بعد خروج الفراعنة.. من وراء خدش صورة "أيقونة الوطنية"؟
٨ يوليو ٢٠١٩لم يحدث من قبل أن تمنى أحد من المصريين هزيمة منتخب وطني في أي رياضة، لكن سبق الوصول إلى تلك الحالة عدة أمور، منها شبهات فساد أحاطت بطريقة اختيار خافيير أجيري مدربا للمنتخب المصري، إلى جانب الكثير من الشبهات بالفساد التي تحيط بأعضاء الاتحاد المصري لكرة القدم.
خدش صورة الرمز
على أن أكثر ما خدش صورة المنتخب المصري ما تردد عن فضيحة أخلاقية للاعب عمرو وردة لم تكن الأولى في مسيرته الرياضية، بل إن هذا الاتهام لاحقه خلال احترافه في البرتغال، ليخرج نجم المنتخب محمد صلاح بتغريدة مثيرة للجدل عن ضرورة "منح اللاعب فرصة ثانية".
وبضغط من محمد صلاح وآخرين ألغى الاتحاد المصري لكرة القدم قراره باستبعاد اللاعب ليعود إلى تشكيلة الفريق، وليزداد الغضب من المنتخب ومن صلاح نفسه، ويصبح لقب الفريق "منتخب المتحرشين"، ما وضع "مو صلاح" في مرمى الكثير من الانتقادات الحادة، لينتقل الأمر إلى الصحف البريطانية التي هاجمت "أيقونة" المنتخب المصري بشدة لموقفه المساند لعمرو وردة:
ويعتقد شريف عبد القادر، مدير تحرير القسم الرياضي بصحيفة الشروق المصرية، أن الجميع دفع مقابلاً كبيراً نتيجة قضية عمرو وردة، "فقد كان من الممكن أن نخسر في الرياضة وهذا طبيعي ومقبول لكن لا يصح أبداً أن نخسر المبادئ والأخلاق والقيم فهذا أمر غير مسموح به وما كان يجب التراجع عن قرار إبعاد اللاعب عن الفريق".
وفي هذا السياق أشار عبد القادر خلال مقابلة له معDW عربية إلى "ضغوط من بعض اللاعبين وضغوط من وكيل اللاعب نفسه والذي يتمتع بعلاقات قوية مع لاعبين في المنتخب تردد أنه كان هو السبب في تواجدهم. كل هذا ذهب بنا إلى اتجاه آخر تماماً" مؤكداً على أن "هذا المسلسل مستمر منذ الأداء الباهت للمنتخب المصري في كأس العالم دون أي تغيير أو مساءلة أو حساب".
ويرى عمار علي حسن، الروائي والباحث في علم الاجتماع السياسي، أن الغضب في الشارع المصري يأتي نتيجة لعدة أمور أولها قناعة خاصة لدى المصريين بأن مصر عندما تنظم البطولة على أرضها فيجب على منتخبها الفوز بها وهو ما لم يحدث. إلى جانب ما لمسه الناس من غياب الروح القتالية للفريق وحالة التراخي واللامبالاة التي ظهر عليها، وهو ما أشار إليه الكاتب والروائي المصري إبراهيم عبد المجيد أيضا حين غرد متحدثاً عن غياب التفاعل والحمية المعتادة لدى المشجع المصري في المقاهي الشعبية:
جمهور "مصطنع"؟
وعلى شبكات التواصل الاجتماعي تردد كلام كثير عن وجود عراقيل "متعمدة" حدت من تواجد "جمهور الكرة الحقيقي"، ابتداء من الأسعار المرتفعة للتذاكر، مروراً بتسجيل البيانات الشخصية تفصيلياً ما أثار المخاوف من الملاحقة الأمنية لمن يردد هتافات أو يرفع شعارات تتعلق بالسياسة أو النظام، وانتهاء بهذا العدد الهائل من رجال الأمن المندسين بين الحضور:
الأمر نفسه يتحدث عنه الحقوقي والمحامي جمال عيد:
كل ذلك أدى إلى وجود جماهير وصفها المغردون بجمهور "الآيس كريم" في إشارة إلى أن هؤلاء ليسوا جماهير الكرة الحقيقيين الذين" كانوا يحولون ستاد القاهرة إلى ساحة رعب للفرق التي تواجه المنتخب المصري". لكن المحلل الرياضي شريف عبد القادر يرى أن مسألة الجمهور المنتقى عارية تماماً عن الصحة، "فمدرجات الدرجة الثالثة كانت مليئة بهم وبكثافة شديدة".
وما يراه عبد القادر يبدو متناقضاً مع ما ذهب إليه العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي:
ويتفق الباحث عمار علي حسن مع ما جاء من تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، "إلى جانب أن جمهور الكرة الحقيقي حرم من حضور المباريات نتيجة ارتفاع التذاكر، فإن الأمن المصري ربما بالغ في مخاوفه من السماح لجمهور عادي بالدخول فتحدث مشكلة فادحة لذا حرمه من المشاركة. وكما يقال كان المطلوب ظهور جمهور معين يضمن من خلاله الحفاظ على الأمن وعدم الانتقال من الرياضة للسياسة في المدرجات".
على الجانب الآخر كان هناك من يرى أن الأمر فيه تسييس واضح للرياضة وأن جهور الكرة الحقيقي كان بالمدرجات بالفعل وأن من لم يحضر هم المشاغبون ومن يفتعلون المشاكل ويوجهون السباب للقيادة السياسية وللجهات الأمنية المصرية.
إجراءات "ما بعد الهزيمة"
وكان من الواضح مدى حرص الدولة المصرية على استضافة البطولة والخروج بها في أفضل شكل ممكن وهو ما حدث، فحفل افتتاحها كان حديث الصحافة العالمية بما شهده من إبهار على كافة المستويات.
بالطبع لم يكن أحد يرغب في خروج المنتخب وخصوصا النظام المصري، "فالدولة بذلت كل ما عليها لإنجاح الحدث وكان كل المطلوب من اتحاد الكرة هو شيء واحد فقط: تشكيل وإعداد منتخب مؤهل للفوز بالبطولة حتى يتم اكتمال المشهد، لكن للأسف هناك حالة من الفساد المتراكم في إدارة منظومة كرة القدم المصرية أدت إلى هذه النتيجة" بحسب ما يقول شريف عبد القادر الصحفي الرياضي المصري.
ما حدث للمنتخب المصري دفع بعدد من الصحف للحديث عن بدء إحدى "الجهات السيادية" في فتح ملفات الفساد داخل الاتحاد المصري لكرة القدم لمحاسبة ومعاقبة من تسبب في خروج المنتخب من البطولة؛ وهو ما جعل عبد القادر يعبر عن أمله في أن يكون ذلك "بداية لتصحيح المسار خاصة وأن استقالة أعضاء اتحاد كرة القدم المصري كان من الواضح أنها حدثت بعد تصاعد الغضب الرسمي في الدولة من النتائج التي أفشلت العمل الضخم الذي قامت به في البطولة".
الأمر نفسه يؤكد عليه الباحث المصري عمار علي حسن إذ يقول إن الهزيمة لا تخدم أبداً السلطة المصرية الحالية، خاصة وأن الحدث الرياضي يتزامن مع أحداث شديدة الأهمية مثل وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي ورفع الدعم عن الوقود.
ويلفت خبير الاجتماع السياسي المصري إلى أن "القنوات الإخوانية" التي تبث من الخارج "تقوم هي الأخرى بتسييس كرة القدم وتربط بين إخفاق المنتخب والسلطة الحالية في محاولة لشحن الجمهور ليغضب على خلفية رياضية لكن في اتجاه السياسة".
لذلك يرى عمار علي حسن أنه كان على السلطة، وفي إطار دفاعها عن نفسها وللحفاظ على الأوضاع مستقرة "أن تستخدم بعض الأدوات المضادة لامتصاص الغضب، فبدأت الأخبار تنتشر عن فتح ملفات الفساد في اتحاد كرة القدم ودفع اللاعبين إلى الصمت لعدم استفزاز الجمهور ومحاولة التخفيف من وطأة ما جرى" عبر الحديث عن أن مصر "غنية باللاعبين وأنه من الممكن إعداد منتخب آخر تحت قيادة مدرب جديد وكلها أدوات لامتصاص الغضب".
ع.ح/أ.ح