"تدخل الدولة في خطب الجمعة يتعارض مع حرية المعتقد"
١٣ يوليو ٢٠١٦حسب قرار لوزارة الأوقاف المصرية سيكون بإمكان كل المصلين المصريين سماع نفس خطبة الجمعة، سواء كانوا في القاهرة أو في الاسكندرية أو في أسوان. إنها خطوة تختلف حولها المواقفف. فالبعض يرى فيها إمكانية للعمل على تجفيف منابع التطرف والإرهاب ي، في حين يرى البعض الآخر أن هذه الخطوة تعبر عن إضعاف لمكانة الأئمة. ليست هذه المرة الأولى التي تتدخل فيها الدولة لمراقبة مضمون خطب صلاة الجمعة. وهل يمكن فعلا نقل هذه النموذج إلى أوروبا أيضا؟ حول هذا الموضوع أجرت DWعربية لقاءا مع الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط يوخن هيبلر:
DW عربية: أصبح أئمة المساجد في مصر ملزمين بإلقاء خطبة جمعة موحدة، حيث يتم كتباتها ونشرها من قبل وزارة الأوقاف المصرية. كيف تقيم هذه الخطوة لتوحيد خطب الجمعة في كافة أرجاء البلاد؟
الدكتور يوخن هيبلر: هذا تقييد واضح لحرية المعتقد. في العديد من الدول هناك محاولات من قبل الحكومات لمراقبة الدين وإملاء تعاليمه وهي ليست فقط محاولات منقبل الدولةللسيطرة علىالمؤسسة الدينية، بله أيضا في الإتجاه المعاكس. أعتقد أن مصر قامت بإجراء خطير في هذا الاتجاه
لكن البعض يرى أن هذا الإجراء ضروري لمحاربة التطرف الديني، خاصة وأن عددا من المنظمات الإرهابية على غرار تنظيم "داعش" يستغل المساجد للترويج للأفكار الجهادية المتطرفة ولتجنيد المزيد من المقاتلين وتنفيذ عمليات إرهابية دامية.
هيبلر: هناك أمران مختلفان: عندما ينادي الناس إلى العنف، عندها يجب محاسبتهم ومعاقبتهم. وهذا الأمر يجب أن يكون بديهيا في جميع الدول –بما في ذلك مصر. ولكن الخطر يصبح كبيرا جدا - وهذا ليس في مصر فقط، بل في الكثير من الدول – عندما تسعى الحكومات إلى وصم جميع معارضيها وخصومها السياسية بالتشدد والتطرف. وهنا أتذكر مثلا أنه قبل عدة سنوات في أوزبكستان وفي دول أخرى في آسيا الوسطى تم حظر منظمات تدافع عن حقوق الإنسان بدعوى أنها منظمات إرهابية. وهنا يجب الحذر فعلا من ألاّ يتم استخدام حجة محاربة الإرهاب لتكميم أفواه الأصوات المعارضة.
DWعربية:ولكن هناك دول على غرار تركيا التي تقوم من خلال منظمة الاتحاد الإسلامي التركي بإرسال أئمة إلى ألمانيا، حيث تعيش فيها جالية تركية تعد بالملايين، وتحدد لهم الخطوط العريضة لعملهم بما ذلك محتويات خطب الجمعة.
هيبلر: هذا صحيح، وإن كانت تركيا لا توزع نفس النص على جميع آئمة المساجد لإلقائه كخطبة جمعة. في العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة هناك محاولات من قبل جماعات دينية لبسط سيطرتها ووصايتها على الدولة. ولكن في الوقت ذاته هناك في العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة أيضا محاولات من قبل الدولة لتسيير الدين وقمعه وفرض المراقبة عليه. وقد تشكل تركيا مثالا لهذا الوضع الأخير، حيث تعتبر الدولة نفسها منذ زمن طويل سلطة رقابية مشرفة على الدين. أما في ألمانيا فترى أغلبية المسلمين وأغلبية المسيحيين، بل أيضا أغلبية المحلدين أنه لا يجب على الدين التدخل في شؤون الدولة، وأن على الدولة ألاّ تتدخل في الشؤون الدينية.
DWعربية:ألا تعتقد بأنه عندما يكون للسلط الأمنية ولغيرها من السلط علم بمضمون خطبة الجمعة في المساجد في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، فسيتم سحب البساط نهائيا من تحت أقدام المنظمات الإرهابية، خاصة بعد ما حدث في فرنسا وبلجيكا من عمليات إرهابية نفذها شباب تم تجنيدهم في مساجد خارجة عن المراقبة؟
هيبلر: في ألمانيا وفي العديد من الدول تكون حرية الدين والمعتقد حق مضمون في الدستور. ولا يتم تقييد هذا الحق إلا عند تعارضه مع القانون، أي عندما يتم استخدام العنف تحت غطاء ممارسة الدين والمعتقد، وعندها لايكون الحديث عن الدين وإنما عن استخدام العنف الذي يجب معاقبته. فحرية الرأي والمعتقد تعطي للناس الحق في التعبير بحرية عن آراءهم التي قد تبدو خاطئة أو غبية. وهذا يعني أنه يمكنهم أيضا التعبير عن آراء قد تكون متشددة أو راديكالية، لكن يجب ألاّ تتضمن أي دعوات لأعال العنف أو لارتكاب جرائم. ليس من المحظور أن يكون المرء غبيا أو متطرفا، ولكن إلحاق الأذىبالآخرينأو قتلهم أمر مرفوض.وهذا الفرق بين الأمرين مهم جدا بالنسبة للناس. وليس من مهمة الحكومة أو الدولة فرض الرقابة على الآراء السياسية أو الدينية أو غيرها. ومهما كانت المواقف بشأنه يجب أن يتم ذلك في كنف الحرية. وفي ذات الوقت من الضروري رسم حدود واضحة إزاء كل رأي أو تصريح يدعو للإرهاب وإلى كافة أشكال العنف. وهنا لا يجوز التعامل معها بمواقف وسطية. أما أن يكون المرء غبيا أو ضيق الأفق، فهذا ليس من المحظورات.
الدكتور يوخن هيبلر: أستاذ للدراسات السياسية وخبير في الشؤون السياسية الشرق الأوسطية. وهو باحث في الدراسات الخاصة بقضايا السلام في معهد التنمية والسلام التابع لجامعة دوزبورغ-إيسن الألمانية.