تنظيم مناطق السكن العشوائي في حلب السورية بدعم من وكالة التعاون التقني الألمانية
٧ فبراير ٢٠٠٩أضحت أحياء وضواحي المخالفات العمرانية أو مناطق السكن العشوائي مشهدا مألوفا في غالبية المدن العربية الكبيرة كالقاهرة والدار البيضاء ودمشق وغيرها. وفي مدينة حلب السورية على سبيل المثال يعيش 40 من سكان المدينة البالغ ثلاثة ملايين في هذه الأحياء التي انتشرت على نطاق واسع منذ ثمانينات القرن الماضي بسبب هجرة سكان الأرياف إليها بحثا للعمل والرزق. ولا تكمن مشكلة لأحياء المخالفة في كونها مخالفة، بل في فقر غالبية سكانها وحرمانهم من الخدمات العامة كمياه الشرب والمشافي والمدارس وشبكات الصرف الصحي. وهو الأمر الذي يشكل خطرا داهما بصحتهم وبصحة ساكني الأحياء النظامية المجاورة لها. هذا الوضع الصعب يحاول مجلس محافظة مدينة حلب مواجهته منذ سنوات. غير أن معظم الجهود التي بذلت حتى الآن بقيت في إطار دراسات لم ينفذ من اقتراحاتها سوى القليل. غير أن الوضع ينبغي أن يتغير الآن بمساعدة وكالة التعاون التقني الألمانية GTZ. في إطار مشروع رائد يهدف إلى تنظيم الأحياء العشوائية على أسس جديدة للتعامل مع الواقع والتغلب على تحدياته. ويقوم المشروع على وضع استراتيجية تنمية لمدينة حلب على مدى خمسة وعشرين عاما. ويعتبر المشروع الأول من نوعه على مستوى سوريا كونه يعتمد على ضرورة إشراك الناس بشكل فعال لوضع الحلول لمشاكلهم في مناطق التفيذ.
الانتهاء من مرحلة التصنيف وبدء مرحلة التنفيذ
يشمل المشروع عدة مراحل بدأت المرحلة الأولى منها أواسط العام الماضي 2008 وانتهت مع بداية العام الجاري. وقد شملت هذه المرحلة تصنيف وتقويم مناطق السكن العشوائي على أساس تطوير قاعدة بيانات بالتعاون بين الوكالة الألمانية ومجلس المدينة. وسيلي هذه الخطوة مرحلة وضع استراتيجة تنفيذ في مناطق المخالفات ستتكلل باختيار منطقة لبدء تنفيذ المشروع فيها خلال شهر من الآن على حد قول محمود رمضان المدير المساعد لاستراتيجية تنمية مدينة حلب في وكالة التعاون التقني الألمانية GTZ. وأضاف رمضان في تصريح حديث خص به دويتشه فيله" سيبدأ العمل في تنفيذ المشروع الرائد حلال العام الجاري وذلك بعد تحديد آليات التنفيذ مع الجهات المعنية بشكل نهائي".
تنفيذ المشروع بالاعتماد على إشراك السكان المحليين
وسيتم في المرحلة الثالثة من المشروع إنشاء مديرية حاصة بمناطق المخالفات العمرانية العشوائية لمواجهة التحديات التي يفرضها وجود مناطق المخالفات بناء على الصلاحيات اللازمة التي ستعطى لها. ويشكل هذا الأمر برأي رمضان انطلاقة جدية لوضع أسس جديدة للتعامل مع الواقع والتغلب على تحدياته. ولفت رمضان إلى أن الركيزة الأساسية في منظومة العمل داخل مناطق المخالفات تراعي على غير ما حصل سابقا إشراك ودمج السكان المحليين في تطوير وتنمية أحيائهم بشكل يؤدي إلى الارتقاء بأساليب عيشهم في إطار استراتيجية تنمية تمتد على مدى ربع قرن. وفي هذا السياق توضح رزان عبد الوهاب بأننا كجهة مشرفة على المشروع سنقوم بتوعية الناس وتخفيز قدراتهم لتطوير أحيائهم بالاعتماد على أنفسهم في إطار تعاونيات وعن طريق قروض صغيرة وميسرة بدلا من انتظار الحلول من قبل الدولة.
شكوك في نجاح المشروع
لكن هذه الفكرة لا تروق للكثيرين من ساكني الاحياء العشوائية على ما يبدو. على سبيل المثال المواطن مصطفى كريز أحد سكان مناطق المخالفات الجنوبية يشكك في نجاح فكرة التعاونيات الشعبية بسبب الفقر الذي يعاني منه غالبية السكان. "كيف لي أن أساهم في تعاونيات وليس لدي بالكاد ما يسد رمق عائلتي"، يقول محمد عثمان أحد ساكني منطقة الشيخ مقصود المبنية بشكل عشوائي. مواطنون آخرون أمثال سعيد العلي أحد سكان مناطق المخالفات الجنوبية ربطوا نجاح المشروع بتوفير فرص عمل إضافية للسكان أولا كي يتمكنون من إقامة تعاونيات ثانيا. يقول سعيد: " من الأفضل لو يركز المشروع أولا على تشييد منشآت حرفية وخدمية تشكل مصادر دخل لعدد كبير من الناس وتشكل الأرضية اللازمة لتعاونهم على تطوير أحيائهم لاحقا".
الاستفادة من الأيدي العاملة في تنظيم مناطق المخالفات
وستدرس المرحلة الرابعة من المشروع سوق الأراضي والعقارات بهدف تحديد العرض والطلب وتكاليف البناء في إطار قانوني يتم وضعه لتنظيم الأحياء المخالفة عمرانيا. في هذا السياق أوضحت رزان عبد الوهاب بأنه سيتم التعامل مع كل مناطق السكن العشوائي بناء على المشاكل المرتبطة بالأبنية وحياة الناس، "مثلا في حي الزرازير تواجهنا مشكلة المباني المتوضعة على ردميات تتعرض لانهيارات تقود بدورها إلى انهيار المباني. أما في منطقة الشيخ سعيد فلدينا مشكلة رئيسية تتمثل في التلوث الذي يسببه معمل الأسمنت هناك". ومما يسستدعيه ذلك حسب عبد الوهاب تحديد الأولويات حسب المشاكل التي تواجهها كل منطقة على حدة وتقديم الحلول الممكنة لها على أساس تقديم بدائل أفضل لساكنيها في مجال السكن والعمل. وعلى الصعيد الأخير سيتم تنفيذ عمليات البناء بالاعتماد على الأيدي العاملة المحلية.
يمول المشروع من قبل عدة شركاء في مقدمتهم مجلس مدينة حلب والجمعيات الأهلية والقطاع الخاص والمؤسسات المانحة مثل منظمة المدن العربية ووكالة التعاون التقني GTZ وهيئة تحالف المدن العالمية. وستشرف الوكالة الألمانية على تنفذ المشروع في منطقتين من مناطق المخالفات على إن تنفذ الجهات السورية المعنية لمشاريع المناطق الأخرى على أساس الاستفادة من خبرات الوكالة الألمانية على الصعيدين العربي والعالمي.