هل تنجح تهديدات ماكرون للبنان بتشكيل حكومة وتطبيق الإصلاحات؟
٣ ديسمبر ٢٠٢٠بعد مرور أكثر من 40 يوما على تكليف الرئيس اللبناني ميشال عون لرئيس الوزراء السابق سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة، دون نجاح لغاية الآن، يبدوا أن كيل ماكرون قد طفح من الانتظار، ما دفعه للخروج بتهديد للطبقة السياسية في لبنان بأنه لن تقدم أية مساعدات إلى لبنان قبل تشكيل حكومة جديدة وإجراء إصلاحات. وجاءت تصريحات الرئيس الفرنسي على هامش افتتاح مؤتمر دولي ثان لدعم لبنان بعد مرور أربعة أشهر على انفجار مرفأ بيروت وفي توقيت تتواصل فيه خلافات المسؤولين اللبنانيين.
وترأس الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، المؤتمر الدولي الثاني لمساعدة ودعم بيروت والشعب اللبناني، الذي انعقد عبر تقنية الفيديو مساء أمس الأربعاء (الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2020)، وشارك فيه نحو 30 رئيس دولة وحكومة ووزيراً، إضافةً إلى منظمات دولية وجهات مانحة متعددة الأطراف ومنظمات غير حكومية وممثلون عن المجتمع المدني اللبناني.
تهديدات الرئاسة الفرنسية بوقف المساعدات والدعم المالي والمطالبة بإجراء إصلاحات لم تأت من فراغ، إذ صرحت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا الأربعاء إن الصندوق ملتزم بمساعدة لبنان على تنفيذ الإصلاحات الضرورية، لكن البلد مازال بحاجة إلى إطار مالي متسق وإستراتيجية موثوقة لإعادة تأهيل قطاعه المصرفي.
الحاجة لضغط دولي
الخبير في الشأن اللبناني جاسم عجاقة أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية صرح عبر برنامج المسائية الإخباري لقناة DW عربية: "إن لبنان كان سينجح لوحده في تشكيل الحكومة وتطبيق الإصلاحات اللازمة لو كان الوضع طبيعيا، لكن مع وجود طبقة سياسية متخبطة، فقد فشلت الجهود التوافقية، وهو ما يظهر أهمية الضغط الخارجي على الطبقة السياسية الموجودة في لبنان من أجل القدرة على تطبيق الإصلاحات الموعودة وتشكيل حكومة توافقية".
وتابع عجاقة أن أهمية هذا "الإنذار الفرنسي" بوقف الدعم يأتي مع تأكل الاحتياط النقدي للمصرف المركزي اللبناني، وتدهور الوضع الاقتصادي.
وكان الرئيس اللبناني ميشال عون قد جدد الدعوة للمجتمع الدوليّ خلال المؤتمر الدولي الثاني "لمساعدة لبنان وعدم التخلّي عنه وما يمثله من ثروة للبشرية، مشدداً على متابعته مسيرة تحرير الدولة اللبنانية من منظومة الفساد السياسيّ والاقتصادي والإداري. وأكد عون إنّ "أولويّتنا اليوم هي تشكيل حكومة عبر اعتماد معايير واحدة تطبق على جميع القوى السياسية". وقال إن "لبنان يتفاوض حالياً مع البنك الدولي على قرض وقدره 246 مليون دولار لمشروع شبكة الأمان الاجتماعي وأزمة الطوارئ"، آملا الحصول على الموافقة العاجلة من مجلس المديرين للبنك الدولي"، بحسب ما نشرت وكالة الأنباء الفرنسية.
أسباب فشل الحريري
صحيفة النهار اللبنانية اعتبرت في مقال لها بعنوان "أي حل بين الحكومة المثالية وحكومة المحاصصة؟ أن الفشل في تشكيل الحكومة هو نتيجة لوجود خلافات بين الحريري وأطراف سياسية متناحرة من أجل فرض وجهات نظر مختلفة داخل التشكيلة المرتقبة. ووفقا للصحيفة اللبنانية فإن الاتجاه الذي يصر عليه الحريري لجهة تأليف حكومة من اسماء ليست محسوبة على الاحزاب السياسية بحيث يمكن أن توحي بالثقة للداخل اللبناني، في حين يصر البعض على حكومة تكنوقراط مستقلة. وبين المقال أن رئيس الجمهورية ميشال عون في هذا الإطار مصر على تسمية وزراء مسيحيين تسعة من أصل 18 وزيرا في الحكومة، التي ضغطها الحريري لتكون فريق عمل منضبط وعملاني، وهو ما قد يفشل مساعي الحريري في تشكيل الحكومة.
من جهته يرى الخبير في الشأن اللبناني حسن مقلد لبرنامج المسائية الأخباري في DW عربية: أن من ضمن أسباب فشل تشكيل الحكومة أن الولايات المتحدة لم تدعم الخطوة الفرنسية بالشكل المطلوب، ما أدى إلى وجود هامش وقت لدى الفرقاء السياسيين في لبنان من أجل الاستفادة من الوقت الضائع من اجل تحقيق مصالح، وهو ساهم في تدهور الوضع في لبنان، حسب تعبيره.
وبالتزامن مع مساعي تشكيل الحكومة والأجواء الإيجابية التي تحاول أطراف السلطة إشاعتها، يسود غضب شعبي من الطريقة التي تعتمد في إدارة الأزمة وتقاسم الحصص.
ويرى ناشطون أن المنظومة السياسية في لبنان أعادت نفسها إلى الواجهة عبر تفاهماتها وتقاسمها للمواقع والوزارات، في ما يشهد لبنان أكبر انهيار اقتصادي في تاريخه على وقع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
السيناريوهات المتوقعة
والثلاثاء المنصرم نبّه البنك الدولي إلى أن الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان جعلت الاقتصاد عرضة "لكساد شاق"، وصفه بـ"المتعمد" مع إخفاق السلطات في احتواء الانهيار، داعياً إلى تشكيل حكومة تنكبّ على تنفيذ برنامج إصلاح شامل على وجه السرعة.
واعتبر الرئيس عون في تصريح له "أن المجتمع الدولي بإمكانه تقديم مساعدة أساسية للبنان في هذا الإطار، وذلك عبر الوسائل المتاحة لدى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لجهة محاربة سرقة الأموال العامة، وتعقب التحويلات غير الشرعية لرؤوس الأموال إلى الخارج.
وأشار إلى "أنّ المآسي الكثيرة التي حلّت بلبنان، والتي يواجهها اللبنانيّون اليوم، تفوق طاقتهم كما تتخطى قدرتهم على الاحتمال، فالصعوبات الاقتصاديّة التي تمرّ بها البلاد أثقلت كاهلهم، وأصابت مدّخراتهم ووظائفهم وهدّدت مستقبل أبنائهم". بحسب ما نشرت وكالة الأنباء الألمانية.
صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من "حزب الله" أكدت أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم ينجح في عقد "المؤتمر الدولي الثاني لدعم بيروت والشعب اللبناني بوجود حكومة جديدة، كما كان يأمل". ونقلت الصحيفة اللبنانية عن صحيفة لوفيغارو عشية المؤتمر، أن المبادرة الفرنسية وصلت إلى طريق مسدود، وهو ما أثار إحباط ماكرون الذي زار لبنان مرتين من اجل دفع العملية السياسية.
الخبير عجاقة أكد أن القوى السياسية في لبنان تماطل وذلك لتعليقها آمال على الرئيس الأمريكي القادم جورج بايدن والذي يتوقع البعض إدارته للملف اللبناني بصورة مختلفة عن إدارة ترامب التي فرضت عقوبات مالية على لبنان من أجل إضعاف سلطة حزب الله في لبنان، حسب الخبير بالشأن اللبناني.
وفي بلد مليئة بالأحزاب، وفي ظل نظام محاصصة للسلطة فإن جهود الحريري في تشكيل حكومة توافقية وتطبيق الإصلاحات اللازمة قد تبوء بالفشل، دون تدخل دولي أقوى، لا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي قد تمثل ورقة أمل أمام الشعب اللبناني الذي طال انتظاره.
الكاتب : علاء جمعة