حقوق الإنسان في تركيا أمام القضاء الأوروبي مجدداً
ليلى شاهين وزينب تيكين طالبتان تركيتان يمنعهما القانون التركي من ارتداء الحجاب في الجامعة التي تدرسان بها. وقد ولَدَ هذا الحظر لدى الطالبتين حالة شديدة من الشعور بالظلم والاعتداء على حق شخصي لهما. وهذا ما دفعهما إلى التوجه إلى ستراسبورغ لتقديم دعوى قضائية ضد الدولة التركية.
وسبق للمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان أن أقرت في نفس الشهر بعدم عدالة ونزاهة محاكمة الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، التي تمت في تركيا. وخير القضاة الأوروبيون أنقرة بين إعادة محاكمة أوجلان، أو إحباط محاولة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. لذلك فمن الواضح أن قضايا حقوق الإنسان في تركيا، باتت ضيفاً حاضراً بكثرة على ساحات المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في الآونة الأخيرة، مما يطرح السؤال حول ماهية ودور هذه الهيئة القضائية العليا في أوروبا.
مؤسسة حقوقية عريقة ...
نتج عن الوعي الأوروبي بأهمية حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في مواجهة عنف الدولة ومؤسساتها إبرام اتفاقية أوروبية دخلت عام 1953 إلى حيز التنفيذ. وقضت تلك الاتفاقية بتأسيس محكمة أوربية لحقوق الإنسان في عام 1959. ويتم انتخاب قضاة المحكمة لمدة ست سنوات بواسطة البرلمان الأوربي. ولا تنعقد المحكمة بصفة دائمة، وإنما تجتمع لبحث القضايا التي تخضع لاختصاصها والتي تُفحص من قبل سبعة قضاة منهم رئيس المحكمة أو نائب الرئيس وقاض من رعايا الدولة صاحبة الشأن أو أي قاض تختاره هذه الدولة. ويعتبر التصديق علي الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والانضمام لها شرطاً أساسياً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وتُعد المحكمة، التي تتخذ من ستراسبورغ مقراً لها، من أرقى المؤسسات التي تعمل على حماية حقوق الإنسان في العالم
... وحامي حمى حقوق الإنسان في أوربا
يقر مثياق المحكمة إعطاء كل من الدول والمؤسسات والأشخاص العاديين الحق في تقديم دعاوى قضائية ضد أي دولة أوربية عضو في الاتحاد الأوربي بشأن انتهاك حقوق الإنسان. وتُعتبر قرارات الهيئة القضائية ملزمة لكافة الدول الأوربية، مما يعطي المحكمة دور حامي حمى حقوق الإنسان في أوربا.
أما في الواقع فيختلف الأمر بعض الشيء فيما يتعلق بالتعاطي مع أحكامها الصادرة داخل مناطق النفوذ القضائية للدول الأعضاء. فبينما تؤكد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان على قدسية قرارات محكمتها، ترى المحكمة الدستورية الألمانية العليا، على سبيل المثال، أن الأحكام التي تصدر في ستراسبورغ ليست سوى عوامل مساعدة على صياغة أحكام محلية.
دور سياسي فعال
ولكن بالرغم من ذلك فإن للمحكمة سجل طويل من النجاح، الذي قامت بتحقيقه في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، مما يعطيها اليوم صلاحيات أكبر مما كان عليه الحال عند إنشاءها عام 1959. فالمحكمة تلعب اليوم "دوراً سياسياً فعالاً"، على حد تعبير روت فاينتسيلر، خبيرة حقوق الإنسان الألمانية، وهى "بمثابة مقياس للمعايير وعنصر قوي لتكوين مفهوم موحد لحقوق الإنسان في شرق أوربا وغربها".
شعبية واسعة تسببت في أزمة
ونظراً لشعبتها ازدادت الأعباء التي تقع على عاتق المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان. ففي الأعوام الماضية تكدست الدعاوى والقضايا المرفوعة إليها، واضطرت الهيئة القضائية في بعض الأحيان إلى رفض البت في 90 بالمائة من الدعاوى المقدمة. وقد أدى ذلك إلى تعطيل النظر في كثير من القضايا ذات الأهمية الماسة. والجدير بالذكر أن المستشار الألماني غيرهارد شرودر قد حث أمس في العاصمة البولندية وارسو الدول الأعضاء في المجلس الأوربي إلى دعم وتسهيل مهمة المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان وتقوية دورها بكل الوسائل الممكنة.
علاء الدين سرحان