هل تستغل السعودية الرياضة لتبيّض صورتها دولياً؟
٣ نوفمبر ٢٠١٨من المقرر أن تقام خلال شهر كانون الأول/ديسمبر في المملكة العربية السعودية مباراة بين أبرز لاعبي تنس في العالم مقابل مبالغ كبيرة يتحصل عليها النجمان في مباراة تجري على أرض دولة وصفتها منظمة العفو الدولية بأن لها سجلاً مروعاً في مجال حقوق الإنسان.
طرفا المباراة، التي حدد لها يوم الثاني والعشرين من كانون الأول/ديسمبر، هما نوفاك جوكوفيتش ورافائيل نادال. المباراة ليس لها تأثير على ترتيب اللاعبين دولياً، لذا اعتبرها الكثيرون وسيلة المملكة العربية السعودية لتحسين سمعتها الملوثة دولياً. ونادال هو المصنف الأول عالمياً، في حين أن غريمة جوكوفيتش مصنف ثالثاً على مستوى العالم.
تم الإعلان عن موعد المسابقة بعد يوم واحد من اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي. وقد أدى الإعلان عن مقتل الصحافي البارز وكذا القصف السعودي المستمر لليمن بالإضافة إلى سجل المملكة السيئ في مجال حقوق الإنسان إلى تصاعد نداءات اتسع نطاقها عالمياً تطالب نجمي اللعبة البيضاء بالانسحاب من المشاركة في المباراة.
على إثر ذلك قال جوكوفيتش: "لا أحب أن أقحم نفسي في أي جدالات أو مواقف سياسية"، مردفاً أنه من المؤسف أنه ونادال قد وصل إلى هذا الموقف الآن.
أما نادال فقال: "بالطبع أنا على علم بالموقف، لكن كان لدي التزام منذ عام مضى للعب هناك. وفريقي يتحدث مع السعوديين الآن لتحليل الوضع".
إصلاحات حقيقة؟
إلى حد كبير يبقى هذا السؤال أعلاة بلا إجابة، فمنذ وصول الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة في العام الماضي، سعت الدولة الشرق أوسطية إلى تعزيز سمعتها من خلال سلسلة من التغييرات الاجتماعية والسياسية الجاذبة لاهتمام وسائل الإعلام. وتحت مظلة المخطط الكبير "رؤية 2030"، يزعم الحكام السعوديون أنهم يتطلعون إلى تحديث البلاد، وكانت فكرة "دعم" الرياضة جزء من هذه العملية.
يقول آدم كوغل، الباحث في قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش، إنه كانت هناك بعض التحركات السعودية نحو الليبرالية، إلا أنها لم تفلح. وتابع في مقابلة له مع DW: "هناك محاولة لغسل سمعة المملكة في حين أنها في الواقع مكان قمعي بشكل لا يصدق".
وتابع كوغل: "أعتقد أن ما تحاول المملكة العربية السعودية فعله هو محاكاة نموذج الإمارات العربية المتحدة؛ فالإمارات كذلك دولة قمعية بشكل هائل، يتم فيها اللجوء للتعذيب والاخفاء القسري، كما أنها سجنت معارضين لسنوات عديدة لمجرد اعتقاهم أفكاراً سياسية مخالفة لآراء النظام"، إلا أنها تمكنت من تحسين صورتها، ليس فقط من خلال الأحداث الرياضية التي أقيمت على أرضها مثل بطولات الغولف ولكن عبر ملكيتها لأندية كرة القدم الأوروبية لتقدم للعالم من خلال ذلك صورة معينة للبلاد، والكلام دائماً لكوغل.
واستخدام الإمارات لهذه العملية، التي أصبحت تعرف باسم "الغسيل الرياضي" sportswashing هو أمر راسخ. يتضح ذلك من خلال ملكية نادي مانشستر سيتي متصدر الدوري الإنكليزي الممتاز، بجانب بطولات التنس الدولية الكبرى، ومنافسات الكريكيت، والغولف، ورياضة السيارات ومباريات الرجبي.
مواكبة الجيران
صحيح أن الإمارات تسبق السعودية في هذا المجال بعدة خطوات، إلا أن المملكة استضافت مؤخراً مباراة دولية ودية في كرة القدم بين الأرجنتين والبرازيل في الشهر الماضي. وشهدت منافسات بطولة المصارعة "كراون جول السعودية" التي أقيمت يوم الجمعة مشاهدات ضخمة، هذا فيما تم مؤخراً تأكيد موعد انطلاق سباق الغولف الأوروبي في العام المقبل.
لم تكن محاولة جذب أكبر عدد من نجوم الرياضة والفعاليات الرياضية الكبرى "مفاجأة" لنيكولاس ماكجيان، الباحث في مجال حقوق الإنسان والمتخصص منذ فترة طويلة بالوضع الحقوقي في منطقة الخليج. يقول ماكجيان إن الغسيل الرياضي هو "حملات دعائية رخيصة" مع قدر كبير من الفوائد التي تعود على الدولة التي تقوم بها، يشمل ذلك تقوية موقعها في العلاقات الدولية وتحويلها لنقطة جذب سياحية وتجارية، هذا بالإضافة إلى أنها مجال جيد لإنفاق بعض العوائد الضخمة من أموال النفط.
وتابع: "أعتقد أن السعوديين نظروا إلى قطر وإلى الإمارات العربية المتحدة وشاهدوا حجم استفادة الدولتين من عملية غسل السمعة الدولية من خلال الرياضة، بل ومن المحتمل تماماً أنهم سيفكرون أن هذا هو ما يمكنهم فعله أيضاً".
ويقول ماكجيان "إنهم [السعوديون] قريبون جداً من الإماراتيين، ولن يفاجئني إذا كانت النصيحة المسداة إليهم أن استغلال الرياضة في غسل السمعة السياسية أمر مفيد للغاية".
وفي الوقت الذي تواترت فيه تقارير متضاربة عن اهتمام السعودية بنادي مانشستر يونايتد، إلا أن ماك جيهان يرى أن شراء السعودية لنادٍ أوروبي لكرة قدم خطوة منطقية، فيقول: "اشترت قطر نادي باريس سان جيرمان، وكذلك الإمارات العربية المتحدة لديها نادٍ، لذا يجب أن يكون لدى السعوديين نادٍ"، معتقداً أنه "من الممكن أن تكون هذه هي الطريقة التي يفكر بها محمد بن سلمان".
غض الطرف
على العموم، فقد كان رد فعل العالم الرياضي على الدول القمعية، التي تستخدم الرياضة كزينة براقة تصرف الانتباه عن الأهوال التي تكمن خلفها، هو التجاهل وغض الطرف.
المتحدث باسم هيئة الغولف أدلى بكلمات مقتضبة رداً على سلسلة من الأسئلة وجهتها له DW والمتعلقة بوفاة خاشقجي، فقال: "نراقب باستمرار الوضع في جميع البلدان المضيفة لنا وسنواصل القيام بذلك"، فيما قال رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، جياني إنفانتينو، في وقت سابق من هذا العام إنه "من الواضح جداً أن السياسة يجب أن تبقى خارج كرة القدم" قبل أن يكشف عن خططه لإقامة كأس العالم الموسعة للأندية بدعم من مستثمرين سعوديين في بنك ياباني.
لكن الخطة تأجلت بسبب اعتراضات قدمها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لأن البطولة ستتعارض مع منافسات دوري أبطال أوروبا وهو اعتراض على التوقيت أكثر منه اعتراض أخلاقي، في حين قال روجيه فيدرر نجم التنس إنه رفض دعوة للعب مباراة استعراضية بسبب أنه "لم يكن يرغب في اللعب هناك (في السعودية) في ذلك الوقت".
إن نجوم الرياضة البارزين والمنظمات الدولية الكبرى والذين يتخذون موقفاً أخلاقياً من أفعال السعوديين أو جيرانهم غائبون عن المشهد، على الرغم من أن مقاطعة الفعاليات الرياضية أمر له سوابق في التاريخ. فعلى سبيل المثال، كشف لاعب التنس السابق جون ماكنرو عن رفضه تلقي مليون دولار في عام 1980 من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لأنه لم يكن يريد أن يُستخدم كـ "دعاية".
يبد أن نجمي اللعبة البيضاء الحاليين لا ينظران للأمر بالطريقة نفسها، بل إنهما ليسا وحدهما في ذلك. فمع وجود خطط لإقامة سباق "فورميولا إي" ومنافسات "سوبر كوبا 2019" الإيطالية، والدعم الكبير من جانب إنفانتينو لفكرة استضافة المملكة العربية السعودية لمباريات كأس العالم للأندية، سيكون على الرياضيين والمنظمات أن يقرروا ما إذا كانت هناك محاولة حقيقية من جانب المملكة العربية السعودية لأن تصبح وجهة للفعاليات الرياضية الدولية الكبرى أم أنها مجرد حيلة لتشتيت الانتباه.
مات بيرسن/ ع.ح