جيش من المراقبين للانتخابات التونسية لم يبدد المخاوف من التزوير
٢١ أكتوبر ٢٠١١يوم واحد يفصل التونسيين عن عملية الاقتراع لانتخابات المجلس التأسيسي. ومع اشتداد حدة التنافس الانتخابي وتبادل الاتهامات بين المرشحين بالتجاوزات خلال الحملات الانتخابية، تتضاعف الجهود المحلية والدولية لتأمين تنظيم انتخابات حرة وشفافة في تونس وسط مخاوف من وقوع عمليات تزوير في الإنتخابات. فقد أججت تصريحات رئيس حزب حركة النهضة الإسلامي راشد الغنوشي تلك المخاوف عندما حذر، في تصريحات لريوترز، في وقت سابق هذا الأسبوع من محاولات تزييف الانتخابات ضد حزب النهضة قائلا إن الحزب سيدعم حركة احتجاج جديدة إذا حدث ذلك. مشيرا إلى بعض القوى التي تعارض الثورة وتريد عرقلة العملية الانتخابية.
وتجري الانتخابات يوم الأحد(23 اكتوبر/تشرين الأول 2011) تحت مراقبة حوالي 5 آلاف و 143 مراقبا إلى جانب 15 منظمة أجنبية فيما وردت على الهيئة المستقلة للانتخابات حوالي 10 آلاف طلب للمشاركة في عمليات المراقبة. وتُطلق الجهات الرسمية التونسية ووسائل الإعلام المحلية صفة" ملاحظين" على المراقبين الذين سيشاركون في مراقبة الانتخابات، ويعللون التمييز بين المصطلحين، بكون الملاحظين هم مكلفون فقط برصد ما يلاحظونه وليس لهم حق التدخل حتى عندما يتعلق الأمر بتجاوزات.
انتقادات لمراقبي الاتحاد الأوروبي
أعلنت عديد المنظمات والمؤسسات الدولية أنها ستساهم في مراقبة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التونسي. ويعد الإتحاد الأوروبي الأكثر مساهمة في مراقبة الانتخابات إذ أعلن الاتحاد عن وصول 116 مراقبا أوروبيا لتعزيز فريق المراقبين الأوروبيين الموزعين منذ 19 سبتمبر/أيلول الماضي على 27 دائرة انتخابية في مختلف أنحاء البلاد. وسينتشر في مختلف مكاتب الاقتراع، من بعثة الاتحاد الأوروبي يوم الاقتراع 180 مراقبا من 26 دولة من الاتحاد الأوروبي ومن النرويج وسويسرا وكندا فضلا عن 130 مراقبا أميركيا.
ميشائيل غالير(ألماني) هو من يترأس فريق المراقبة للاتحاد الأوروبي يقول في تصريح لموقع دويتشه فيله :"إنها مرحلة مهمة في تاريخ تونس التي تطمح لانتقال ديمقراطي ناجح . نحن على اتصال يومي بكل الأحزاب وبالحكومة التونسية المؤقتة وبمؤسسات المجتمع المدني وبالهيئة المستقلة للانتخابات ونصوغ تقاريرنا حول سير العملية الانتخابية من خلال ما يرصده أعضاؤنا الموجودون هنا على عين المكان". وأوضح غالير أن الفريق الأوروبي سيُعدُّ "تقريرا أوليا نطرحه يوم 25 أكتوبر ثم نصوغ تقريرنا النهائي بعد شهرين من الانتخابات ونضمِّن فيه ملاحظاتنا التي سنتوصل إليها بعد انتهاء العملية الانتخابية ونرفعها للحكومة التونسية لتأخذها بعين الاعتبار في الانتخابات المقبلة."
لكن رغم ما يقوم به الاتحاد الأوروبي من جهود في مراقبة العملية الانتخابية يذهب بعض التونسيين إلى القول بان الاتحاد الأوروبي كان شاهدا من خلال مراقبيه على تزوير الانتخابات طيلة سنوات حكم الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي. تقول فاطمة بنصر وهي موظفة تونسية لموقع دويتشه فيله :"لقد جاء إلى تونس خلال الانتخابات السابقة مراقبون من الاتحاد الأوروبي لكننا لم نسمع أبدا من قال منهم أن الانتخابات مزورة في حين كان بن علي يحصل على نسبة تقارب مائة بالمائة".
لكن ماريا سبينوزا نائبة رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات نددت خلال مؤتمر صحافي بتشكيك بعض وسائل الإعلام أيضا في دور بعثة الاتحاد الأوروبي لملاحظة الانتخابات وقالت في هذا السياق: "هذه البعثة هي الأولى من نوعها التي يتم إرسالها إلى تونس و لم تسبقها بعثة مماثلة في سنة 2009 مثل ما يدعي البعض. هؤلاء المراقبون لم يسبق أن راقبوا الانتخابات فيما قبل ..."
ومن جهته أوضح ميشائيل غالير في تصريحاته لموقع دويتشه فيله :"لقد تمت دعوتنا ونحن كاتحاد أوروبي لنا مصالح سياسية في أن يكون لبلدان الجوار مثل تونس نظام ديمقراطي وأن يكون هناك استقرار قائم على الديمقراطية. لقد كانت دائما بلدان الاتحاد الأوربي ترنو إلى الاستقرار السياسي و لم نكن راضين على استقرار يقوم على نظام قمعي و دكتاتوري... ".
و يؤكد فريق بعثة الاتحاد الأوروبي أن مبعوثيه لن يتدخلوا في صورة رصد خروقات فهم ملاحظون فقط. أما مركز كارتر الذي يرأسه الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارترفقد أعلن انه سيشارك في مراقبة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس.
مراقبون من المجتمع المدني
وقد تطوعت العديد من مؤسسات المجتمع المدني التونسية لتكون شريكا في مراقبة الانتخابات. مرصد شاهد لمراقبة المسار الانتخابي الذي أحدثته الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين وعدد من هيئات المجتمع المدني يهدف إلى المساهمة في إنجاح الاستحقاق الانتخابي ليوم 23 أكتوبر الجاري "بما يؤسس لقيام جمهورية ترتكز على أسس الديمقراطية وعلى المواطنة وحقوق الإنسان".
ويرمي المرصد إلى معاينة التجاوزات والانحرافات التي قد تصدر عن جميع الأطراف التي لها صلة في العملية الانتخابية، وذلك بواسطة ملاحظين منتشرين في كامل كامل أنحاء البلاد، أو من خلال الإعلام من طرف الناخبين أوالمترشحين بواسطة إرساليات قصيرة تبعث على رقم خط مفتوح أعده المرصد للغرض. وأوضح عميد المحامين عبد الرزاق الكيلاني إلى مساهمة المرصد في الإرشاد القانوني وتقديم الاستشارات مجانا إذ تم تكوين قرابة 90 محام يتولون تقديم إيضاحات قانونية وتسجيل التجاوزات.
كما انضمت إلى جهود المجتمع المدني مبادرات فردية، فقد تطوع آلاف الشباب التونسيين ليلعبوا دور المراقب في انتخابات المجلس التأسيسي. وقامت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتنظيم ورشات عمل ودورات تدريبية للراغبين في مراقبة مكاتب الاقتراع. فوزية مبروكي شابة تونسية قررت ان تتفرغ خلال يوم الاقتراع لرصد مكاتب الاقتراع، وهي تقول في هذا السياق:"هذه الانتخابات انتظرناها طويلا انتخابات ديمقراطية وشفافة، لذلك فإن اقل واجب علي بعد الثورة هو أن أكون شريكا في تنظيم انتخابات نزيهة" وأضافت"سئمنا لعقود من انتخابات مزورة، لكني لا أريد أن تذهب الأصوات بعد الثورة هباء. سأكون حريصة على أن تكون صناديق الاقتراع هي من يحسم اختيارات الشعب التونسي الذي حكمه الحزب الواحد لسنوات."
مخاوف من تأثير "المال السياسي"
تشتد المنافسة في الانتخابات لتتضح الفوارق بين إمكانيات حزب و آخر. فقد رصد التونسيون وجود فوارق في الحملات الانتخابية بين أحزاب كبيرة تملك كل إمكانيات الوصول للناخبين وأخرى صغيرة تعوقها الإمكانيات حتى من توزيع برامجها.
المنصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية كان وجه منذ شهر تقريبا رسالة مفتوحة إلى قيادات أحزاب النهضة و"الديمقراطي التقدمي التقدمي" و"التكتل من اجل العمل و الحريات"، واعتبر فيها أن الطريق الذي توخته تلك الأحزاب "لا يكرّس هيبة السياسة واحترام السياسيين ونزاهة الانتقال الديمقراطي فالرأي العام لا يتحدث إلا عن إمكانياتكم المالية الهائلة ومصادرها المجهولة وطريقة صرفها التي لا يمكن لأي وطني وديمقراطي السكوت عنها" على حد ما جاء في رسالة المرزوقي. وأضاف المرزوقي الذي يعد من اكبر المناهضين لما يسمى المال السياسي: "ما أقبح صرف الأموال الطائلة في الظرف الاقتصادي الصعب الذي يمربه وطننا ومواطنونا وتبذيرها في عمليات إشهارية مبنية على تقنيات التأثير الخفي وحتى الخداع...كأنّ الأحزاب أصبحت شركات سياسية تسوّق برامجها كما تسوّق العطور وعلب الياغورت"، كما تقول رسالة المرزوقي.
و لئن كانت الموارد المالية للأحزاب الكبيرة المعروفة في تونس تثير الجدل، فإن أحزابا جديدة تأسست بعد الثورة التونسية برزت هي الأخرى بإمكانيات مالية هائلة جعلتها تستعمل طرقا غير قانونية، كما يرصد عدد من النشطاء الحقوقيين. فقد حاولت بعض الأحزاب إغراء الناخبين بإعطائهم مبالغ مالية مقابل التصويت لها. لكن يبدو أن مثل هذه الممارسات كانت مكشوفة للمواطنين اذ يقول احد مواطني مدينة قفصة(جنوب غرب تونس) :"لسنا نجهل هؤلاء الأحزاب التي برزت لنا بعد الثورة. ونحن نعلم جيدا تاريخهم الأسود ومساندتهم لنظام بن علي القمعي". وأضاف "لن يمر مثل هؤلاء و لن يشتروا أصواتنا. نحن نعلم جيدا لمن نصوت. سنصوت للنزهاء الذين عهدناهم صوت حق في عهد الدكتاتورية. هناك أحزاب كبرى عرفناها في عهد القمع وهي من ستفوز بدعمنا رغم ضعف إمكانياتها...".
مبروكة خذير- تونس
مراجعة: منصف السليمي