيير في إيران. وقال: "كان تركيز الغرب في كثير من الأحيان على المصالح الاقتصادية على حساب حقوق الإنسان في إيران"، داعيا إلى فرض عقوبات دولية أقوى تستهدف قيادة النظام مع تخفيف القيود التي تضر بالمواطنين العاديين. وأضاف: "بدلاً من التدخل المباشر، ينبغي للدول الغربية أن تركز على تعزيز المجتمع المدني داخل إيران".
ورغم أن القمع القاسي للمعارضة قد تسبب في إضعاف الاحتجاج ضد النظام، إلا أن هناك شعورا متزايدا بين الإيرانيين بأن فرصة أخرى للتغيير قد تظهر، خاصة مع تراجع نفوذ طهران الإقليمي. وقد أدت الإطاحة بالأسد إلى زيادة الشعور بإمكانية قدوم الفرصة، الأمر الذي جعل العديد من الإيرانيين يتساءلون عما إذا كانت لحظة الحساب للجمهورية الإسلامية تقترب.
أعدته للعربية: ماجدة بوعزة