جزائريات يخاطرن عبر مهنة التاكسي "السري" لتحقيق رفاهيتهن
١٥ أبريل ٢٠١٢الساعة الثامنة صباحا من يوم الجمعة، سكان حي "باش جراح" الواقع بضواحي العاصمة الجزائرية يستعدون لبداية يوم جديد يغتنمون فيه العطلة لزيارة الاقارب والاستمتاع بالجو المشرق. عدد كبير من الناس ينتظرون سيارات الأجرة التي يقل عددها خلال أيام الراحة الاسبوعية. وغير بعيد عن مقر سيارات الأجرة، تقف سيارة من نوع اكسنت هونداي رمادية اللون تسوقها سيدة كانت برفقة ابنتها، ست سنوات تقريبا، تمر على الناس وتعرض نقلهم، وكنا ضمنهم وخاطبتنا قائلة: "تعالوا لأنقلكم، أركبوا أنا في طريقي إلى المدينة ". ركبت سيدة وكذلك فعل" بعد السلام تقول المرأة التي لا يتجاوز عمرها الاربعينات " على فكرة سأقِلُكم بنفس قيمة سيارة الأجرة لا تقلقوا" تلتف السيدة التي كانت برفقتنا وتنظر إلي وقد بدت الحيرة على محياها، تم تسأل السائقة "سيدتي هل تشتعلين بسرية " ترد السيدة وهي تلتفت إلينا"أجل أحاول مساعدة عائلتي ".
نساء يواجهن المخاطر
قبل الوصل إلى المدينة بحوالي نصف ساعة سألت السيدة "ألا تخشين من الشرطة فالعمل بهذه الطريقة يمكن أن يحدث لك مشاكل والأمر خطير خاصة وانك برفقة ابنتك الصغيرة "، تجيب السيدة بثقة " لا، لا أعرف جيدا زبائني أفضل النساء لتمويه مصالح الأمن كما أنني أشتغل فقط يوم جمعة " تم تضيف، لكن في أيام الأسبوع يشتغل شخص آخر في محلي ونتقاسم الأرباح ".
لم تكن السيدة تظهر انها بحاجة للمخاطرة بسيارتها ومعها ابنتها التي تقول أنها تقلُها كل يوم جمعة. وعندما سألتها عن خلفية المخاطرة، أجابت بأنها تريد ان لا ينقص عائلتها "شئ والعيش برفاهية" من لباس آخر موضة والأكل الجيد وممارسة اولادها الرياضة، كل هذه المصاريف بالنسبة اليها "تستدعي المخاطرة". وقطعتنا السيدة ذات 30 سنة، التي ركبت معنا لتقول وبلهجة حادة "سيدتي كنت أعتقد أنك تشتغلين وتخاطرين لأنك لا يوجد ما يعولك أو توفي زوجك أو ليس لديك بيت"، كان حديث السيدة الراكبة باعثنا لخوف السائقة التي ترجتها بأن لا تبلغ عنها، خاصة بعد أن اكتشفنا أنها تشتغل موظفة بمصلحة البريد. ثم نزلنا في المدينة وتركنا السيدة تحاول "اصطياد" زبائن آخرين قبل أن أعود إلى محطة سيارات الأجرة بحي باش جراح.
ربح سريع ويستحق المخاطرة
المحطة تشهد ازدحاما كبيرا بالمارَة، وسيارات الأجرة السرية تصطف بالطريق، ويتكئ عليها أصحابها ملوحين بمفاتحهم للفت انتباه الزبائن. ينتظر فيصل رفقة إبنه سيارة الأجرة (القانونية) منذ ساعة لكن السيارات قليلة وعندما تصل يرتمي عليها الناس دون أن يحصلوا على ما يريدون. لكن بعد فترة إنتظار مملة اضطر فيصل لقبول عرض أحد الناقلين السريين والركوب معه.
عبد القادر، رب عائلة، يمارس المهنة منذ أكثر من ست سنوات، يروي إن"الظاهرة عرفت انتشارا فبعد أن أصبحت تقتصر على الأشخاص الذين يصعب عليهم الحصول على رخصة سياقة سيارة الأجرة بطريقة قانونية وبحاجة للشغل نجد"، حسب عبد القادر الذي كان يتحدث وهو متكئا على سيارته، أن موظفين بمؤسسات عمومية يمارسون المهنة حتى أن البعض منهم لديه علاقات مع مصالح الأمن التي تحاول من حين لآخر غض الطرف بدعوى غلاء المعيشة، ويقول إنه سبق أن شاهد "نساء يمارسن المهنة، حيث يمكن لأي واحدة ان تقلَ زبونة أو إثنين ويمكنها ان تحصل على مصروف جيب وربح سريع" .
وبالنسبة لعبد القادر، فان المسألة مرتبطة بعدم وجود قناعة لدى البعض وطمع في العيش بنفس مرتبة العائلات الغنية التي تهتم بالكماليات من ممارسة رياضة وشراء سيارات ولباس آخر موضة وتعليم ابنائهم في المدارس الخاصة، وهو أمور، حسب المتحدث، لم تكن ضمن تفكير المجتمع الجزائري قبل عشرة سنوات. لطفي، يشتغل سائقا خاصا بشركة عمومية، يرى ان غلاء المعيشة تستدعي راتب إضافي خاصة وانه متزوج واب لثلات أطفال ويعيش في بيت مستأجر. أما يوسف فبالنسبة إليه ان هذا العمل مصدر قوت له ولعائلته فأجرته كموظف في البلدية لا تكفي لتلبية جميع حاجيات عائلته وأطفاله بحاجة لدروس خصوصية.
رب ضارة نافعة
العثور على سيارة أجرة في العاصمة ليس بالأمر السهل، وعندما تعثر عليها عليك ان تسأل السائق إذا كان سيقلك في طريقه أم لا، فبدلا من تحديد وجهتك له تطلب منه ان يحدد هو وجهته لك وتسلك معه الطريق الذي يحب هو بحثا عن زبائن آخرين، حسب ما تروي سومية طالبة جماعية ، ناهيك عن تكديس عدد كبير من المواطنين. ولهذا تستغل سيارات التاكسي السرية الوضع لتحل محل التاكسي القانونية، وتستحوذ على نسبة 15 في المائة من نشاط النقل الذي تمارسه سيارات الأجرة، ويتضاعف نشاطها في أوقات محددة. وتعد العاصمة الجزائر من أكثر الولايات التي تعاني من تنامي ظاهرة "الكلوندستان"، رغم إقدام وزارة النقل السنة الماضية على منح أزيد من 15 ألف رخصة تتعلق بسيارات الأجرة.
واعترف وزير النقل امام البرلمان بصعوبة وضع حد لظاهرة الكلوندستان، ويهدف ممارسوها إلى ضمان دخل إضافي، وهي مرتبطة أيضا بما يعرف بالاقتصاد غير المنظم. وهو يرى بأن معالجتها تقتضي الكثير من الحكمة، وعزا الوزير النقص المسجل في سيارات الأجرة إلى عدم التزام ممارسي هذا النشاط بقوانين العمل. وترفض السلطات في الجزائر تصنيف سيارات "الكلوندستان" ضمن النشاط غير المنظم. وقال الوزير بأنها لا ترقى إلى ذلك، مطمئنا بأن الظاهرة ستتراجع تدريجيا كلما زاد عدد رخص سيارات الأجرة، داعيا من لديهم مصدر رزق أو منصب عمل إلى التخلي عن ممارسة هذا النشاط الموازي والاكتفاء بالراتب الشهري.
.
الجزائر : رتيبة بوعدمة
مراجعة: منصف السليمي