تقدم مدهش للمغرب.. الدول الأكثر حماية للبيئة في العالم
١٨ ديسمبر ٢٠١٩حتى الآن لا يوجد "رابح" في سباق حماية البيئة بين دول العالم، لأن أياً منها لم يحقق بعد الأهداف الملقاة على عاتقها بموجب اتفاق باريس لحماية المناخ، الذي ينصّ على إبقاء الزيادة في درجات الحرارة العالمية تحت مستوى الدرجتين المئويتين.
ويتفق الباحثون على أنه، وبالنظر إلى أوضاع العالم اليوم وبالمقارنة مع فترة ما قبل الثورة الصناعية، فإن درجة الحرارة حول العالم سترتفع بنحو ثلاث درجات مئوية مع نهاية القرن الحالي، إلا لو تمكنت البشرية من خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بسرعة وبنسبة كبيرة. لكن ذلك لا يبدو ممكناً، بحسب ما توصل له الفريق العلمي وراء مؤشر حماية المناخ، الصادر عن معهد "نيوكلايميت" ومنظمة "جيرمان ووتش" غير الحكومية، و"كلايميت آكشن نيتوورك".
وفي تقديم إصدار هذا العام من المؤشر، قال البروفسور نيكلاس هونه، أحد القائمين عليه، إن "العادة جرت عند إصدار مؤشر حماية المناخ على ترك الأماكن الثلاثة الأولى فارغة. وهي فارغة أيضاً هذا العام، لأن أياً من الدول لم يقم بما يكفي في مجال حماية البيئة للإيفاء بما يفرضه عليه ميثاق المناخ".
السويد في المقدمة وأمريكا في المؤخرة
يرصد هذا المؤشر ويحلل ويقارن التطورات في مجال حماية البيئة لدى 57 دولة حول العالم، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي كتكتل للدول. هذه الدول مسؤولة عن 90 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة حول العالم. وكلما بذلت دولة منها جهوداً أكبر للوصول إلى هدف خفض الارتفاع في درجات الحرارة العالمية إلى ما دون درجتين مئويتين، كلما كان تصنيفها في المؤشر أعلى.
يتكون هذا المؤشر من أربع فئات: انبعاثات غازات الدفيئة، ونسبة الطاقات المتجددة من إجمالي الطاقة المستهلكة، ومعدل استهلاك الطاقة للفرد الواحد، وسياسة حماية المناخ الحالية والخطط للسنوات القادمة.
وبما أن المراكز الثلاثة الأولى في المؤشر تبقى خالية إلى اللحظة، فإن السويد تحل في المركز الرابع هذا العام، وذلك بسبب خططها المستقبلية للتحول التام إلى الطاقات المتجددة بحلول عام 2040، إضافة إلى فرضها أعلى ضريبة في العالم على انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون (114 يورو لكل طن). وعلى سبيل المقارنة، فإن ألمانيا تنوي فرض ضريبة على انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بدءاً من عام 2021 بمعدل 10 يوروهات لكل طن.
خلف السويد تأتي كل من الدنمارك والمغرب، اللتان تحتلان المركزين الخامس والسادس على التوالي. أما ألمانيا فقد حلت في المركز الـ23. وفي القارة الأوروبية، كانت بولندا الأسوأ، إذ احتلت المركز الـ50 في المؤشر، فيما حسنت الصين من وضعها واحتلت المركز الـ30.
وفيما يتعلق بأكبر اقتصادات العالم – الولايات المتحدة – فهي كانت على طريق الهبوط منذ عام 2018، وفي هذا العام احتلت المركز الأخير على المؤشر. في هذا الصدد يقول نيكلاس هونه: "هناك (في الولايات المتحدة) يتم التراجع عن سياسات حماية البيئة". السبب في ذلك هو الرئيس دونالد ترامب، الذي أعلن في نوفمبر/ تشرين الثاني عن خروج بلاده العام المقبل من اتفاقية باريس لحماية المناخ.
علاوة على ذلك، فإن متوسط استهلاك الفرد للطاقة في أمريكا ما يزال ضعف معدلاته في أوروبا، وأكثر بعشر مرات من المتوسط في الهند. حول ذلك يقول هونه: "هذا ليس أمراً جيداً".
خطوات صغيرة في الاتجاه الصحيح
من جهتها، تقول أورسولا هاغن، وهي إحدى المشاركات في صياغة تقرير هذا العام، إن أكثر من نصف الدول التي شملها المؤشر "أظهرت تراجعاً في مستوى الانبعاثات، أغلبها من الدول الصناعية والنامية الصغيرة. هذا جانب إيجابي نأمل في أن يصبح سمة سائدة".
ويضيف نيكلاس هونه: "نحن نشهد خطوات صغيرة في الاتجاه الصحيح". لكنه يستدرج بالقول إن الدول الصناعية الكبرى، المسماة دول العشرين، ما تزال "سيئة للغاية، للأسف. أكثر من نصف دول العشرين يقع في النصف الأسفل من المؤشر".
تقدم مدهش للمغرب
نجم هذا العام على مؤشر حماية المناخ هو المغرب، الذي حل في المركز السادس، أو ثالثاً خلف السويد والدنمارك. بدأ المغرب منذ عام 2015 بالتقليل من الدعم الحكومي لشركات الطاقة الأحفورية، وهو أمر لم تقم به إلا دول قليلة حول العالم، حسب التقرير. وبالإضافة إلى ذلك، يشهد المغرب مستويات استهلاك صغيرة للطاقة، بالإضافة إلى الهدف الطموح في الاعتماد بنسبة 52 في المائة على الطاقات المتجددة بحلول عام 2030.
الهند الطموحة
هذا العام احتلت الهند للمرة الأولى أحد المراكز العشرة الأولى على المؤشر، والسبب متوسط استهلاك الطاقة القليل نسبياً لكل فرد، ومعدلات انبعاث قليلة لغازات الدفيئة، بعكس الولايات المتحدة والدول الأوروبية. كما تستثمر الهند بشكل قوي في الطاقات المتجددة وتسعى، بحلول عام 2030، إلى رفع نسبة اعتمادها عليها إلى 40 في المائة. يعلق نيكلاس هونه على ذلك بالقول: "أرى ذلك مذهلاً للغاية بالنظر إلى مستوى التنمية في ذلك البلد".
لكن الهند تخسر نقاطاً بسبب لجوئها إلى بناء محطات توليد الكهرباء من الوقود الأحفوري لتغطية احتياجاتها المتزايدة، والتي يعقّب هونه عليها بالقول: "أرى هنا أن المجتمع الدولي مطالب بالعمل مع الهند على عدم القيام بذلك، والبحث عن وسائل طاقة بديلة".
مركز جيد للبرازيل بسبب الطاقة الكهرومائية
تتصدر البرازيل القائمة العالمية في مجال الاعتماد على الطاقة الكهرومائية، بنسبة تصل إلى 70% من خليط الطاقات الذي تستخدمه. لكن نيكلاس هونه يشير إلى "قلق الخبراء بسبب نسب قطع الأشجار المرتفعة، وهي الأعلى في السنوات العشر الماضية". كما أن الحرائق التي شهدتها غابات الأمازون كانت مدعاة للقلق، لاسيما وأن الحكومة الحالية برئاسة بولسونارو خفضت من ميزانية سلطات حماية البيئة المخصصة لمكافحة حرائق الغابات، بحسب ما يذكر التقرير.
إلى ذلك، لا يرى العلماء أي استراتيجيات وخططاً لخفض نسب انبعاث غازات الدفيئة على المدى الطويل، ولهذا احتلت البرازيل في فئة "سياسات حماية المناخ" واحداً من المراكز العشرة الأخيرة.
هل ألمانيا والاتحاد الأوروبي جديون؟
يمدح التقرير رئيسة المفوضية الأوروبية الجديدة، أورسولا فون دير لاين، التي طالبت الاتحاد الاوروبي بتعديل هدف خفض انبعاثات غازات الدفيئة للاتحاد بحلول عام 2030 من 40 إلى 55 في المائة. وتقول أورسولا هاغن إن "هذه الأهداف هي سبب تصنيفنا الاتحاد الأوروبي هذا العام في مركز جيد في فئة سياسات حماية المناخ. يجب أن يتبع هذا الهدف، مثله مثل هدف الوصول إلى التوازن المناخي التام بحلول عام 2050، إجراءات عملية. لكن حتى لا توجد سوى استراتيجيات قليلة أو معدومة". ولذلك، فإن الاتحاد الأوروبي لم يبلغ بعد كل أهداف اتفاق باريس.
كما انتقدت هاغن أيضاً سياسات المناخ الألمانية، التي وصفتها بـ"غير المتطابقة مع اتفاق باريس" و"تنقصها الشجاعة". وعلى الرغم من تحسن الوضع في ألمانيا فيما يخص حماية المناخ، إلا أنها ما تزال متخلفة وراء أهداف اتفاق باريس بكثير. حول ذلك يقول نيكلاس هونه: "سياسة حماية المناخ الألمانية خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكنها خطوة صغيرة للغاية. نحن بحاجة إلى إعلان واضح حول الوصول إلى التوازن المناخي التام".
وإلى حين ذلك، تبقى ألمانيا في وسط المؤشر وبعيدة كل البعد، كغيرها من الدول في المؤشر، عن المراكز الثلاثة الأولى.
تيم شاونبيرغ/ ي.أ