تصعيد في سوريا ـ لعبة توازن في لبنان
٢٩ فبراير ٢٠١٢يتناقل التلفزيون صورا مفزعة لعملية إغاثة جريح في مدينة حمص السورية. محمد البالغ من العمر 21 سنة، والمقيم منذ أشهر في مدينة إرسال اللبنانية، يتابع هذه الصور بصدمة كبيرة. فبعد فراره من الجندية، قاصدا الطريق في اتجاه لبنان فقد ساقه اليمنى التي وطأت في الطريق لغما تسبب في النهاية في بتر ساقه. وخوفا من أن تنكشف هويته، أخفى الشاب السوري ملامح وجهه بقطعة قماش، متمنيا أن يتماثل للشفاء العاجل ليساعد الثوار في معركتهم ضد نظام الأسد، "لكن حالتي النفسية سيئة، ففي سوريا يموت الأطفال وأنا مختبئ هنا وأتابع الوضع عبر التليفزيون".
وحصل محمد على فرصة للسكن في بيت متواضع بمساعدة أحد أهالي إرسال، المدينة الصغيرة التي لجأت إليها حوالي مائة عائلة سورية فرت من بطش النظام السوري. وينحدر أغلب النازحين من الحدود السورية اللبنانية أو من مدينة حمص التي تبعد فقط ب45 كيلومترا. وتحولت مدينة إرسال إلى مستقر للجرحى والمصابين القادمين من سوريا.
معاناة النازحين لا تنتهي
تقع مدينة إرسال على بعد كيلومترات قليلة من الحدود السورية ويبلغ عدد سكانها حوالي 40 ألف نسمة. ينتمي أغلب سكانها إلى المذهب السني وأغلبهم يساند الثورة السورية ضد نظام الأسد. ويوجد على رأس مجلس مدينة إرسال أعضاء حركة الغد بزعامة سعد الحريري. لكن حزب الغد لا يقدم دعما ماليا للنازحين السوريين. وقد أقر عمدة المدينة وأعضاء الحزب في إرسال أن المساعدات التي ُتقدم للنازحين يتم جمعها من التبرعات. فالعديد من سكان المدينة انخرطوا في العمل الجمعوي لمساعدة النازحين كما هو الحال بالنسبة إلى الطبيب علي الذي لم يفصح عن اسمه الحقيقي خوفا على سلامته.
السلطات اللبنانية تحاول تخويف من يقدم المساعدة
يروي الطبيب علي أنه يستقبل كثيرا من المكالمات في الليل من طرف أشخاص ينقلون الجرحى عبر الحدود اللبنانية السورية، "أذهب إلى الحدود وأقدم المساعدات الأولية، وذلك بتنسيق مع منظمة الصليب الأحمر، التي تقوم بنقل الجرحى إلى مستشفيات طرابلس". وقد ارتفع عدد الجرحى في الأيام الأخيرة، كما يروي الطبيب علي" كل يوم يأتي 10 إلى 12 شخصا جريحا. وفي عطل نهاية الأسبوع يسوء الوضع أكثر. في يوم الجمعة الأخير جاءنا 15 جريحا، وأغلبهم تعرض لطلقات نارية في الساعد أو الجزء العلوي من الجسم أو الساق". وتحاول السلطات اللبنانية في هذه المدينة الصغيرة عرقلة عمل المتطوعين، وتحاول تخويف سكان المدينة الذين يقدمون المساعدة للنازحين السوريين، وتستدعيهم للاستنطاق. كما أن قوى الأمن تحاول اعتقال اللاجئين السوريين. لكن الحكومة اللبنانية تتجنب المواجهة المباشرة مع سكان المدينة.
الحكومة اللبنانية منقسمة حيال الوضع
يعتبر الوضع في المدينة الصغيرة إرسال نموذجا لاختلال التوازن السياسي في لبنان منذ بداية الأزمة السورية. فالحكومة في بيروت مكونة من فصائل متعاطفة مع النظام السوري، ولم يصدر عنها أي رد فعل عقب تجاوز القوات السورية الحدود اللبنانية. كما لم تحتج حكومة بيروت على عملية زرع الألغام في منطقة الحدود الشمالية. لكنها من جهة أخرى فهي تغض الطرف عن النازحين السوريين الهاربين إلى أراضيها وتقدم جزءا من المساعدات الطبية.
لكن الصحفي قاسم قصير لا يرى في ذلك تناقضا في مواقف الحكومة اللبنانية حيال الأزمة السورية. فقاسم قصير الذي يعرف الوضع السياسي في لبنان معرفة جيدة يتحدث عن إجماع محلي وإقليمي ودولي على ضرورة الحفاظ على الاستقرار في لبنان. "حاليا كل القوى لها رغبة ومصلحة في حماية لبنان، لأنهم يحتاجون بلدهم. والقوى اللبنانية التي تساند الثورة ضد نظام الأسد في حاجة إلى الدولة اللبنانية من أجل دعم المعارضة انطلاقا من لبنان. والحكومة من جانبها تدعم سياسيا النظام السوري".
ساعة الحسم في سوريا ستؤثر مباشرة على الوضع اللبناني
وبالنسبة لحزب الله الشيعي، الذي يعتبر أكبر قوة سياسية داخل الحكومة في بيروت، فإنه لا يجب التخلي عن دعم نظام الأسد لأنه حليف للحزب ضد إسرائيل. وبالنسبة إلى المعارضة المتمثلة في تحالف أحزاب ال 14 من مارس/ آذار المؤلفة من حزب الغد السني وقوى سياسية مسيحية، فإن نظام الأسد يعتبر منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق الحريري خصما لدودا. فتحالف ال 14 آذار تقدم ما يسمى "بثورة الأرز" التي طردت في عام 2005 الجنود السوريين من الأراضي اللبنانية. ويضيف الصحفي قصير أنه "مادامت لحظة الحسم لم تأت في سوريا، فان الاستقرار سيبقى في لبنان، لكن في حالة حدوث انقلاب عسكري أو تطور الأوضاع إلى حرب أهلية، فإننا سنواجه في لبنان مشاكل حقيقية".
منى نجار/ عبد الرحمان عمار
مراجعة: محمد المزياني