تقرير الكونغرس حول سي آي إيه "أكثر وحشية مما كان يتصور"
١٠ ديسمبر ٢٠١٤وصفت الناشطة في منظمة هيومن رايتس ووتش لاورا بيتر ما جاء في تقرير الكونغرس الأمريكي، حول أساليب التحقيق التي كانت تتبعها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) مع متهمين بالإرهاب، بأنه مثير للصدمة. الأمريكيون انتظروا بترقب شديد صدور هذا التقرير، الذي كشف عن أساليب تعذيب قاسية استخدمت أثناء استجواب متهمين بالإرهاب. فما مدى وحشية هذه الأساليب التي لجأت إليها سي آي إيه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ وهل كان الرئيس السابق جورج بوش على علم بها؟ وهل نجح أسلوب التعذيب في الحصول على معلومات مهمة جنبت أمريكا هجمات إرهابية أخرى؟
قدم تقرير الكونغرس الأمريكي الذي جاء في 600 صفحة أجوبة مثيرة على كل هذه الأسئلة. وقالت رئيسة لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي ديان فاينشتاين إن التقرير يوثق "للاعتقال السري لـ 119 شخصا على الأقل قامت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية باحتجازهم في الخارج بالإضافة إلى استخدام أساليب استجواب قاسية بلغت حد التعذيب في بعض الحالات".
وثمنت الناشطة الحقوقية لاورا بيتر عمل لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ وقالت بأنه عمل "في غاية الأهمية" لكونه أظهر أن "التعذيب لم يكن فقط أكثر بشاعة مما كان يتصور"وإنما لم يكن أيضا وسيلة ناجعة للوصول إلى معلومات جديدة." ولم تستبعد بيتر وزميلاتها في المنظمات الحقوقية أن يحدث هذا التقرير زلزالا سياسيا في الولايات المتحدة.
اختلاف في وجهات النظر حول جدوى التقرير
سبب تقرير الكونغرس في وقوع جدل داخل الأوساط السياسية حتى قبل صدوره. فقبل أيام من نشر التقرير تحدث وزير الخارجية الأمريكي جون كيري هاتفيا مع عضو مجلس الشيوخ ورئيسة لجنة الاستخبارات في المجلس ديان فاينشتاين وحذرها من أن نشر التقرير قد يولد ردود فعل عنيفة في الخارج ويعرض حياة الأمريكيين للخطر.
واعتبرت صحيفة واشنطن بوست نشر تقرير فاينشتاين حول المخابرات المركزية في زمن الحرب بأنه "عمل غير مسئول" وهو نفس رأي المعارضين الجمهوريين بالإضافة إلى الكثير من موظفي السي آي إيه.
وبدوره دافع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عن رجال المخابرات وقال: "إنهم أناس جيدون، ونحن سعداء لكونهم يتواجدون بيننا". وهو نفس الرأي الذي ذهب إليه أيضا الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية جورج تينت والجنرال ميشيل هايدن.
هايدن، الذي كان مديرا لسي آي أيه في الفترة بين عامي 2006 و 2009، قال في رسالة إلكترونية بعث بها إلى صحيفة نيويورك تايمز "نحن هنا لا ندافع عن التعذيب وإنما ندافع عن التاريخ". أما المسئول عن برنامج التحقيق المثير للجدل الذي كانت تستخدمه السي آي إيه، فكتب في صحيفة واشنطن بوست "كنا نقوم بما يتعين علينا القيام به وبما كنا نعتبره قانونيا"، وذلك في إشارة إلى التعليمات التي كانت تأتي من إدارة بوش.
التعذيب مقابل الأمن
بالمقابل يرى جوزيف ويبل أن زملائه السابقين كان عليهم أن "يرفضوا القيام بمثل تلك الأعمال." أما السيناتور الجمهوري جون ماكين، الذي تعرض بنفسه للتعذيب عندما كان سجينا في حرب فيتنام، فجاء تعليقه غريبا بعض الشيء عندما قال: "إن من قاموا بالتعذيب كانوا يأملون في أن يساعدهم ذلك على جعل "العالم أكثر آمانا."
لكن هل يتعلق الأمر فعلا بالتعذيب أم أنه مجرد "أساليب استجواب قاسية" لجأت إليها وكالة الاستخبارات المركزية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر للحصول على معلومات من متهمين بالإرهاب تابعين للقاعدة؟
الرئيس الأمريكي بارك أوباما يتحدث عن التعذيب وهي نفس الكلمة التي بدأت تستخدمها السناتور ديان فاينشتاين. بيد أن الصحف الرائدة في الولايات المتحدة الأمريكية لا تستعمل وصفا موحدا بهذا الخصوص. فعلى سبيل المثال تستخدم صحيفة واشنطن بوست وصف "أساليب استجواب قاسية" على عكس صحيفة نيويورك تايمز .
محاكاة الغرق يعتبر نوعا من التعذيب
يعتبر جوزيف ويبل أن جزء من الأساليب التي كانت تستخدمها وكالة الاستخبارات الأمريكية في التحقيق والتي وردت في تقرير الكونغرس تدخل في إطار التعذيب، "مثل محاكاة الغرق"، الذي طبق ضد ثلاثة أشخاص قبل إلغائه في 2004. ويضيف ويبل "الحرمان من النوم إذا وصل إلى حد معين يعتبر أيضا تعذيبا"، وهو ما ينطبق أيضا على إرغام السجين على اتخاذ أوضاع مقلقة.
أما مدير السي آي إيه جون برينان، فظل يدافع عن أساليب الاستجواب القاسية التي كانت إدارته تقوم بها، معتبرا أن تلك الوسائل مكنت من "إحباط عمليات إرهابية وإلقاء القبض على إرهابيين وإنقاذ حياة بعض الناس."
لكن يبدو أن جوزيف ويبل غير مقتنع بالحجج التي ساقها جون برينان وقال بهذا الخصوص "لحد الساعة لم يتم الإعلان عن الأرواح التي تم إنقاذها." وأضاف: "وسائل التعذيب ليست ضرورية." وتسائل ويبل: "من المعروف لدى الجميع أن تعذيب السجين من أجل الحصول على معلومات أمر غير قانوني. لكن إذا كان ذلك أمرا مسموحا به فهل من الجدوى القيام بذلك؟"
وبالإضافة إلى الاتهامات بممارسة التعذيب اتهم تقرير مجلس الشيوخ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بتضليل الرئيس الأمريكي والكونغرس من خلال مدهما بمعلومات خاطئة، وهو ما يفنده رئيس سي آي إيه سابقا الجنرال هايدن.
وذهبت الحقوقية لورا بيتر إلى أبعد من ذلك واتهمت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بالقيام بحملة في الخفاء من أجل الحيلولة دون وصول تقرير الكونغرس إلى الرأي العام. وطالبت الناشطة الحقوقية بتشديد الرقابة على جهاز السي آي إيه وإعادته إلى "السكة الصحيحة" حتى لا يعود "لارتكاب تجاوزات أخرى".
أما أعلى سلطة في الولايات المتحدة وهو الرئيس باراك أوباما، فقد تعهد في بيان أمس الثلاثاء (9 ديسمبر/كانون الأول) بأنه سيبذل كل ما بوسعه حتى "لا نعود مرة أخرى لمثل هذه الأساليب." وأضاف أوباما أن ما قامت به وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أساء إلى صورة أمريكا في العالم.