تحركات المغرب بشأن الصحراء.. هل تنهي النزاع أم تؤججه؟
٢٩ أغسطس ٢٠٢٤لأكثر من خمسة عقود، ظل إقليم الصحراء الغربية في قلب صراع، لكن ربما شارف في الوقت الراهن على أن تُطوى صفحته، فيما يرى مراقبون أن الذكرى الخامسة والعشرين لاعتلاء الملك محمد السادس عرش المغرب، تزامنت مع حدث تاريخي.
فقد تلقى العاهل المغربي رسالة تهنئة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد فيها دعم بلاده لمخطط الحكم الذاتي المغربي لعام 2007 باعتباره "الأساس الوحيد" لحل الصراع في الصحراء الغربية.
تمتد الصحراء الغربية على مساحة 266 ألف كيلومتر مربع على ساحل المحيط الأطلسي بين المغرب وموريتانيا والجزائر ويقطن الإقليم قرابة 160 ألف من الصحراويين الذين يسعى الكثير منهم إلى الحكم الذاتي منذ انسحاب إسبانيا من المنطقة عام 1975.
وتقول جبهة البوليساريو أنها ممثل الشعب الصحراوي وتحظى بدعم جزائري، فيما يقول المغرب إن الإقليم جزء من أراضيه. وعلى وقع ذلك، تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر حيث وصل الأمر إلى حد القطيعة الدبلوماسية بين البلدين عام 2020، رغم أن الجزائرلا تسعى بنفسها إلى السيطرة على الإقليم.
وعلى مدى السنوات الماضية، اكتسب المغرب المزيد من الدعم الدولي لمخططه للحكم الذاتي في الإقليم فيما جاء أخر دعم من فرنسا.
ويتضمن المخطط المغربي الذي طُرح 2007، إنشاء مؤسسات سياسية مستقلة في المنطقة بالإضافة إلى دفع عجلة التنمية الاقتصادية بما في ذلك إنشاء ميناء يطل على المحيط الأطلسي، فيما ستحتفظ الرباط بالسيطرة على الشؤون الخارجية والعسكرية وعملة الإقليم.
وترى سارة زعيمي، نائبة مدير الاتصالات في المجلس الأطلسي للأبحاث ومقره واشنطن، أن "اعتراف فرنسا يعد بمثابة خطوة رمزية للغاية قد تحسم الصراع في الصحراء الغربية".
وفي السياق ذاته، كتب توماس إم. هيل، مدير برامج شمال إفريقيا بمعهد الولايات المتحدة للسلام، في مقال رأي نُشر في وقت سابق من الشهر الجاري، أن صراع الصحراء الغربية "شارف على الانتهاء".
وأضاف أن جبهة البوليساريو لم يعد أمامها سوى القبول في نهاية المطاف بشكل من أشكال الحكم الذاتي داخل المغرب.
فرنسا وقضية الهجرة
وتعد فرنسا أحدث دولة تدعم خطة حكم ذاتي موسع تحت سيادة المغرب على الصحراء الغربية، إذ قال ماكرون في رسالته لملك المغرب إن "حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية". وهذا التوجه سبقت إليه إسبانيا عام 2022 والولايات المتحدة عام 2020 "مقابل" التطبيع مع إسرائيل. واعترفت دول الخليج والعديد من الدول في أفريقيا وأمريكا اللاتينية بسيادة المغرب على الإقليم.
بيد أنه في المقابل، تدعم دول أخرى جبهة البوليساريو ومطالب الصحراويين بالاستقلال، لكن قطار هذا الدعم يبدو أنه توقف في الوقت الراهن، بحسب مراقبين.
أما الأمم المتحدة، فلا تعترف بسيادة المغرب ولا تدعم مطالب جبهة البوليساريو، إذ تؤيد بدلا من ذلك إجراء استفتاء برعايتها لتحديد مصير الإقليم، فيما يتماشى ذلك مع موقف الاتحاد الأوروبي رغم تغير موقف كلا من إسبانيا وفرنسا.
وفي ذلك، قالت أليس غوير، مديرة الجغرافيا السياسية والأمن لدى شركة "أزور إستراتيجي" للاستشارات ومقرها لندن، إن خطوة باريس الأخيرة التي جاءت بعد سنوات من الحياد الفرنسي "ليس هدفها الرئيسي الرغبة في إنهاء نزاع الصحراء الغربية بشكل فعلي".
وفي مقابلة مع DW، أضافت "اعتراف فرنسا سيكون له التأثير الضئيل على أرض الواقع. يساورني بعض الشكوك بأن تحرك ماكرون يأتي بشكل جزئي في إطار سياسات إبرام الصفقات حيث تعد الهجرة قضية تثير الجدل في فرنسا".
يُشار إلى أن الصحراء الغربية باتت واحدة من أكثر نقاط انطلاق المهاجرين صوب أوروبا فيما تأمل فرنسا أن تساعد الحكومة المغربية في الحد من الهجرة إلى أوروبا. كذلك، تولى فرنسا اهتماما كبيرا بالعمل على تجنب حدوث المزيد من الاضطرابات في الشرق الأوسط.
وقالت غوير "يرغب ماكرون في دعم النظام الملكي المغربي، الذي عانى من أزمة شرعية في السنوات الأخيرة وسط تزايد النفوذ الروسي والإيراني في الجزائر بالجوار والمخاوف الأمنية الكبيرة في منطقة الساحل".
جولة جديدة من الصراع؟
ورغم ذلك، أشارت سارة زعيمي، نائبة مدير الاتصالات في المجلس الأطلسي للأبحاث ومقره واشنطن، إلى أن الخطوة الفرنسية يمكن أن يدفع "الجزائر أكثر إلى أحضان المحور الروسي-الإيراني وقد تدفعها إلى اتخاذ خطوة مضادة خاصة مع إجراء الانتخابات الرئاسية مطلع سبتمبر/أيلول".
بدوره، قال الكاتب زين العابدين غبولي، الخبير في الشأن الجزائري والباحث بجامعة غلاسكو، إنه يشعر بالقلق من أن "المنطقة قد تتجه صوب لحظة تقرر فيها جبهة البوليساريو أنه بات من الأنسب والأجدر تكثيف حملتها العسكرية بدلا من انتظار حل دبلوماسي ربما لن يأتي".
وفي السياق ذاته، قالت "وكالة الأنباء الصحراوية" التابعة لجبهة بوليساريو إن الجبهة تؤكد أن "حل الوضع في الصحراء الغربية المحتلة يتطلب التطبيق الصارم والحازم لقرارات الشرعية الدولية التي تؤكد حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير".
ويعد تحقيق استقلال الإقليم هدف آلاف اللاجئين الصحراويين الذين يعيشون في المخيمات الجزائرية منذ أكثر من 50 عاما. وتقدر الأمم المتحدة عددهم بأكثر من 173 ألفا ما يعني أنهم يمثلون ثاني أطول حالة لجوء في العالم.
وفي ردها على الموقف الفرنسي، صعدت الجزائر من ضغوطها الدبلوماسية؛ إذ استدعت سفيرها في باريس وقررت تعليق استقبال مواطنيها من المهاجرين غير القانونيين الذين يتم ترحيلهم من فرنسا.
وقال زين العابدين غبولي إن هذه الخطوة جاءت في إطار الرد على "دعم فرنسا للمغرب"، مضيفا "أصبحت الصحراء الغربية امتدادا لمجال الأمن الوطني الجزائري".
أعده للعربية: محمد فرحان