بعد الفيتو المزدوج ـ سوريا في مهب حرب باردة ومواجهة خليجية إيرانية؟
٦ فبراير ٢٠١٢تتشابك المصالح في سوريا، تتقاطع أحيانا لتضعف بعضها البعض أو تتفق لتشكل خطا قويا. البعض مع بقاء نظام الأسد الحاكم في سوريا منذ أربعين عاما، والآخر ضده. تشعبت المواقف حتى داخل الخيمة العربية، بين متحفظ يريد اللجوء إلى الدبلوماسية وبين من يريد تغييرا سريعا حتى ولو كان السلاح هو الطريق إلى الحل. أبرز المواقف الإقليمية هما الموقفين المتضادين، العربي - الخليجي متمثلا بقطر والسعودية، والإيراني. ودوليا يبرز الموقف الروسي بقوة.
فإيران، حسب رأي البروفسور غونتر ماير، مدير مركز الدراسات العربية في جامعة يوهانيس غوتنبرغ في ماينز، تدافع عن حليفها السوري، لكنه يفسر موقف الجامعة العربية بالقول: "هذا الموقف يمثل موقف دول مجلس التعاون الخليجي. خاصة قطر والسعودية. المحور الذي يريد أن يشكل ضغطا على إيران، حليف سوريا في المنطقة. هذا الموقف يريد أن يقطع محور (الهلال الشيعي) المتمثل بإيران العراق سوريا وفي لبنان حزب الله".
نفس الرأي يشاركه فيه الدكتور خطار أبو دياب، الخبير في الشؤون الإستراتيجية والأستاذ في جامعة باريس، حيث يشير من جانبه إلى إمكانية تفسير موقف دول الخليج "اعتقد أن العائلة المالكة في الرياض اقتنعت أن أفضل طريق للدفاع هو الهجوم ضد محور إيراني سوري يحاول التمدد بالإقليم، نحن أمام حرب باردة إقليمية وليس فقط في ظلال حرب باردة دولية". والتصعيد في التحرك السعودي سببه تراجع الموقف التركي. حسب خطار أبو دياب.
حرب باردة..؟
ولكن أي حرب باردة دولية؟ بين الولايات المتحدة والغرب من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى؟ البروفوسور غونتر ماير يؤكد أن سوريا حليف مهم لروسيا، وسقوط النظام هناك يعني أن روسيا تفقد آخر حليف لها وتفقد ثقة بلدان المنطقة الأخرى بها. هذا بالإضافة إلى أن لروسيا مصالح تجارية وجيو- سياسية مع سوريا، يصفها بالقول: "في السنين الأخيرة، اشترت سوريا سلاحا بما يقارب أربعة مليار دولار من روسيا. حصرا بالعام الماضي كان حجم التبادل التجاري العسكري بين روسيا وسوريا 700 مليون دولار". هذا بالإضافة إلى أن البحرية الروسية تمتلك قاعدتها الوحيدة خارج أراضيها في ميناء طرطوس السوري.
ويشير المحلل الألماني إلى أن تحفظ روسيا على قرار مجلس الأمن حول ليبيا افقدها الكثير، ولا تريد أن يتكرر هذا السيناريو مرة أخرى. كما أن روسيا لا تريد أن يضعف موقفها الدولي. ويضيف: "في الرابع من مارس هناك انتخابات في روسيا وبوتين تعرض للانتقاد بسبب موقف روسيا من الملف الليبي ولا يريد أن يؤثر ذلك على موقفه في الانتخابات، إذا ما ترك حليف روسيا الأخير في الشرق الأوسط يسقط. المهم هو أن يظهر موقف روسيا القوي ولا يضعف أمام الضغط الغربي".
الرأي نفسه يشاركه فيه خطار أبو دياب، لكنه يذهب بعيدا بالقول إن روسيا تعتقد أنها خُدعت خلال معاجلة الملف الليبي ويؤكد: "روسيا تريد أن تنتقم، لان الغرب والناتو قاما بتوسيع تفسير قرار مجلس الأمن 1973 إلى حد إسقاط نظام القذافي". أما داخليا فإنه يذهب إلى أن الانتخابات الروسية تعتبر سببا مهما لتفسير الموقف الروسي الأبرز. ويضيف: "قرار بوتين الإمساك بالورقة السورية كورقة مساومة من اجل تدعيم موقفه الداخلي بالأساس حتى لا تتخذ واشنطن من المظاهرات ضده في الداخل نوعا من وسائل الضغط عليه. لذلك سيحمل هذه الورقة إلى الكرملين، فهو يحلم بان يكون قيصر روسيا الجديد من 2012 إلى 2020. ولذا فهو لن يتخلى عن النظام السوري إلا مقابل ثمن كبير من الولايات المتحدة والغرب عموما ودول الخليج العربي الغنية".
الخطوة التالية
في آخر تصريح له تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بفرض العقوبات وزيادة الضغوط على نظام الرئيس السوري حتى يتخلى عن السلطة، لكنه قال إنه يمكن حل الأزمة السورية دون تدخل عسكري من الخارج. وقال أوباما في مقابلة مع برنامج (توداي) في ان.بي.سي: "أعتقد انه من المهم جدا لنا محاولة حل هذا الأمر دون اللجوء إلى تدخل عسكري من الخارج. وأعتقد أن هذا ممكن". فهل أن الطرق الدبلوماسية مازالت حلا ممكنا أم أن الأمر يذهب لأبعد من ذلك حسب قول غونتر ماير، الذي يشير:"لدول الخليج إستراتيجية لتسليط ضغط أكبر على النظام السوري، من خلال تقديم الدعم المادي للمسلحين المناهضين للنظام. هناك أنباء منذ أشهر ونشرتها صحف بريطانية مثل الغارديان وكذلك فرنسا عن تدريب أجهزة المخابرات الفرنسية والبريطانية للمتطوعين المناهضين للنظام في تركيا". حسب قول الخبير الألماني.
أما الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي فقد أعلن أنه سيتحدث مع الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف بشأن سوريا لمناقشة الموقف هناك والذي وصفه بأنه "فضيحة". وكان ساركوزي قد قال إن باريس تتشاور مع دول عربية وأوروبية لتشكيل مجموعة اتصال بشأن سوريا للتوصل إلى حل للازمة بعد أن استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار لمجلس الأمن. هذه الرؤية أكدها من باريس خطار أبو دياب بقوله: "إن هناك اتصالات على أساس فكرة الرئيس الفرنسي لتكوين تجمع لأصدقاء الشعب السوري. تدعمه دول الخليج، وهي إحدى الأوراق التي ستكون مواكبة لانتزاع قرار من مجلس الأمن. لكن اجتماع مجلس التعاون الخليجي القادم في الرياض، سيطلق مبادرة دبلوماسية خليجية اتجاه روسيا من أجل طمأنتها على مصالحها ولا تبقى داعمة للرئيس بشار الأسد. وترسل إشارات ودية إلى الطبقة المحيطة بالرئيس السوري، هذا ما تقوله أوساط خليجية".
ويعرج خطار أبو دياب على الدبلوماسية مرة أخرى ويقول:" من الممكن أن يطلب مجلس التعاون الخليجي دعما دوليا، مثلا من الجمعية العامة للأمم المتحدة، والحصول على نسبة الثلثين داخل الجمعية العامة تمكنه من الحصول على الدعم، وبالتالي يتحمل الغرب مسؤولياته كما حصل في كوسوفو وفي ملفات دولية سابقة".
عباس الخشالي
مراجعة: أحمد حسو