تقدم الجيش السوداني المتواصل.. نهاية لنفق حرب دامية؟
٨ أكتوبر ٢٠٢٤تحتدم المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بهدف السيطرة على الخرطوموهو ما لا يبدو أنه الهدف النهائي للجيش والمتحالفين معه، في بلد مزقته الحرب.
الجيش السوداني يواصل التقدم
كان الجيش السوداني قد شن خلال الأيام الماضية عمليات متعددة في الخرطوم وبحري لاستعادة أجزاء من المناطق التي كانت تحت حكم قوات الدعم السريع، ما أكسب الحرب التي كانت هادئة لبضعة أشهر زخمًا جديداً.
وأظهرت لقطات فيديو جنودًا سودانيين يقودون سيارات عبر الطرق المتضررة في مدينة بحري، شمال الخرطوم، كما أعيد فتح جسر حلفايا بعد أن كان تحت سيطرة الدعم السريع.
وبحسب تقارير وسائل الإعلام المحلية، فإن الجيش والقوات المتحالفة يحاولون الاستيلاء على مصفاة الخرطوم للنفط في الجيلي شمال العاصمة. وتشمل ساحات المعارك الاستراتيجية الأخرى جبل مويا في جنوب شرق السودان؛ وكذلك الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور التي دخلتها قوات مشتركة بهدف الإمداد.
ما الذي أحدث الفارق؟
مصدران بالجيش السوداني قالا لرويترز إن الجيش عمل لأشهر على تجديد الأسلحة بما في ذلك الطائرات من دون طيار والطائرات الحربية، فضلاً عن تدريب متطوعين جدد، بهدف تعزيز موقفه على الأرض قبل أي مفاوضات.
وقال سكان من العاصمة، إن الجيش نفذ في الأيام الأخيرة المزيد من عمليات القصف الجوي بعدد أكبر من المسيرات والمقاتلات مقارنة بالماضي. لكن خبراء عسكريون يتوقعون أن تستعيد قوات الدعم السريع البرية - الأكثر فعالية - تفوقها مع انتهاء موسم الأمطار وبدء موسم الجفاف حيث تصبح الطرق أكثر قابلية للعبور.
ويرى عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة "التيار" السودانية أن هناك سببان رئيسيان لانتصارات الجيش السوداني، "الأول هو الاستعداد لشهور طويلة للعمليات، من خلال تدريب أفراد جدد انضموا للجيش الذي كان يعاني من قلة العدد، والتدريب على استخدام أسلوب حرب العصابات وحروب المدن بدلاً من الحروب النظامية العادية".
وتابع ميرغني خلال حوار هاتفي من القاهرة مع DW عربية أن "الجيش تأخر في إدخال الطائرات المسيرة إلى المعارك بشكل فعال، كما أن هناك أسلحة جديدة متنوعة ذات بعد إستراتيجي تم استخدامها في المعارك الأخيرة كالمدفعية دقيقة التوجيه والصواريخ الموجهة، وكلها استعملها الجيش السوداني مؤخراً بعد إعداد طويل".
السبب الثاني في رأي ميرغني هو الإستراتيجية التي كان يعمل بها الجيش طوال فترة هذه الحرب، "فهذه حرب استنزاف، إذ كان الجيش دائماً يردد أنه غير معني في الفترة الأولى بالأرض، بقدر ما هو معني باستنزاف قدرات الخصم من خلال التصدي للهجمات التي كان الدعم السريع يشنها على المواقع الحصينة كمعسكرات المدرعات، وسلاح المهندسين، وسلاح الإشارة وهو ما اعتقد أنه أدى لاستنزاف قوات الدعم السريع بشكل كبير جداً خصوصاً على مستوى الأفراد أو القيادات".
من جانبه، يعتقد الدكتور محمد تورشين الباحث في الشأن الأفريقي أن استعادة الجيش والقوات المشتركة لزمام المبادرة والتحول من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، جاء نتيجة "تجنيد الجيش لعدد كبير جداً من العناصر، إذ كانت الحكومة في عهد عمر البشير تعتمد على الدعم السريع اعتماداً جذرياً فيما يتعلق بتنفيذ المهام العسكرية القتالية، لا سيما محاربة الحركات المسلحة".
أضاف تورشين في حواره هاتفي من باريس مع DW عربية أنه نتيجة لذلك "كانت المؤسسة العسكرية بشكلها الرسمي مُهمَلة باعتبار أن هناك مخاوف لدى نظام عمر البشير من قيام الجيش بانقلاب عسكري".
ويرى الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية أنه "فضلاً عن ذلك، يبدو أن الجيش السوداني لم يكن مستعداً لهذه المعركة، وكان بحاجة للكثير من العتاد العسكري، لاسيما الدعم اللوجستي والفني، وربما في تلك الفترة الأخيرة استطاع التواصل مع بعض القوى التي وفرت له هذه المساعدات".
ويعتقد تورشين أن "الحديث هنا يدور عن الصين وروسيا وتركيا، وقطر، وإيران، فتلك القوى الإقليمية والدولية أسهمت بشكل أو بآخر في توفير جزء كبير من العتاد العسكري، وبالتالي فقد أسهم هذان العنصران بصورة ما في استعادة الجيش لزمام المبادرة، إضافة لعنصر آخر وهو تغيير الإستراتيجية العسكرية للجيش السوداني والتي هي في الأساس استراتيجية عسكرية دفاعية أكتر مما هي هجومية، وتغير هذه الاستراتيجية إلى الهجوم جاء بعد امتصاص الصدمة ومحاولة استنزاف قدرات الدعم السريع على المدى الطويل".
ما تأثير التطورات العسكرية على مسار الحرب؟
يسيطر الجيش السوداني على جسر حلفايا في العاصمة، مما يسمح له بوجود موطئ قدم في بحري يسهل اتصاله بقواعده في أم درمان. وقالت مصادر عسكرية وشهود عيان لرويترز إن الجيش يدافع بشراسة عن جسر استراتيجي على النيل يؤدي إلى قلب العاصمة.
دبلوماسي غربي كبير يقيم في المنطقة، تحدث إلى وكالة رويترز شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب الحساسيات السياسية وقال إنه "لن يكون هناك اختراق حاسم" على الأرض، وأن "ما نتوقعه هو المزيد من تفتت القوى أكثر فأكثر، خصوصاً في الخريف، مع رؤية المزيد من الجماعات المسلحة تتورط في النزاع، ما سيجعل الوضع بشكل عام أكثر صعوبة".
ويعتقد عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة "التيار" السودانية أن "انتصارات الجيش قد تكون بوابة الخروج من نفق الحرب من زاويتين: الزاوية العسكرية هي أن هذه الانتصارات ستسير على شكل متوالية هندسية، بمعنى أنها في البدايات ستبدو المساحات والمدن والمناطق التي استرجعها الجيش محدودة لكن في الواقع سيكون لها تأثير استراتيجي كبير وهي ما يمكن تسميته بالمناطق الحاكمة، أي أنها ليست مجرد عدة كيلومترات مربعة بل هي مناطق هامة على المستوى العسكري".
وقال ميرغني إنه يأمل أن يكون تقدم الجيش في هذه الأيام هو بداية للطريق للوصول إلى مفاوضات سلام جدية في هذه المرة، مضيفاً أنه "في رأيي فإن الجيش حتى لو انتصر في كل المناطق وكل المدن فإن ذلك لا يعني أن الحرب انتهت بصورة كاملة، لأن بندقية واحدة كفيلة بأن تحافظ على استمرار الفوضى لأبعد فترة ممكنة، وتسبب عدم الاستقرار بما يمنع الوصول إلى اتفاق سلامينهي الحرب، ويستأصل أي جذور تتصل بها".
لا فوز مطلق ولا هزيمة مطلقة
أما الدكتور محمد تورشين الباحث في الشأن الإفريقي فيرى أن مثل هذه الحروب التي تندلع في أفريقيا والتي يعتقد طرفاها بإمكانية القضاء على الآخر تماماً هي بمثابة تحدٍ حقيقي وأمر يصعب تحقيقه في الواقع، "لا سيما وأن الدعم السريع اعتمد بشكل أو بآخر منذ تأسسه على بعض الإثنيات والعرقيات التي ظلت تقاتل معه، بغض النظر عما إذا كان أداؤها يتفق مع القوانين أو المبادئ الإنسانية أم لأ."
أضاف تورشين قائلاً إنه حتى مع تقدم الجيش على الأرض ستبقى أطراف أخرى تقدم المساعدة للدعم السريع سواء بالسلاح أو بالمعلومات الاستخباراتية أو المرتزقة، ما يعني أن التحدي سيتسمر خصوصاً في المناطق المرتبطة بالحدود مثل دارفور ويبقى الأمل في أن تتم استمالة عدد أكبر من الدعم السريع إلى جانب الجيش السوداني والحكومة وأن تحاول القبائل والجهات المتحالفة مع حميدتي وأخيه السعي للحفاظ على قدر من المصالح باعتبار أن المواجهات العسكرية ستفقدها كل شيء".
ووفقاً لتقرير حديث أصدرته مجموعة الأزمات الدولية ومقرها لندن أنه كلما طال أمد الحرب، فإن سلطات قائد الجيش عبد الفتاح برهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) تصبح أكثر ضعفاً، وأن المزيد من الحرب لا يمكن أن يجلب إلا المزيد من الدمار للسودان.
ويضيف التقرير أنه علاوة على ذلك، فإن الدعم السريع والجيش لديهما أسباب لتجنب المزيد من التصعيد، حتى لو لم يظهر أن أياً منهما يدرك ذلك، فالكل سيخسر في النهاية خاصة وأن استيلاء الدعم السريع على المزيد من المناطق في دارفور وجوارها قد يشعل حرباً عرقية وطائفية، كما سيعرض قادتها لمزيد من العقوبات الأمريكية والتهديد باتخاذ إجراءات عقابية أكثر صرامة.
وبحسب التقرير أيضاً فإن الجيش لديه أسباب للتفاوض على هدنة قريبة، ذلك أن استراتيجيته في الصراع قد تأتي بنتائج عكسية بسهولة، إذ قد تتمكن قوات الدعم السريع من الاستيلاء على مزيد من الأراضي خصوصاً بعد انتهاء موسم الأمطار وهزيمة الجماعات المسلحة في دارفور والمتحالفة مع الجيش، مما يترك قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بلا موطئ قدم في غرب البلاد ويزيد من تقويض مطالبه بالسلطة، كما أن مزيد من الهزائم في المدن الكبرى سيضعف من الجيش أكثر فأكثر.