تنظيم القاعدة: صلة غامضة بالربيع العربي
٢٣ فبراير ٢٠١٢هذه الثورات كانت إحدى عوامل تراجع شبكة القاعدة إعلاميا وميدانيا وهنالك عوامل وأسباب أخرى أدت إلى تراجعها ، أبرزها :
1. مقتل عدد من قيادات التنظيم ومنها أسامة بن لادن زعيم التنظيم في مايس عام 2011 وأعقبه مقتل أنور العولقي في اليمن والأخير كان يعتبر ملهم شبكة القاعدة لتجنيد عدد كبير من العرب والأجانب وكذلك مقتل ابو عمر البغدادي من تنظيم دولة العراق الإسلامية الذي يعمل تحت مظلة القاعدة ، وتعرض قيادات التنظيم لعمليات قنص بطائرة بدون طيار عند الحدود الباكستانية الأفغانية .
2. ترهل وتقاعد عدد من قيادات التنظيم وخاصة من الجيل الأول أبرزها الظواهري وسيف الدين العدل وعبد النبي من جيش أبين/ اليمن ولجوء عدد منهم مع عوائلهم إلى إيران .
3. تخلي طالبان عن تنظيم القاعدة بعد موافقتها على إجراء حوار مع الولايات المتحدة برعاية قطرية مطلع هذا العام 2012. علما بان الخلاف الأفغاني مع القاعدة يعود الى الأيام الأولى من تحرير أفغانستان من الاتحاد السوفيتي السابق عام 1989 وهذا الخلاف يتركز في عولمة أهداف القاعدة عكس طالبان التي تتحدد بتحرير أفغانستان واستلام السلطة و الخلاف كان واضحا حتى في تحضيرات العمليات الانتحارية والعسكرية ضد القوات الأميركية وقوات حفظ السلام الدولية ،ايساف.
4. المعلومات ومراسلات التنظيم : ان عمليات اغتيال قيادات القاعدة ضروري التوقف عندها وخاصة مقتل بن لادن ، رغم ان مقتله يعد انتكاسا معنويا للتنظيم لكنه لا يمكن إهماله ميدانيا . ان عملية اغتيال بن لادن ضخت حجما كبيرا من المعلومات حتى قارنها البعض لاحقا بمقتل أنور العولقي وقيادات أخرى .
سقوط هذا الكم من المعلومات في مقر سكن بن لادن وحاسوبه الشخصي بالتأكيد يتطلب من التنظيم إيقاف نشاطه مركزيا وإجراء مراجعة شاملة إلى شبكة مصادره ووسائل اتصاله وتغيير أماكن تواجد قياداته وهذا لا يمكن تجاوزه في أيام أو أسابيع بل يمتد إلى أشهر عدة .
5. انخفاض الحماس عند الجيل الثالث من شبكة القاعدة الذي كان يقوم على الجهاد الإعلامي والمنتديات الإعلامية نتيجة تخلي الشباب عن تلك المنتديات والالتحاق بثورات الشباب الشعبية.
رسائل القاعدة
جاءت رسالة الظواهري في الثاني عشر من شباط / فبراير 2012 لمساندة الثورة في سوريا ضعيفة وتعكس تراجع التنظيم وممكن تفسيرها بأنها محاولة من التنظيم للقفز على ثورات الربيع العربي .
فأين كانت القاعدة من تغيير النظام في مصر والذي جاء نتيجة ثورة الشباب الشعبية رغم وجود الضغوطات الأميركية ؟ وأين كانت القاعدة من تغيير نظام علي صالح في اليمن والذي تنحى مقابل ثورة الشباب مع مبادرة خليجية أميركية فإنها لم تأت بجديد ؟
لقد حصد الإسلاميون اغلب المقاعد البرلمانية في الانتخابات التشريعية بعد التغيير وكانت حصة الأخوان المسلمين هي الأكبر لتصل إلى أكثر من 50 % مقابل اقل من 10 % إلى السلفية وهنا ضروري التمييز مابين السلفية وتنظيم القاعدة فليس كل سلفي يعني القاعدة فهنالك السلفية الإصلاحية و المعتدلة والسلفية الجهادية التكفيرية بل هنالك أصوات داخل السلفية وبعض مشايخهم تدين أعمال العنف والغلو في القتل وتطلب من تنظيم القاعدة ان تتقي الله في عباده .
القاعدة نموذج مختلف
لا يمكن تعميم نموذج واحد للقاعدة على ثورات الربيع العربي فهنالك خصوصية لكل دولة تميزها عن الأخرى:
القاعدة حليف للنظام : هذا النموذج كان ومازال واضحا في اليمن فالتنظيم كان حليفا لنظام علي صالح ومازال ، لان رحيل صالح لم ياتي بجديد ، فحزب المؤتمر الحاكم وعائلة ومقربي صالح مازالوا يمسكون بزمام السلطة والمؤسسة العسكرية والأمنية . وما تشهده اليمن من تطورات أمنية وخاصة في جنوب اليمن في ابين ورداع وجبال حطاط وإعلان إمارات إسلامية من قبل أنصار الشريعة/الذهبي هي جزء من تقاسم الأدوار بين السلطة والتنظيم .
سوريا : كانت سوريا للفترة 2005 الى 2009 أهم معبر لتنظيم القاعدة في العراق بل كانت الحكومة السورية / ومؤسساتها الاستخبارية تشرف على تدريب المتطوعين في معسكرات خاصة أبرزها معسكر اللاذقية وإعداد الانتحاريين يتم تسريبها علنا ضمن شبكة عمل واسعة ابرزها معبر ربيعة والذي مازال يمثل المعبر الرئيسي لنقل الانتحاريين الى داخل العراق .
القاعدة وتنظيم الشام كانا ذراعا لسوريا وحليفا لفرض شروط سوريا على الإدارة الأميركية وكان تصريح بشار الأسد المتضمن " عندما تريد الولايات المتحدة فرض الأمن في العراق عليها التفاوض مع سوريا " وهو إشارة واضحة على تورط الحكومة السورية في عمليات الإرهاب داخل العراق وباعتراف معتقلي القاعدة ، فكيف تكون القاعدة وراء تغيير النظام في سوريا ؟
بل اعتبر بعض المراقبون للشأن السوري ، ان اتهام الرئيس بشار للقاعدة في عمليات قتل وعمليات انتحارية بين المدنيين بأنها عملية توزيع الأدوار و محاولة للتنصل من التزامات الحكومة أمام مواطنيها .
تونس : لقد نجحت تونس بتحييد تنظيم القاعدة ومنع المتسللين الى اراضيها من دول الجوار وتفكيك بعض الخلايا الصغيرة .
ليبيا : ثمة معطيات سياسية وإقليمية داعمة لحضور القاعدة داخل المشهد الليبى و لم تأتي مشاركتها من فراغ و أنما لأسباب سياسية واجتماعية ، أن الدور القيادى للقاعدة فى حرب ليبيا جاء بموافقة أمريكية غربية .
ان تعيين الشيخ الصادق / الحصيدي كآمر للواء طرابلس وهو أمير داخل القاعدة وحارب بأفغانستان ويشك بانه كان معتقلا في غوانتناموا وله سجل طويل مع السي اي اية ، لم يأتي من فراغ . ان استخدام الإدارة الأميركية شبكة القاعدة والمقاتلين من الإسلاميين وخاصة السلفية والجناح العسكري للإخوان المسلمين ممكن تفسيره بأنه يأتي أو يتماشى مع سياسة وكالة الاستخبارات المركزية والدفاع الجديدة القائمة على تقليص نشر القوات الأميركية ونفقات الميزانية بالإضافة إلى استثمار الروح الجهادية للمجموعات الإسلامية والقاعدة بالتخلص من نظام القذافي بوقت اقصر .
إن إشراك تنظيم القاعدة في العمليات العسكرية ممكن تفسيره بأنه خطوة أميركية بالتخلص من بعض مقاتلي التنظيم وسحبهم من معاقلهم في أفغانستان وباكستان باتجاه شمال أفريقيا ، وخطوة استخبارية ذكية من قبل الاستخبارات المركزية باستقطاب مقاتلي التنظيم بعد استخدامها الصادق كطعم لمقاتلي التنظيم والمجموعات الإسلامية ، وان صح ذلك تصح نظرية إعادة تجنيد مقاتلي تنظيم القاعدة داخل السجون والمعتقلات الأميركية كما حدث في العراق .
لقد نشرت صحيفة ديلي تلغراف شهادة الأدميرال ستافريديس قائد الناتو في مجلس الشيوخ الأمريكي قائلا :"انه يشك بوجود فلول القاعدة في ليبيا " ولكن كان رد مجلس الشيوخ : " لا يوجد فلول فقط ولكن فيضان " . عملية إشراك القاعدة في ليبيا تشبه فضيحة إيران /كونترا غيت لكنها أكثر شفافية .
القاعدة تنظيم انتهازي
القاعدة تنظيم انتهازي يسعى إلى استغلال الاضطرابات من أجل تنشيط طموحاته الإقليمية ، بعد ان غابت في الانتفاضات الشعبية و الربيع العربي وفشلت في التغيير.
أن البيئة السياسية والاجتماعية العربية تبدو مهيأة لصعود التيار الديني باستثناء القاعدة واحتمال اتخاذ دور الاستلام السياسي المعتدل في التغيير باعتباره تنظيم أيدلوجي منظم يملي الفراغ السياسي.
فرغم تراجع وضعف شبكة القاعدة تنظيميا لكنها كانت و ما تزال نسبيا أكثر انتشار أيدلوجيا لتتحول إلى فكر متطرف يغلو بقتل من يخالف فرض خلافته الإسلامية الافتراضية . هذا التراجع كان وراء اعتماد التنظيم على التشكيلات الإقليمية أبرزها تنظيم اليمن والجزيرة العربية والشام والعراق وشمال أفريقيا ، لكن الملاحظ ان الضعف لم يتحدد فقط في التنظيم المركزي بل تمدد إلى التنظيمات الإقليمية .
إن احتضان تنظيم القاعدة المركزي لتنظيمات محلية تعمل بمظلتها ومنها " دولة العراق الإسلامية " وأنصار الشريعة في اليمن ممكن تفسيره بأنها خطوة تنظيمية للاعتماد على التنظيمات المحلية لاستقطاب التأييد المحلي بعد مواجهة التنظيم رفض الرأي العام و حواضنه ، واحتمال فقدان قياداته لدورها الميداني ، فهي تحاول حصد عمليات التنظيمات المحلية لصالحها خاصة بعد معاناة التنظيم من مشكلة التمويل والحركة ، فالقاعدة تستغل رموز قياداتها لفرض أهدافها وسياساتها على تلك التنظيمات المحلية .
جاسم محمد
مراجعة ملهم الملائكة