تأكيد الرئيس الألماني بأن"الإسلام جزء من ألمانيا" بين ترحيب حار وتحفظات خافتة
٤ أكتوبر ٢٠١٠هيمنت نبرة الترحيب في ألمانيا بإعلان الرئيس كريستيان فولف في خطابه بمناسبة الذكرى العشرين للوحدة الألمانية، أن "الإسلام جزء من ألمانيا"، لكن قراءة السياسيين والمثقفين ورجال الدين الألمان كانت متفاوتة لمضمون الرسالة التي سعى الرئيس فولف إلى توجيهها من خلاله حديثه عن الإسلام بشكل غير مسبوق.
وبرأي حامد عبد الصمد الكاتب والباحث المصري المقيم في ميونيخ، فإن ما ورد في خطاب الرئيس الألماني بشأن تأكيد مكانة الإسلام في ألمانيا، ليس جديدا تماما على خطاب الطبقة السياسية الألمانية مشيرا بالتحديد إلى تصريحات مماثلة أدلى بها في وقت سابق وزير الداخلية الألماني الأسبق فولفغانغ شويبله (وزير المالية الحالي)، وقال عبد الصمد في حوار مع دويتشه فيله إنه كان يفضل أن يسمع من الرئيس فولف تأكيدا على أن "المسلمين جزء من ألمانيا بدل حديثه عن الإسلام كجزء من ألمانيا"، موضحا أن ألمانيا دولة علمانية وليست دينية، وفي ظلها تتساوى النظرة للأديان ومسافة الدولة إزاءها.
بيد أن تخصيص الرئيس الألماني حيزا من خطابه التاريخي للحديث عن مكانة الإسلام دون غيره من الأديان، يكشف برأي عبد الصمد أن "الخطاب ينطوي على رسالة خفية وإشارة إلى وجود مشكلة معينة وهي أن بعض المسلمين لديهم مشكلة في الاندماج في المجتمع الألماني".
"القانون هو من يحمي المسلمين وليس الرئيس"
الترحيب بما تضمنه خطاب الرئيس الألماني بشأن مكانة الإسلام في ألمانيا، جاء بنبرة حارة من أعلى المستويات في الهيئات الإسلامية، فقد قال أيمن مازيك رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا في تصريح لصحيفة "بيلد" الألمانية إن "كلمة الرئيس إشارة واضحة ومهمة لجميع المسلمين في ألمانيا" وأضاف "كلمة فولف كانت إشارة لأن المسلمين ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية".
بيد أن ترحيب الهيئات الإسلامية بخطاب الرئيس الألماني، كما يقول حامد عبد الصمد، يضع المسلمين أمام "تحدي كبير وهو خوض عملية الاندماج بمضمونها الحقيقي وليس الاكتفاء بالأمور الرمزية" على غرار بناء المساجد أو المطالبة بارتداء الحجاب، موضحا أن" الاندماج لا يحدث بإجراءات رمزية بل من خلال خطوات تجعل المسلمين جزءا من النظام التعليمي وسوق العمل والكيان الثقافي الألماني".
وكشف عبد الصمد، وهو باحث مسلم علماني، بأن خطاب الرئيس فولف وتأكيده على أنه "رئيس المسلمين أيضا"، يتضمن إجابة على رسالة وجهتها له بعض الشخصيات الإسلامية منذ فترة وناشدته من خلالها بضرورة أن يُعترف بالإسلام "كجزء من ألمانيا" و"بأنك (الرئيس الألماني) أنت رئيسنا، وأنت من يحمي المسلمين في ألمانيا".
وقال عبد الصمد بأنه أُستشير من قبل بعض الشخصيات الإسلامية حول توجيه مثل هذه الرسالة للرئيس الألماني، وأبدى اعتراضه على الفكرة من منطلق أن المسلمين هم جزء من المجتمع الألماني وأن عليهم كمواطنين أن يتوجهوا للمؤسسات القضائية والقانونية عندما تتعرض حقوقهم للهضم، لأن القانون الألماني هو الذي يحميهم وليس الرئيس نفسه، معتبرا هذا النمط من التفكير ينطلق من جذور قبلية في المجتمع العربي وليس متلائما مع واقع المسلمين باعتبارهم مواطنين في ألمانيا.
المسلمون على محك الإندماج
ونَحت ردود فعل الطبقة السياسية الألمانية بدورها إلى الترحيب بخطاب الرئيس فولف، بيد أنها حملت إشارات متفاوتة حول قراءتها لمضمونه، ولفت أنظار المراقبين أن المستشارة أنغيلا ميركل والتي ينتمي الرئيس فولف إلى حزبها (الحزب المسيحي الديمقراطي) توخت أن تعقب على ما جاء في خطاب الرئيس بشأن الإسلام، وهي تشارك في لقاء في برلين تم خلاله تقديم كتاب جديد لرولاند كوخ رئيس حكومة ولاية هيسن السابق، وهو أحد الصقور اليمينية داخل حزبها.
وتوجهت ميركل إلى المسلمين قائلة: "لا يوجد تسامح تجاه القيم الأساسية لدستورنا" وأوضحت ميركل أن صورة الإسلام في ألمانيا تهيمن عليها الأفكار المتعلقة بالشريعة وغياب المساواة بين الرجل والمرأة والقتل بدافع الشرف. وشددت ميركل على ضرورة التقدم في عملية اندماج المسلمين وأوضحت أن مؤتمر الإسلام في ألمانيا الذي ترعاه وزارة الداخلية لا يخرج بنتائج كافية وأضافت:"يتعين مواصلة العمل" مشيرة إلى تدريس الدين الإسلامي وإتقان الأئمة للغة الألمانية.
ومن جهته أشاد رئيس مجلس خبراء المؤسسات الألمانية الداعمة للاندماج والهجرة بمضمون خطاب الرئيس الألماني بشأن موضوع الاندماج وقال"كنا نتمنى أن نسمع مثل هذا الكلام من قصر الرئاسة فيما مضى".
ويذكر أن سلطات الرئيس في النظام السياسي الألماني محدودة ورمزية لكن خطبه وتوجيهاته لها مكانة رمزية بالنسبة للدولة والمجتمع، وهي تعكس في غالب الأحيان إجماع الطبقة السياسية.
وفي رد فعل لافت على خطاب الرئيس الألماني الذي قال فيه: "المسيحية جزء من ألمانيا، واليهودية جزء من ألمانيا، وكذلك الإسلام جزء من ألمانيا"، حذر هاينر كوخ مساعد أسقف مدينة كولونيا، في تصريح لصحيفة"راينشه بوست" التي تصدر في دوسلدورف، من الوقوع في "نوع من الخلط الكمي وغير النزيه بين الإسلام والمسيحية". ويذكر أن العلاقة بين الكنيسة والدولة الحديثة في ألمانيا يحكمها تاريخيا تعاقد يمنح الكنيسة وضعا خاصا في النسق المؤسساتي والاجتماعي والثقافي بالبلاد.
الخوف من المسلمين
ورغم أن أصوات الترحيب بخطاب الرئيس الألماني، هي الأعلى لحد الآن، فإن قراءة في مزاج الرأي العام الألماني من خلال استطلاعات الرأي وخصوصا التي أنجزت منها على خلفية الجدل حول كتاب المسؤول المصرفي السابق تيلو زاراتسين "ألمانيا تلغي نفسها" والذي تضمن انتقادات حادة للمهاجرين والمسلمين على وجه الخصوص، تكشف تلك الاستطلاعات عن وجود مخاوف من الإسلام والمسلمين لدى قطاع مهم من الرأي العام الألماني.
ولاحظ الباحث حامد عبد الصمد أن الذين يصفقون لزاراتسين لن يصفقوا للرئيس الألماني، وأن دعوة الرئيس لاعتبار الإسلام كجزء من ألمانيا هي دعوة رمزية ولن تكون بمثابة العصا السحرية التي ستغير نظرة قطاعات واسعة من المجتمع الألماني للمسلمين، مشيرا بأن بعض تلك الصور مغلوطة ولكن بعضها حقيقي وقائم على خبرات المواطنين الألمان في حياتهم اليومية مع بعض العرب وبعض المسلمين.
ويعتقد عبد الصمد أن "تغيير صورة المسلمين بشكل جوهري يمكن أن يحدث عندما تكون للمسلمين أصوات علمانية غير دينية، وعندما نطرح القضايا الجوهرية التي تعكر صفو الاندماج مثل قضايا المرأة والتعليم وتربية الأطفال الذين يلقنون تعليما دينيا قاسيا" وأضاف بأن المسلمين "متقوقعون في جحورهم ولا يوجهون اهتمامهم ونقدهم للظواهر السلبية في سلوك بعض المسلمين أو العرب، وعندما يظهر من ينتقد المسلمين، نهب عليه هبة واحدة لإسكاته" معتبرا أن هذا الأمر هو مجرد رد فعل سلبي لن يجلب"سوى مزيدا من العداء والصور النمطية عن المسلمين".
ولاحظ الباحث أنه إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول المؤلمة، تمت أسلمة قضية الاندماج سواء من قبل الحكومة الألمانية أو الهيئات الإسلامية في ألمانيا وفي أوروبا بشكل عام، حيث أصبحت الحكومات الأوروبية تبحث بشكل براغماتي عن أطراف للحوار، فظهرت عمليات تنظيم عشوائية للهيئات الإسلامية. ففي ألمانيا مثلا، يقول عبد الصمد، لا تمثل الهيئات المشاركة في الحوار عبر "مؤتمر الإسلام في ألمانيا" سوى نسبة 15 في المائة من مجموع المسلمين في ألمانيا، ومع ذلك فهي الأكثر بروزا على المستوى السياسي والإعلامي، كما أن القضايا المطروحة للحوار تنحصر في تدريس الإسلام وإعداد الأئمة.
ويقترح عبد الصمد في كتاب جديد صدر له باللغتين الألمانية والعربية بعنوان"سقوط العالم الإسلامي" رؤية جديدة لمعالجة قضايا المسلمين في العصر الحديث، ويخصص فصلا من كتابه ل"المسلمون في أوروبا بين التطرف والانفتاح".
منصف السليمي
مراجعة: حسن زنيند