صعوبة تجديد جوازات المعارضين السوريين
١٤ مارس ٢٠١٥في قلب العاصمة الألمانية برلين، استقبلنا بسام عبد الله في مكتبه الذي تعتليه لافتة كتب عليها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في ألمانيا، مكتب السفير. بعد توديعه لاثنين من الزوار السوريين، كشف بسام عبد الله أنه ليس"سفيرا" في حقيقة الأمر.
مكتب عبد الله تزينه رايات سورية، بل أن بطاقة العمل الخاصة به تحمل لقب "السفير"، ولكن في حقيقة الأمر لا يمكن الحديث عن لقب سفير،"فهذا يحتاج أولا أن تكون هناك دولة" (والمقصود هنا دولة معارضة تمنحه صلاحيات سفير) ، على حد تعبير عبد الله، الذي يختار كلماته بعناية.
عبد الله يعمل في النهار طبيبا وفي المساء سفيرا للائتلاف السوري المعارض، علاوة على أنه الممثل الرسمي لل"الائتلاف الوطني السوري المعارض" في ألمانيا الذي تعترف به الحكومة الاتحادية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى عدد من الدول العربية كممثل شرعي للشعب السوري.
وقامت ألمانيا منذ حوالي 3 سنوات بطرد السفير السوري وأنهت علاقاتها الدبلوماسية بشكل رسمي مع نظام الأسد، وفي الوقت الراهن يُدعى عبد الله لحفلات الاستقبال وغيرها من المناسبات والمحافل الدبلوماسية، لكنه لا يستطيع إصدار جوازات السفر وتقديم خدمات قنصلية للمواطنين السوريين .
تعسف السفارة السورية تجاه المعارضين
يقول عبد الله " إن تعسّف السفارة السورية تجاه المعارضين" مشكلة حقيقية، مضيفا أنه تمكن مع زملائه من توثيق 1800 حالة لسوريين "تعرّضوا لتعسفات في الخدمات القنصلية " على سبيل المثال، بعض المواطنين الذين لم يتم تجديد أو إصدار جوازات سفر جديدة لهم أو امتنعت السفارة عن منحهم شهادات الميلاد. القنصلية، أو كما يقول عبد الله " ما تبقى من السفارة"، التي تقدم الخدمات القنصلية حتى بعد طرد السفير، تساعد فقط السوريين، الذين تريد مساعدتهم - ولكن ليس أولئك الذين تعتبرهم من المعارضة.
هذا الأمر ينطبق أيضا على الرجل الخجول والمهذب، الذي يفضل تلقيبه باسم أبو محمد، خوفا على عائلته في سوريا. قابلنا أبو محمد في مقهى غير بعيد عن مكتب عبد الله ، وهو يقول إنه أصبح ناشطا معارضا منذ اندلاع الثورة قبل أربع سنوات، حيث شارك مع غيره من الطلبة في تنظيم المظاهرات والمحاضرات ووضع الخطب المعارضة على شبكة الإنترنت، وهو ما دفع النظام، على حد تعبيره، إلى وقف المنحة الدراسية التي كان يستفيد منها.
ومضى مبينا سلسلة المضايقات والتعسف الذي تعرض له: ففي نهاية 2012 قدّم طلبا للحصول على جواز سفر لابنته وفي أوائل سنة 2014، قدّم طلبا لتمديد جواز سفره الخاص، وهو لا يزال ينتظر حتى الآن.
وفي منشور للسفارة السورية، حصلت على نسخة منه DW، تقول السفارة: " بما أن إصدار وثائق السفر يتم في سوريا، يجب أن تُرسل الطلبات للسلطات المركزية هناك، ولهذا لا يمكننا أن نحدد كم يستغرق الأمر من الوقت حتى يحصل مقدّم الطلب على وثيقة سفر جديدة."
هذا ورفضت السفارة السورية تقديم أي تصريحات لDW دون الحصول على إذن رسمي من دمشق. ورغم إرسال طلب خطي للتقصي عن سبب هذه المزاعم، إلا أنه لم يتم الرد عليها حتى الآن.
من يملك سلطة إصدار الجوازات؟
أبو محمد لا ينتظر ردا رسميا، فهو يعرف أنه طالما بقي نظام الأسد في السلطة، لن يحصل على جواز سفر جديد، حيث يقول:"كنت أعرف من البداية أنهم سيفعلون شيئا ضدي، عند اكتشافهم بأنني منخرط في المعارضة". ولكن في المقابل حصل أبو محمد على منحة دراسية خاصة من جامعته بالإضافة إلى عمله بشكل مواز بما يمكّنه من تأمين قوت عائلته. غير أن ضغط النظام أثّر عليه رغم ذلك، فبدون جواز سفر لم يعد يستطيع السفر مع عائلته، ولكن أبو محمد - لحسن حظه- حصل مؤخرا على الجنسية الألمانية، التي يقول عنها بفخر كبير وعلى وجهه ترتسم ابتسامة عريضة "لا يمكنك أن تتخيل كيف كان شعوري بذلك".
بسام عبد الله بدوره عرف العديد من هذه الحالات، ولهذا فهو يدعو إلى الاعتراف الكامل من قبل الحكومة الاتحادية الألمانية بمنصبه وإعطائه صلاحيات إصدار وتجديد الجوازات وغيرها من الخدمات القنصلية، خاصة وأنّ العديد من السوريين الذين يعيشون في ألمانيا فرّوا في الأشهر الأخيرة قبل الحرب الأهلية (ولا يملكون جوازات سفر).
وأشار عبد الله إلى أنّ تقديم الخدمات القنصلية مهمة صعبة وعبء إداري كبير، إلا أنه شدد على قدرته مع زملائه على تحمل هذه المسؤولية ، مشيرا إلى أن العديد من الديبلوماسيين انشقوا عن نظام الأسد في السنوات الأخيرة.
من جهة أخرى عبّر عبد الله عن خيبة أمله لضعف مساعدات المجتمع الدولي. فهو يضطر في بعض الأحيان إلى دفع إيجار المكتب من جيبه الخاص بسبب تأخر وصول الدعم المادي المتقطع من الائتلاف الوطني السوري المعارض،" وهنا يمكن للمجتمع الدولي أن يقدم المساعدات، ليس فقط لتسديد الإيجار، بل أيضا لتسليح الجيش السوري الحر ودفع رواتب منتظمة لمقاتلي المعارضة المعتدلة ".
وعلى الرغم من اتفاق تركيا والولايات المتحدة على تسليح المعارضة المعتدلة، لم يتحقق الكثير على أرض الواقع. ففي الأشهر الأخيرة باتت المعارضة المعتدلة مهمشة كما يقول عبد الله عازيا ذلك إلى " تفوق الجهاديين ليس فقط في سوريا، بل و في الوعي الدولي ، نظرا للحرب ضد تنظيم " الدولة الإسلامية".
في نهاية اللقاء وصلت مجموعة من نشطاء المعارضة إلى مكتب عبد الله لمناقشة تنظيم مظاهرة في برلين بمناسبة الذكرى الرابعة "لثورة الحرية والكرامة في سوريا" على حد تعبيرهم، وبصوت مرهق يقول عبد الله " لو أن المجتمع الدولي دعم المعارضة المعتدلة منذ الوهلة الأولى لما كانت هناك أرض خصبة لانتشار التشدد هناك".