"جرس هتلر" يواصل الرنين في كنيسة القرية
٢٨ فبراير ٢٠١٨يبقى الجرس الكبير معلقا بعيدا عن الضجة في برج الكنيسة بقرية هركسهايم. الجرس الذي يبلغ وزنه نحو 240 كلغ يبدو للوهلة الأولى عاديا، لكن عندما نقترب منه نشاهد كتابة منقوشة: "كل شيء من أجل الوطن أدولف هتلر" وتحتها يظهر صليب معقوف. وانطلق رنين الجرس طوال 84 عاما. "جرس هتلر" الذي عُلق في 1934 يشير في كل ربع ساعة إلى الوقت ويقرع في أوقات القداس وتعميد المواليد والأعراس للقرية التي يسكنها 800 شخص في جنوب غرب ألمانيا. ولا أحد تقريبا كان يعلم بماضيها المظلم إلى أن اكتشفت الكتابة المنقوشة على الجرس معلمة للموسيقى من قرية مجاورة في مايو/أيار الماضي، واتصلت مصدومةً بالصحافة المحلية.
في تصويت سري لبقاء الجرس
الجرس يذكر بالدكتاتورية النازية، وبالسنوات الـ12 المظلمة للتاريخ الألماني، ما جعل القرية تحتل وبسرعة عناوين الصحف، خارج حدود جمهورية ألمانيا. وبعد نقاش استمر شهورا، وجب التقرير نهائيا ما إذا حان وقت إنهاء حياة الجرس، أي هل يُنقل إلى متحف أم يبقى في مكانه. وفي تصويت سري قرر مجلس القرية بعشرة أصوات مقابل ثلاثة الحفاظ على الجرس "كنصب تذكاري ضد العنف والظلم". ويُتوقع أن يستأنف الجرس عمله، وإلصاق لوح تذكاري بجدار الكنيسة يشير إلى تاريخها. وبدا هذا القرار هو الأفضل "عوض أن يُعلق في متحف، ويقف أحدهم أمام الجرس ويأخذ صورة تذكارية"، كما قال عمدة القرية غيورغ فيلكر الذي لا ينتمي إلى أي حزب في تعليل أمام الصحافة التي حضرت بقوة. وقال إنه يعتبر أن الجرس يقدم إمكانية للتفكير "في كيفية التعامل مع وقتنا اليوم، وكيف تعامل الناس في الماضي مع وقتهم".
جرس كهدية لقاتل
أما استنتاج زغريد بيترس ـ معلمة الموسيقى التي عرفت الرأي العام "بجرس هتلر" فكان من نوع آخر. وقالت بيترس لـDW: "لدي تخوفات قوية من حقبة النازيين بعد هذه الجلسة". وهي اعتبرت أن قرار الحفاظ على الجرس يأتي في إطار النجاحات الانتخابية لليمينيين الشعبويين من حزب البديل من أجل ألمانيا. وأكدت أن ذلك ليس صدفة. وأشارت بيترس إلى أنها حزينة بسبب الوضع السياسي، و"أن يحصل هذا الأمر بأن نكرس جرسا داخل كنيسة لقاتل".
وبيترس لا تخشى فقط أن تتحول الكنيسة إلى محج لليمينيين المتطرفين، وإنما أيضا أن يكون لبقاء الجرس أثر وخيم على الوضع في الخارج. وهذا الانطباع حصلت عليه من صحفيين أجانب. "كان لدي عمل مع التلفزة الكندية. وكان بالنسبة إليهم مثيرا للغاية كيف تتعامل ألمانيا مع الصليب المعقوف وهذه الكتابة المنقوشة". وهناك في الحقيقة رأي سائد في الخارج بأن ألمانيا قدمت جهدا كبيرا للتعامل مع ماضيها. كما أن الألمان نجحوا في أداء تلك المهمة. ولكن "هذا الخارج مصدوم بسبب أن يبقى هذا الجرس معلقا في كنيسة ولا أحد يزعجه ذلك".
هفوة كلامية للعمدة
ومن المشكوك فيه أن تحصل قرية هركسهايم، الواقعة في منطقة زراعة العنب، على هدوئها المعتاد. فعمدة القرية فيلكر أوضح بكل ثقة بالنفس أن موضوع الجرس "يجب أن يكون قد انتهى". إلا أن الشخصيات الرسمية في القرية ظهرت بوجه آخر في هذه القضية، وأثارت جزئيا بعض الاضطراب. فسلف فيلكر مثلا أعلن في تقرير متلفز أنه "يفتخر بهذا الجرس". ومثل هذه الهفوة الكلامية صدرت أيضا عن فيلكر بعد تسلمه منصبه. وقال عبر التلفزة إنه يسمع عند رن الجرس أصوات الضحايا: "إنهم كانوا مواطنين ألمان، إذن ليس فقط يهود". واحتج المجلس المركزي لليهود في ألمانيا بسرعة، لأن فيلكر ألمح أن اليهود ليسوا مواطنين ألمان. وأمام المحكمة اعترف العمدة بأن تعبيره ريما يكون قد "أسيء فهمه".
منطقة ضبابية في ميراث هتلر
والتطورات الحاصلة في بلدة هركسهايم تكشف كيف يكون تجاوز الماضي معقدا. والنقاشات حول آثار النازيين توجد من حين لآخر في ألمانيا. وعملت القوى المنتصرة للحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية على منع رموز النازية ومنع الدعاية اليمينية المتطرفة مثل لبس القمصان التي تحمل الصليب المعقوف، وهذا يضمنه أيضا القانون الأساسي في ألمانيا. لكن كنيسة قرية هركسهايم ليست إلا موقعا واحدا من بين الكثير من الأماكن في ألمانيا التي ماتزال بها آثار الحقبة النازية. وهذا نفسه ينطبق على بنايات عامة وأسماء شوارع ومؤسسات عسكرية قديمة، لأن هناك منطقة ضبابية. فبعض الآثار من الماضي يمكن أن تقدم معلومات قيمة لكتابة التاريخ. وحتى داخل كاتدرائية كولونيا، الإرث الثقافي الكبير، نجد حجارة بها صلبان معقوفة، وبالتالي فإن إرث هتلر يبقى حاضرا في كثير من الأماكن.
رالف بوزن/ م.أ.م