"تأثير وسائل الإعلام العالمية مرهون بمصداقيتها ودرجة مهنيتها"
٢٢ ديسمبر ٢٠٠٧وضعت أزمة الرسوم الكاريكاتورية وسائل الإعلام العالمية، على غرار هيئة الإذاعة البريطانية وإذاعة مو نت كارلو الدولية والجزيرة، ودويتشه فيله، التي يتجاوز تأثيرها الحدود الإقليمية والموجهة غالبا لاستقطاب جمهور متعدد الجنسيات والأديان، في دائرة الضوء، ما دفع المختصين في شؤون الإعلام وعدد كبير من الفاعلين فيه إلى طرح جملة من التساؤلات حول ماهية دور هذه الوسائل الإعلامية وليدة التقنية الجديدة بصورة عامة ومسئوليتها ومدى تأثيرها على الجمهور المستهدف بصورة خاصة.
ومن أجل التعرف على رؤية وتجربة هذا "الإعلام بلاد حدود" استضاف معهد غوته على هامش افتتاح نقطة دويتشه فيله الإعلامية في العاصمة المغربية حلقة نقاش جمعت عددا من المختصين وممثلي وسائل الإعلام العالمية من أجل وضع "دور وسائل الإعلام العالمية في التأثير على قضايا التحول الاجتماعي" تحت مجهر التحليل للتعرف على تجربتها الخاصة.
"خيبة أمل نسبية رغم الثورة الإعلامية"
استهل البروفيسور محمد بلغازي، الباحث المعروف في علم الاجتماع السياسي والإعلامي بجامعة الرباط، النقاش بعرض سريع "للثورة الإعلامية، التي شهدتها وسائل الإعلام العالمية، خاصة في المجال التقني في العقدين الأخيرين"، كما أشار بلغازي إلى "مساهمات وسائل الإعلام الفضائية والإلكترونية في خلق فضاء معلوماتي جديد بعيدا عن رقابة الإعلام الحكومي وتدني مهنيته".
ورغم هذه الإشادة، التي ترتبط ارتباطا وثيقا بأسماء على غرار قناتي الجزيرة" والعربية على الصعيد العربي، وهيئة الإذاعة البريطانية وفرانس 24 وأخواتها على الصعيد الدولي، إلا أنه لفت الانتباه إلى"خيبة أمل نسبية يمكن ملاحظتها في السنوات الأخيرة نظرا لتواضع تأثير وسائل الإعلام العالمية على صيرورة التحول في مجتمعات الجمهور المستهدف".
"الحرية الإعلامية تتطلب الالتزام بمعايير مهنية"
أما كاتب هذه السطور فأشار في مداخلته إلى أن"وسائل الإعلام تبقى ركنا أساسيا يؤثر على كل قضايا التحول الاجتماعي، خاصة داخل منظومة ديمقراطية، لأنها حلقة الوصل بين مؤسسات الدولة من جهة وبين المواطنين من جهة أخرى، كما أن منظمات المجتمع المدني تعتمد بشكل كبير عليها خلال نقلها لرسالتها". وفضلا عن ذلك فهي"تلعب دورا جوهريا في تفعيل دور المواطنين وتمكنهم من المشاركة السياسية بشكل يضمن حقوقهم الأساسية".
إلا أن هذه الحقائق لا تعني "أنه بإمكان الإعلام أن يحل محل مؤسسات غير موجودة داخل السياق الاجتماعي، وهو ما يظهر جليا من خلال تجربة قناة الجزيرة، التي أنعشت الخطاب الإعلامي العربي، وساهمت في رفع سقف المعايير المهنية في المشهد الإعلامي العربي. لكنها لم تنجح في توفير بديل لمؤسسات ديمقراطية غائبة عن الواقع العربي".
"إعلام بلا حدود"
وقبيل تقييمه لدور وسائل الإعلام العالمية أشار الإعلامي إدريس كسيس إلى "ضرورة التمييز بين الإعلام المحلي (الوطني) والإعلام الدولي، لأن ثمة وسائل إعلامية محلية تتحول عند الضرورة إلى عالمية"، مشيرا إلى أن "هوية الجمهور المتلقي هي التي تحدد توصيف الوسيلة".
كسيس شدد على "وجود عدد محدود من وسائل الإعلام العالمية الطابع منذ البداية على غرار قناة الجزيرة الدولية الناطقة بالانجليزية". وفي نهاية مداخلته لخص الإعلامي المغربي تجربته بالإشارة إلى أن "تأثير وسائل الإعلام العالمية محليا وعبر الحدود مرهون بمدى تقبلها وبمصداقيتها ودرجة مهنيتها".
"الإعلام مؤشر يرصد تطور المجتمع"
ومن جانبه أشار مدير إذاعة البحر الأبيض المتوسط إبراهيم الغربي إلى أن" قدرة دور وسائل الإعلام العالمية في التأثير على قضايا التحول الاجتماعي وعلى توجهات الخطابيين الإعلامي والسياسي تعود في المقام الأول إلى تمتعها عادة بهامش حرية أكبر من وسائل الإعلام المحلية".
وأعطى الغربي مثالا حيا على ذلك بذكره لتجربة إذاعته في التعامل مع تعبير "دولة إسرائيل"، فإذاعة البحر الأبيض المتوسط كانت أول وسيلة إعلامية تتجرأ على استخدام هذا التوصيف بدلا من "الكيان الصهيوني" في بداية الثمانينات.
وإذا صحت فرضية عالم الاجتماع الألماني نيكلاس لومان القائلة بأن "نجاح الإعلام قائم أولا وأخيرا على قدرته على فرض أجندة جديدة المحتوى والأسلوب على المجتمع"، فإنه من الممكن وصف فرص نجاح وسائل الإعلام العالمية في المستقبل القريب بالجيدة، خاصة إذا التزمت بالمعايير المهنية والأخلاقية المواكبة للتطور التقني المتسارع.