هل فوسفات المغرب سيخفف أزمة الغذاء في أفريقيا؟
٧ فبراير ٢٠٢٢أطلق معهد الشرق الأوسط تحذيرا مؤخرا من أن الدور الذي يلعبه المغرب في الحفاظ على الأمن الغذائي في أفريقيا والتخفيف من أزمة الغذاء في القارة السمراء باتت في خطر جراء الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة فضلا عن تداعيات ظاهرة التغير المناخي.
تزامن تحذير المعهد في وقت يعاني فيه أكثر من 264 مليون شخص في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء من نقص التغذية جراء الفقر والصراعات والاقتتال وعقب ارتفاع معدل تضخم الغذاء على مستوى العالم العام الماضي إلى أعلى مستوياته في عشر سنوات.
وما زاد الطين بلة أن الكثير من الأراضي الزراعية في بلدان أفريقية عديدة باتت متدهورة وذلك جزئيا جراء الوضع الجغرافي والتدهور البيئي فضلا عن أسلوب الزراعة الأحادي التي تعني زراعة محصول واحد طوال العام وعدم تنوع زراعة المحاصيل.
وقد أدت كل هذه الأمور إلى الإضرار بالقدرة الإنتاجية الزراعية وتراجع جودة الأراضي الزراعية في أفريقيا.
في المقابل، يعد المغرب ثالث منتج للفوسفات في العالم إذ يختزن 75 بالمائة من الاحتياطي العالمي من صخور الفوسفات المستخدم في صناعة الأسمدة إذ بلغت احتياطات الفوسفات في المغرب والصحراء الغربية المتنازع عليها والتي يسيطر المغرب على 80 بالمائة من مساحتها، قرابة 50 مليار طن.
ومنذ عقود، قرر المغرب بدلا من الاكتفاء بتصدير المواد الخام من الفوسفات أن يصبح أحد أكبر منتجي الأسمدة في العالم فيما قررت مجموعة الفوسفات المغربية المملوكة للدولة (OCP) عام 2020 الاستحواذ على 54٪ من الحصة السوقية من صادرات الأسمدة إلى أفريقيا.
وفي ذلك، قال البروفيسور مايكل تانشوم- زميل غير مقيم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن وزميل مشارك في برنامج أفريقيا في المجلس الأوروبي في العلاقات الخارجية - إن المغرب بعد أن ضاعف طموحاته في هذا المجال أصبح بمثابة "حارس بوابة إمدادات الغذاء في العالم".
زيادة الانتاج
وفي هذا الإطار، قامت مجموعة الفوسفات المغربية بإنشاء مشاريع مشتركة مع عدد من البلدان الأفريقية لمعالجة الفوسفات الصخري لاستخراج الفوسفور الذي يعد عنصرا رئيسيا في صناعة الأسمدة ما مهد الطريق أمام امتلاك المجموعة شركات فرعية في 12 دولة أفريقية بما في ذلك نيجيريا وغانا وساحل العاج والسنغال.
وقال تقرير صادر عن معهد الشرق الأوسط إن برنامج المجموعة والذي يُطلق عليه اسم Agribooster قد استفاد منه أكثر من 630 ألف مزارع في أفريقيا ما أدى إلى زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية.
وضرب التقرير مثالا على ذلك بزيادة محصول الذرة في نيجيريا بنسبة 48٪ وزيادة محصول الدخن الذي يعد الغذاء الرئيسي في بعض البدان، بنسبة 63 بالمائة في السنغال.
وفي مقابلة مع DW، قال تانشوم إن المغرب "يساهم في زيادة كبيرة في زراعة بعض المحاصيل في أفريقيا مما يحول دون تفاقم أزمة الغذاء في القارة".
لكن يجب الإشارة إلى أن عملية استخراج الفوسفات وإنتاج الأسمدة تعد مكلفة في إطار استهلاك الطاقة والمياه حيث تستهلك قرابة 7٪ من الإنتاج السنوي من الطاقة و 1٪ من موارد المياه في المغرب.
كذلك يعد النتروجين عنصرا رئيسا آخرا في صناعة الأسمدة، لكن يتم إنتاجه عبر استخدام الغاز الطبيعي فيما ذكر تانشوم أن الغاز الطبيعي يمثل حوالي 80% من تكاليف إنتاج الأسمدة النيتروجينية.
ارتفاع اسعار الأسمدة والمواد الغذائية
يشار إلى أن جائحة كورونا وما تلى ذلك من فرض قيود وإغلاقات قد أدت إلى تقييد إمدادات الغاز الطبيعي على مدار العامين الماضيين ما دفع إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
وقال تانشوم إن هذه الزيادة جعلت أسعار الأسمدة والغذاء المرتفعة تدور في حلقة مفرغة، مضيفا أن هذا الأمر لم يؤثر على تكلفة إنتاج الفوسفات فحسب وإنما يهدد بتفاقم أزمة الجوع في بلدان منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
الطاقة المتجددة قد تكون الأمل
ودائما ما تثير معالجة الفوسفات الصخري لإنتاج الأسمدة قلق المنظمات المدافعة عن البيئة نظرا إلى التلوث الناجم عن هذه العلمية فضلا عن تأثير ذلك على مياه الشرب والموارد المائية.
وفي ذلك، يرى تانشوم أن الطاقة المتجددة باتت ضرورية لمساعدة المغرب على الاستمرار في الحفاظ على مكانته وانتاجه الكبير من الأسمدة، مضيفا أن هذا الأمر سوف يساعد المغرب من "الخروج من هذه الحلقة المفرغة لارتفاع الأسعار والغذاء والطاقة".
يشار إلى أن المغرب يمتلك إمكانيات ضخمة لاستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ما يكفي لتلبية ما يقرب من خمس احتياجاته من الطاقة في البلاد خاصة عقب إبرام الحكومة اتفاقيات مع ألمانيا خلال السنوات الأخيرة لتطوير مشروعين في مجال الطاقة باستخدام الهيدروجين "الأخضر"، بيد أن العمل توقف جراء الخلاف بين البلدين حول منطقة "الصحراء الغربية" المتنازع عليها.
وقد تم الترويج لاستخدام الهيدروجين "الأخضر" لمساعدة مجموعة الفوسفات المغربية في تصنيع الأمونيا الخضراء الذي تحتوي على نسبة كبيرة من النيتروجين الذي يعد المكون الرئيسي لإنتاج الأسمدة.
وشدد تانشوم على أن الاعتماد على الطاقة الخضراء في إنتاج الأسمدة سيكون "طريقة للخروج من هذه الحلقة المفرغة".
ويقول الخبراء إن دور المغرب سيكون قويا في المساعدة على استمرارية الإنتاج مع الإبقاء على أسعار معقولة خاصة مع توقعات باستمرار زيادة أسعار الغذاء خلال العام الجاري.
ولا تمثل الزراعة مصدرا حيويا لمواجهة الأمن الغذائي في أفريقيا وحسب وإنما أيضا مصدرا رئيسيا للدخل لدى الكثير من الشعوب الأفاريقية حيث يعمل نصف سكان القارة في مجال الزراعة.
وقال تانشوم إن دولا مثل الصين وتركيا وروسيا ودول الخليج سارعت إلى ضخ استثمارات في قطاع الزراعة في أفريقيا ما يشجع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على تعزيز الاستثمارات للترويج لـ "ثورة خضراء" في مجال الغذاء في القارة السمراء.
وأضاف الباحث أنه من دون ذلك، فإن الغرب سوف تشهد "استمرارا في تآكل قوته الاقتصادية في القارة".
نيك مارتن / م ع