حزب اليسار يخلط حسابات الأحزاب السياسية الكبرى "
لا تشير النسب المرتفعة التي يحصل عليها حزب اليسار الجديد على خريطة الأحزاب السياسية الألمانية إلى مجرد ظاهرة عابرة على المشهد السياسي الألماني، بل إن حظوظه الجيدة في الفوز بمقاعد كثيرة في البرلمان الإتحادي المقبل تنذر بتغيير جذري في المشهد السياسي الألماني. ووفقاً لتكهنات المراقبين فإن صعود هذا الحزب الجديد الذي يتبنى مواقف سياسية تبتعد كثيراً عن وسطية الطيف السياسي الألماني يعني شرخاً كبيراً في التكتلات الحزبية، لأن صعوده ليصبح ثالث قوة سياسية ألمانية يجعل تشكيل تحالف حكومي بين حزب شعبي ( الإشتراكي الديمقراطي والمسيحي الديمقراطي) مع حزب صغير (الخضر أو الديمقراطي الليبرالي) أمراً صعباً جداً. هذه المعادلة الإفتراضية ترجح أن تكون الحكومة القادمة مكونة من الحزبين الكبيرين، وهو ما سيعني تغييب فعلي لمعارضة حقيقية في البرلمان القادم.
ظاهرة شعبوية جديدة
نشأ حزب اليسار الجديد من إتحاد حزب الاشتراكية الديمقراطية (الحزب الشيوعي السابق في ألمانيا الشرقية) والحزب البديل من أجل العمل والعدالة الاجتماعية الذي أنشأه منشقون عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم. ويرفض حزب اليسار الجديد السياسة الإصلاحية للمستشار الألماني غيرهار شرودر جملة وتفصيلاً ويؤيد تقوية حقوق العاملين والتقليل من تأثير أرباب العمل على القرار السياسي الألماني. كما يشدد في برنامجه الانتخابي على ضرورة فرض "ضرائب ترف" على الطبقة الغنية في ألمانيا. وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية الألمانية فإنه يتبني مواقف تشذ عن إجماع النخبة السياسية الألمانية، فهو يرفض الدستور الأوروبي رفضاً قاطعاً، وينوي منع بيع وتصدير أسلحة ألمانية إلى الخارج والعمل على حل حلف الناتو.
حزب اليسار وتربيع الدائرة
التحدي الأكبر الذي يواجه هذا الحزب حديث النشأة في المسقبل القريب يكمن في قدرته على حل مُعضلة الموافقة بين الأمنيات والوعود الانتخابية اللاواقعية التي يعطيها للناخبين من جهة، ومعطيات الواقع السياسي الألماني من جهة أخرى. فرفع المعونات الإجتماعية والمعاشات وبدائل البطالة يعني في الواقع إرتفاع في نفقات الدولة يؤدي إلى عجز كبير في موازنتها. ولكن حزب اليسار الجديد وزعيماه غريغور غيزي وأوسكار لافونتين اللذان يميلان إلى توظيف الدعاية الشعبوية كورقة إستقطاب لأصوات الناخبين المصابين بخيبة الأمل من سياسة الحزب الإشتراكي الديمقراطي التقشفية لا يلتزمان بالقيود التي تفرضها المفوضية الأوروبية على موازنات الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي.
إعادة خلط الخريطة السياسية الألمانية
لا شك أن حزب اليسار الجديد أصبح جزءاً من خريطة الأحزاب السياسية الألمانية الحالية، لأن مجرد وجوده يخلط حسابات الأحزاب السياسية الألمانية ويجبرها على إعادة دراسة سيناريوهات عملها المستقبلي. فالتحول نحو اليسار في الطيف السياسي الألماني يهدد التوازن السياسي الألماني في ظل احتياج الديمقراطية الألمانية إلى الحزبين الكبيرين الاشتراكي والمسيحي من أجل تمثيل "إرادة الشعب" وفقاً لمتطلبات الدستور الألماني. كما أن فشل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في مهمته المتمثلة في تحقيق الاندماج بين صفوف أجنحته المختلفة ينذر بتمزقه وفقدانه لهويته.
ويرى أخصائي العلوم السياسية والمتخصص في تحليل الأحزاب، كلاوس ديتربك أن "أمام التحالف اليساري الجديد فرصة كبيرة للحصول على نسبة عالية من أصوات الناخبين، ولكنه يعتبر فرص بقاءه على المدى البعيد ضئيلة جداً. فالحزبان في رأيه غير متجانسين، سواء من الناحية الإدارية أو من ناحية أهدافهما المستقبلية. فحزب الاشتراكية الديمقراطية (الحزب الشيوعي السابق في ألمانيا الشرقية) قائم على نظام الكوادر الذي يمثل بقايا النظام الاشتراكي في ألمانيا الشرقية سابقاً، وحزب "البديل من أجل العمل والعدالة الاجتماعية" قائم على نظام النقابات العمالية، وهذان النظامان لا يجمعهما إطار واحد. كل ما يجمع الحزبان اليوم هو رفضهما للإصلاحات الاجتماعية الحالية ولكن اتفاقهما لن يدوم طويلاً".
لؤي المدهون