"جمهورية الكلب".. رواية تقارب قضايا اللجوء بأسلوب مختلف!
٢١ أبريل ٢٠٢١رواية جديدة من نوعها، كتبها اللاجئ السوري من القامشلي والمقيم في ألمانيا إبراهيم اليوسف، الرواية تبحث في شؤون اللجوء والاندماج وتقارن بين عالمين مختلفين، عالم الذاكرة وعالم الواقع، وهو ما يعتقد الكاتب السوري الكردي أنه في ذهن كل لاجئ. الرواية بعنوان "جمهورية الكلب"، ولعل الكاتب أراد أن يجعل الكلاب هم أبطال الرواية الحقيقيين، وليس أصحابها.
تتحدث رواية "جمهورية الكلب" عن لاجئ سوري يلتقي بالصدفة في حديقة مخصصة للكلاب بأرملة تجلس إلى جواره على المقعد الخشبي وهو يستريح أثناء ممارسته رياضته المفضلة المشي. ولتنشأ بعدها علاقة معقدة وطيدة بينهما، لكن لا تخلوا من صراع وخلاف بينهم. فلهذه المرأة خطوطها الرئيسية في الحياة التي لا تود أن تحيد عنها، وهو ما قد يبين طبيعة الألمان، واللاجئ العصيّ على الاندماج. وتبلغ الحكاية الذروة عندما يكتشف البطل أن صديقته هي حفيدة لأحد المقربين من هتلر، ما يجعله يتخوف منها.
ولعل طرافة الموضوع وأصالته جعل الكلاب هي المنفذ للصراع الذي قد يدور في ذهن كل لاجئ يتغرب عن بلده، ويبدأ ذهنه في المقارنة بين ما يشاهد من عناية ورعاية للكلاب وبين حياته السابقة، ففي أحد المقاطع يقول بطل الرواية:
"ذات مرة قالت لي صديقتي الألمانية كلابكم دربتموها على المذلة أما كلابنا فدربناها على الكبرياء".
كان كلامها صاعقًا فقلت لها "في الشرق كانت أوائل البيوت التابعة للأوقاف والجمعيات للعناية بالكلاب، كان هناك عسكر وطباخون يطبخون للكلاب" كما قال مستشرق فرنسي هو جيراردي نيرفا".
قالت: "أنتم استثمرتم الكلاب، جعلتموها درعا لكم، فخختموها. ملايين الكلاب قتلت في حروبكم، كلابنا متعاونة، الكلب الجائع لا يقدم صيده لصاحبه إلا إذا كان شبعانا".
ويعتقد الكاتب إبراهيم اليوسف في حوار مع مهاجر نيوز أن هذا الكتاب ما كان ليخرج بهذه الصورة، دون تأثره بالحياة الألمانية، ومعايشته لواقع اللجوء فيها. فاليوسف القادم مع عائلته إلى ألمانيا منذ عام 2014 كان شاهدا على بداية أحداث اللجوء السوري، وموجاته التي بلغت ذروتها في عامي 2015 و2016.
ويرى الكاتب أن الرواية تستفيد في جزء قليل منها من المذكرة والسيرة الشخصية. ولكن ضمن لعبة فنية ومعادلة مرسومة، تطرح قضية مهمة لم يتم تناولها في السابق، وهي المفارقة بين الشرق والغرب من خلال استحضار العلاقة مع عالم الكلاب الذي لم يطرح من قبل. ولعل الملاحظة الأولى التي عايشها كانت "أهمية الكلاب في هذا البلد، والعناية الفائقة التي تحصل عليها، وحب الناس لها، وتخصيص الدولة حدائق خاصة بها" وليبدأ بمقارنة "حال الكلاب في ألمانيا وبين حالها في بلده". استغراب الكاتب ازداد بعدها، حين اكتشف أن حب الكلب وملاعبته قد تكون مفتاح اندماجه في هذا البلد أو البقاء غريبا عن عادات السكان وطباعهم!
صعوبات الاندماج كبيرة
ويرى الكاتب أن اللغة قد تكون واحدة من شروط الاندماج الجيدة، وهو ما يؤكده في حواره مع مهاجر نيوز، لكنه يرى أن جيل الأبناء بات أكثر قدرة على الاندماج مع الواقع الجديد، بعكس جيل الآباء الذي ما زال حنين العودة يراوده. ويقول إن الأكبر سنا غير قادرين على اتقان لغة جديدة مثل الأصغر سنا، ما يجعلهم أكثر بعدا عن الواقع الجديد والعالم الذي يحيط بهم. ويطرح الكاتب هذه المشكلة على لسان بطل القصة عندما يطالب الألمان أيضا بتعلم العربية من أجل تواصل أفضل بين المواطنين واللاجئين وتعلم مخاطبتهم!
وينتقد اليوسف دورات اللغة التي تقدمها الدولة للاجئين من أجل تهيئتهم للاندماج في المجتمع ويرى أنها غير مناسبة للجميع، ويوضح "عندما تمزج في محاضرة اللغة بين كبار السن وبين الأصغر عمرا، فإنك تخلق نوعا من الإحباط للفئة الأكبر عمرا". ويتابع "الصغار عادة قادرون على التعلم بسرعة على عكسنا نحن الكبار. ما يجعل القدرة على المواءمة مع المعلم والدرس أكثر صعوبة . والحل هو فصل هذه الدورات، وتخصيص قسم منها لكبار السن فقط، وتقديمه بطريقة مناسبة لهم".
ثقافة الشفقة دليل الإنسانية
بالرغم من الصراع الدائم في عقل اللاجئ بطل الرواية، و اضطراره لمعايشة واقع غريب عنه قد لا يتقبله ، إلا أن الرواية تظهر كذلك الجانب الإنساني للألمان، وقبولهم باللاجئين، وموافقتهم اقتسام العيش معهم لإنقاذهم من أهوال الحرب الدائرة في بلدهم. ويظهر هذا في الرواية على لسان السيدة الألمانية بيانكا وهي تخاطب اللاجئ بقولها:
"أعترف بأنني أحببتك، كانت علاقتي بك عادية. وجدتك غريبا لاجئا، وعلى الأرجح من سوريا. أحببت أن أسمعك، أن أشفق عليك، أن أقف معك، لا شيء ما قد جذبني إليك، كانت ملامحك كئيبة، ولكنها كانت من صف الكآبة العرضية".
ويؤكد الكاتب في حواره مع مهاجر نيوز على أن إظهار الشفقة، تظهر حسا إنسانيا عاليا لدى الألمان، ويوضح "الشعب الألماني احتضننا ووفر لنا البدائل المناسبة وأنقذنا من آتون الحرب". ويتابع الكاتب "أظهرت في الرواية أيضا إنسانية الشرطة، حيث يضطر البطل للذهاب إلى الشرطة، وليبدأ في تذكر كيفية تعامل الشرطة السورية معه، وليتسلل الخوف إلى قلبه. فتقوم بيانكا التي أصبحت زوجته بتهدئة روعه، قائلة: ستعود مساء، وستضحك من الأمر. البوليس الألماني أذكى من أن يحملنا مسؤولية جريمة لم نرتكبها".
وبالرغم مما يراه الكاتب من فرص في ألمانيا، يمني نفسه بالرجوع إلى بلده سوريا، حين يقول لمهاجر نيوز "أتمنى فعلا الرجوع، بالرغم من كل الفرص والإمكانيات الموفرة لي هنا" ويضيف "لكن أرغب أن أعود وقد تغيرت الأوضاع هناك، وخطت سوريا طريقها الفعلي نحو الديمقراطية، واحترام كافة مكوناتها". ويقول "بيد أن طول الصراع، وطول الغربة من قد يقتل هذا الحلم في مهده".
ولا تعتبر هذه الرواية هي الأولى للكاتب إبراهيم اليوسف فله العديد من المؤلفات الشعرية والروائية منها مزامير السبع العجاف، وهكذا أكتب قصديتي، وخارج سور الصين العظيم بالإضافة إلى العديد من كتب النقد والدراسات.
الكاتب: علاء جمعة ـ مهاجر نيوز