تشديد القيود الحدودية..هل يحد من الهجرة غير القانونية؟
١ أكتوبر ٢٠٢٤أعلنت ألمانيا يوم 16 أيلول/سبتمبر الجاري تشديد عمليات التفتيش على حدودها مع جميع جيرانها التسعة، أملا في الحد من تدفق المهاجرين غيرالقانونيين، وفي مواجهة التهديدات التي تمثلها الجماعات الإسلاموية الإرهابية، وفي كبح منظمات الجريمة العابرة للحدود.
وأثارت هذه الخطوة احتجاجات من الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي. من بين الدول التي أعربت عن احتجاجها بولندا والنمسا واليونان. فألمانيا تقع وسط أوروبا، ومنطقة شينغن للتنقل الحر للأشخاص والبضائع، وتشكل ركيزة أساسية من ركائز الاتحاد الأوروبي. والمقرر أن تستمر الضوابط الحدودية ستة أشهر.
رئيس وزراء بولندا دونالد توسك أدان هذا التحرك من قبل برلين، ووصفه بأنه "غير مقبول"، في حين قال نظيره اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس أن "إلغاء معاهدة شينجن بشكل أحادي" ليس حلا.
وكانت ألمانيا طبقت بالفعل ضوابط صارمة على حدودها مع بولندا وجمهورية التشيك والنمسا وسويسرا، وامتدت هذه القواعد الآن لتشمل فرنسا ولوكسمبورج وهولندا وبلجيكا والدنمارك.
وفي ظل الانتخابات العامة المقررة في ألمانيا العام المقبل، وضع هجوما زولينغن ومانهايم ضغوطا قوية على حكومة المستشار أولاف شولتس، من أجل تشديد موقفها بشأن الهجرة غير الشرعية وطالبي اللجوء. وهيمنت هذه المسألة مؤخرا على انتخابات الولايات، والتي عززت بشكل كبير موقف الأحزاب المناهضة للهجرة. ولكن الأمر ليس مقصورا على ألمانيا.
ففوز الأحزاب اليمينية بالانتخابات في العديد من الدول الأوروبية الرئيسية الحكومات التي تنتمي لتياري الوسط واليسار، دفع إلى تشديد سياساتها بشأن الهجرة، مما أثار مخاوف النشطاء.
خبراء: الضوابط الحدودية لن تحد من الهجرة
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي لصحيفة "شتوتجارتر تسايتونج" الألمانية، إن هناك "بدائل للإجراءات التقييدية"، مثل تطبيق نظم لجوء أسرع وتيرة وأكثر عدلا. وأضاف غراندي: "إن التركيز على الضوابط الحدودية لن يردع البائسين حقا".
ولا يتوقع الباحث في شؤون الهجرة، غيرالد كناوس، أن يؤدي تمديد الضوابط لجميع حدود ألمانيا إلى تراجع ملحوظ في أعداد طالبي اللجوء.وقال كناوس لإذاعة "دويتشلاند فونك" الألمانية: "إن من يتوقع أن تؤدي الضوابط على الحدود إلى تراجع في الهجرة غير الشرعية، يصنع آمالا لا يمكن تحقيقها." وتابع بالقول إن الضوابط الحدودية ليست وسيلة لمنع الإرهاب الإسلاموي، حيث إن كثيرا من مرتكبي الجرائم تحولوا إلى التطرف في ألمانيا.
ما هي منطقة شينغن؟
تسمح منطقة شينغن، بحدودها المفتوحة، لأكثر من 425 مليونا من مواطني الاتحاد الأوروبي بحرية الحركة، ومواطنين آخرين من خارج التكتل، يعيشون أو يعملون أو يسافرون أو يدرسون بشكل قانوني به. وتحمل منطقة شينجن اسم قرية في لوكسمبورج، وكانت بدأت كمشروع حكومي دولي مع خمس دول في عام 1985، هي لوكسمبورج وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا.
وتوسعت منطقة شينغن على مراحل، وصارت تضم الآن أغلب دول الاتحاد الأوروبي (عدا قبرص وأيرلندا) ودولا غير أعضاء في التكتل، أيسلندا والنرويج وسويسرا وليختنشتاين. وهي تعد اليوم أكبر منطقة للتنقل الحر في العالم. وبحسب أرقام الاتحاد الأوروبي، يعبر حوالي3.5 مليون شخص الحدود الداخلية للتكتل يوميا. ورغم ما أثاره قرار ألمانيا من جدل، فهي لم تكن الدولة العضو الوحيدة في منطقة شينجن التي فرضت ضوابط على الحدود، حيث توجد تدابير مؤقتة أيضا في النمسا والدنمارك وفرنسا وإيطاليا والنرويج وسلوفينيا والسويد .
بلغاريا ورومانيا: عضوية منقوصة في شينغن
وفي الوقت الذي تكافح فيه الدول الرئيسية من أجل الحفاظ على ارتباطها بمعاهدة شينجن، لا تزال بلغاريا ورومانيا تحاولان تحقيق عضويتهما الكاملة في منطقة التنقل الحر، في مواجهة معارضة النمسا لذلك. وانضمت بلغاريا ورومانيا جزئيا لمنطقة شينجن اعتبارا من 31 آذار/مارس الماضي، حيث جرى رفع الضوابط المفروضة على السفر الداخلي برا وجوا، في حين ظلت كما هي على الحدود البرية قائمة. ويتوقع مسؤولو الاتحاد الأوروبي اتخاذ قرار بشأن منح تحقيق العضوية الكاملة للدولتين في منطقة شينجن بحلول نهاية العام.
وفي كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، كانت النمسا الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي لم تدعم الإلغاء الكامل لعمليات التفتيش الحدودية على حدود منطقة شينجن في بلغاريا ورومانيا، بسبب مخاوف تتعلق بالهجرة. حق النقض الذي استخدمته النمسا وملف البلاد الجديد بشأن الهجرة والمفوض النمساوي، المعين، من قبل فيينا لدى الاتحاد الأوروبي هو وزير المالية ماجنوس برونر، والذي من المقرر أن يتولى حقيبة الهجرة في هيئة المفوضية الأوروبية الجديدة.
وأثار قرار رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ترشيح برونر جدلا في بروكسل، نظرا لما تفرضه النمسا من حصار متواصل في منطقة شينجن، إلى جانب افتقاره إلى الخبرة المباشرة. وعلى الرغم من ذلك، أشار النائب الروماني في الاتحاد الأوروبي، سيجفريد موريسان، إلى أن بلاده لن تستطيع بعد الآن استخدام قضية الهجرة ذريعة لمنع بلغاريا ورومانيا من الانضمام إلى شينجن. وقال موريسان أمام البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي: "يعتمد حل هذه المشكلة على مفوضهم".
ومن المقرر أن يخضع المفوضون، المرشحون، للاتحاد الأوروبي لـ "استجواب"' أمام البرلمان الأوروبي، الهيئة التشريعية للتكتل، قبل التصديق على تشكيل المفوضية الجديدة في نهاية المطاف. ومن الناحية التاريخية، لا يجتاز كافة المرشحين جلسات الاستماع التي يخضعون إليها بالبرلمان، ويتعين على دولهم في هذه الحالة تقديم مرشحين آخرين.
ألمانيا وفرنسا وهولندا تحذر من عدم جاهزية نظام الحدود الجديد
جدير بالذكر أن ألمانيا وفرنسا وهولندا كانوا قد حذروا المفوضية الأوروبية من أن نظام مراقبة الحدود الجديد المسمى "نظام الدخول والخروج" ليس جاهزا ليتم بدء العمل به في 10 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. وقال دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) الأحد (29 أيلول/سبتمبر) بأن أكبر ثلاث دول في الاتحاد الأوروبي تجري محادثات مع المفوضية الأوروبية، الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، لاتخاذ قرار بشأن تحديد جدول زمني جديد لإطلاق النظام الجديد.
وتناولت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية لأول مرة التحذيرات بشأن "نظام الدخول والخروج" وأيضا بشأن مخاوف قطاع السفر من حدوث اضطراب كبير وحذرت دول الاتحاد الأوروبي الثلاث المفوضية من أن النظام الجديد ليس مستقرا بدرجة كافية وأنه لم يتم بعد إجراء الاختبارات الوطنية المطلوبة لتطبيق خدمة "نظام الدخول والخروج".
وقال دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي إنه من المتوقع أن يكون 40% من حركة المرور المتأثرة بخدمة "نظام الدخول والخروج" الجديدة، عبر هذه الدول الثلاث. ويتطلب النظام الآلي من المسافرين القادمين إلى التكتل من أي دولة خارج الاتحاد الأوروبي تسجيل معلوماتهم الشخصية مثل صور الوجه وبصمات الأصابع في المطارات.