مواهب عربية تشارك في البرليناله
١٢ فبراير ٢٠١٥قاعة مسرح هيبل العتيقة تمتلئ شيئا فشيئا. المئات آثروا حضور حفل تسليم الجوائز على مشاهدة الأفلام التي تعرض في مهرجان برلين السينمائي. أعضاء الفرق الخمس عشرة المتنافسة اتخذوا مقاعد لهم في الصفين الثاني والثالث على بعد أمتار من خشبة المسرح. أضواء القاعة الخافتة لم تخف ملامح التوتر البادي على وجوه المرشحين. دقائق قليلة ويعلن عن أسماء الفائزين بثلاث جوائز تصل قيمة كل واحدة منها إلى سبعين ألف يورو. الجوائز الثلاث تمنحها مؤسسة روبرت بوش غير الربحية للمرة الثالثة على التوالي لفرق تضم صانعي أفلام شباب من العالم العربي وألمانيا في فئات الفيلم الوثائقي والفيلم الروائي القصير والفيلم المتحرك.
بدايات "جائزة دعم الفيلم" كما يسميها المنظمون كانت قبل اثنتي عشرة سنة وكانت تمنح طيلة عشر سنوات لمشاريع الأفلام المشتركة بين أوروبا الشرقية وألمانيا من أجل تعزيز تقارب شعوب المنطقتين. غير أن اندلاع الثورات العربية لفت انتباه القائمين على الجائزة إلى جهل الألمان شبه التام بالعالم العربي عدا الصور النمطية من ألف ليلة وليلة وما يتداوله الإعلام عن الإرهاب والتطرف الديني، كما يفسر فرانك ألبرس، صاحب فكرة جائزة الفيلم والمسؤول عنها في مؤسسة روبرت بوش: "مع الربيع العربي اكتشفنا أن هناك منطقة أخرى محاذية لأوروبا تملك أهمية كبرى. السينما العربية غائبة تماما في ألمانيا وفي المقابل الأفلام الألمانية غير حاضرة في العالم العربي. لذلك ارتأينا جمع صانعي أفلام شباب من الجانبين ليطوروا معا أفكار أفلام وسيناريوهات نمنح جوائز للمتميزة منها دعما لإنتاجها، بهدف تعزيز التعارف بين الطرفين."
أكثر من جائزة
بداية الكاستينغ في مقر مؤسسة روبرت بوش أربعة أيام قبل موعد الإعلان عن الفائزين. الفرق الخمس عشرة المشاركة تعرض مشاريعها تباعا أمام لجنة التحكيم. ياسين الإدريسي مخرج مغربي في نهاية العشرينات سمع بمسابقة روبرت بوش وتقدم إليها عبر سوق المشاريع الإلكتروني في الإنترنت بمشروع فيلمه "الولد الموشوم"، الذي يسرد قصة مراهق سوري يتهرب من الخدمة العسكرية لتجنب فظائع الحرب الأهلية التي تمزق بلاده. بقبول ترشحه في المسابقة، شارك ياسين على مراحل في ورشات عمل مكثفة نظمتها المؤسسة منذ نوفمبر الماضي في مصر وفي ألمانيا لتعليم كيفية تكوين فرق أفلام ناجحة وأخرى لتطوير سيناريوهات من شأنها أن تلقى إقبالا في العالم العربي وألمانيا.
وبالرغم من أن مبلغ سبعين ألف يورو ليس بالقليل بالنسبة لميزانيات الأفلام المستقلة الشابة، إلا أن ياسين يعتبر نفسه فائزا بمجرد مشاركته في المسابقة: "عادة ما يحس المخرج بالوحدة لأنه يعيش في عالم غريب عن مجتمعه، لأنه يفكر في السينما والأفلام والسيناريوهات في حين ينشغل الناس العاديون بحياتهم اليومية. لذلك، فمثل هذه اللقاءات فرصة ذهبية للتعرف على أشخاص يتقاسمون نفس الأحلام والتوجهات، خاصة إذا كان بينهم سينيمائيون مهمون ومدراء مهرجانات عالمية. هؤلاء الأشخاص من الصعب الوصول إليهم في العالم العربي."
لهذا الغرض أقام منظمو المسابقة حفل عشاء جمع المشاركين بمن فيهم ياسين في المسابقة بفاعلين في السينما الألمانية والعالمية. ومن أجل تمكين المتنافسين من تكوين أكبر شبكة من المعارف، طلب من الضيوف تبادل مقاعدهم بعد كل طبق.
تأسيس أول مركز للسينما العربية
أثناء حفل العشاء التقينا علاء الكركوتي، مؤسس شركة ماد سوليوشنز لإنتاج الأفلام المساهمة في تنظيم الجائزة. علاء سينمائي سوري مقيم في القاهرة وله خبرة طويلة في إنتاج الأفلام. ولأنه يرى أن الفيلم العربي لا يحظى بالاهتمام الذي يستحقه في المهرجانات العالمية، بالرغم من أن له سوقا معتبرة عبر العالم، قرر أن يؤسس مركز السينما العربية بمشاركة عشر شركات إنتاج عربية أخرى، بهدف التعريف بطريقة ممنهجة ومنتظمة بالأفلام العربية التي تناسب الأسواق العالمية.
مركز السينما العربية حاضر بجناح صغير خاص به ضمن معرض البرليناله لسوق الأفلام الأوروبية. هنا يلتقي العديد من السينمائيين العرب مع نظرائهم من مختلف أنحاء العالم من أجل تبادل الأفكار ومناقشة مشاريع محتملة. البداية، وإن كانت صغيرة، إلا أن علاء الكركوتي يعتبرها مهمة جدا: "هدفنا يحتاج إلى وقت طويل قبل أن نلمس نتائج فعلية له. فالغرض ليس التواجد في مهرجان واحد أو في المهرجانات لمدة سنة واحدة. فمثل الدول الأخرى علينا أن نكون حاضرين بوضوح في كل المهرجانات المهمة طيلة أعوام حتى نفرض وجودنا." من أجل ذلك يعتمد علاء على استمرار تعاون الشركات الخاصة المشاركة في المبادرة وإنتاجها لأفلام تناسب السوق، لأن الدعم الحكومي في العالم العربي لا يعول عليه كما يقول. ويعطي مثالا عن ذلك بمهرجان دبي السينمائي الدولي، الذي كان مهرجانا مهما جدا في العالم العربي، ثم فقد أهميته بسبب تقليص دولة الإمارات لميزانيته.
لجنة تحكيم ألمانية عربية
أما في مسرح هيبل، فلم تكن الجائزة من نصيب ياسين الإدريسي. لجنة التحكيم التي تتكون من سينمائيين عرب وألمان وزعت جوائز روبرت بوش على ثلاثة فرق أخرى إحداها مشروع فيلم الببغاء للمخرجين الأردنيين أمجد الرشيد ودارين سلام والمنتج الألماني رومان رويتمان. الفيلم سيحكي قصة أسرة يهودية من المغرب استقرت في بيت بحيفا بعد أن هجر أهله في أعقاب النكبة، تاركين وراءهم ببغاءً أحمر كبيراً يسبب الإزعاج للسكان الجدد.
ويرى رومان، الذي سبق له أن شارك في مشاريع لمؤسسة روبرت بوش، أن جائزة الفيلم العربي سيكون لها أثر إيجابي كبير وسط السينما العربية الشابة، تماما مثلما استفادت منها سينما أوروبا الشرقية في العقد الماضي.