خبيرة: أزمة الأردن وليدة تراكمات من الفشل الاقتصادي
٤ يونيو ٢٠١٨تتسع رقعة الاحتجاجات في الأردن ضد غلاء المعيشة ومشروع قانون ضريبة الدخل وسياسة رفع الأسعار، ما دفع حكومة المقلي إلى الاستقالة وكلف الملك عبد الله عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة بعد استقالة الملقي. فهل تأتت الاحتجاجات من فشل السياسات الاقتصادية للحكومات المتوالية أم لأسباب أخرى؟
للوقوف على خلفية هذه الاحتجاجات والتغيرات التي تشهدها الأردن، أجرت DW عربية مقابلة مع السيدة جاين كيننمونت، نائب كبير الباحثين ببرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمركز شاثام هاوس البريطاني:
هل ما يحدث في الأردن هو فقط نتيجة فشل مستمر في السياسات الاقتصادية أم أن الأمر يرتبط بأبعاد سياسية أخرى داخلية وإقليمية؟
اعتقد أن السبب الرئيسي لتفجر الأوضاع في الأردن هو العامل الاقتصادي في الأساس، لكن أيضاً هناك دوافع سياسية لدى الشباب الأردني وقد رأينا ذلك من قبل هناك خلال فترة الربيع العربي. صحيح أن الاحتجاجات وقتها لم تأخذ المنحى نفسه كما حدث في دول أخرى ربما بسبب الخوف مما آلت إليه الأوضاع في سوريا المجاورة على سبيل المثال، لكن يبدو أن الأزمة الاقتصادية صارت فوق الاحتمال ما أدى إلى خروج المشهد بهذا الشكل.
كما أن علينا ألا نغفل أيضاً أن الشرق الأوسط منطقة يبدو فيها كل شيء مرتبطا بالآخر، أي أن الأمر يصعب أن يكون متعلقاً بالناحية الاقتصادية وحسب. واعتقد أيضاً أن الأزمة الاقتصادية الحالية ليست وليدة سياسات اقتصادية خاطئة منذ عهد قريب، وإنما هي تراكمات لفشل اقتصادي مستمر منذ عقود دون محاولات حقيقة لمواجهة هذه المشكلات وحلها، وحينما حاولت الأردن التصدي لها والاستجابة لمطالب صندوق النقد الدولي بتحرير الاقتصاد كانت الأمور قد تعقدت بشدة.
اقرأ أيضاً: تبديل الملقي بالرزاز.. هل يعيد الهدوء للشارع الأردني؟
ما مدى دقة ما يقال بشأن وجود ضغوط خليجية يواجهها ملك الأردن سواء بسبب ارتباطه بعلاقات جيدة مع قطر وتركيا أو لوجود دور لتنظيم لإخوان المسلمين في الحياة السياسية في الأردن، وكذلك ما يُشاع عن موقفه الرافض لما يوصف بصفقة القرن وربط كل ذلك بالمساعدات الاقتصادية الخليجية؟
في الحقيقة تحتاج الأردن إلى كثير من الدعم المالي من الخليج لكنها تحتاج أكثر إلى الدعم السياسي فيما يتعلق بموضوع القدس، وهذا أمر شديد الحساسية والأهمية للداخل الأردني، ولذلك يحافظ الملك حتى الآن على العلاقات القوية والمتميزة مع تركيا وقطر الداعمتين بشدة لسيادة الأردن على المقدسات الإسلامية في القدس.
في الواقع فإن الحكومة الأردنية كانت تبدو أقرب إلى السعودية وحتى إلى البحرين التي ترتبط معها بعلاقات تعاون عسكري قوية أكثر من قطر، ولم نعلم من قبل بأن هناك علاقات قوية تربط أمير قطر بملك الأردن.
لكن كما قلت فإن مسألة القدس أمر شديد الحساسية في الداخل الأردني والارتباط مع قطر وتركيا يشعر ملك الأردن بوجود دعم قوي خلفه في مسألة استمرار السيادة الأردنية على المقدسات الإسلامية في القدس، خاصة وأن الملك عبد الله يشعر ومنذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلطة أن دوره ودور بلاده يتم تهميشهما باستمرار فيما يتعلق بهذه المسألة الحساسة.
لكني لا اعتقد بوجود رابط قوي وواضح بين هذه الضغوط الخليجية بشأن المواقف السياسية للمملكة وبين الغضب الشعبي من تدهور الأحوال الاقتصادية لكن اليوم لا أعتقد أن باستطاعة ملك الأردن أن يفعل ما فعله من قبل وأن يتجه لدول الخليج لطلب الدعم المالي، فالموقف السياسي تغير وكذلك الأوضاع الاقتصادية لهذه الدول قد تغيرت.
أعتقد أن ملك الأردن في موقف حساس فهو سياسياً مطالب بأن يتواءم مع إسرائيل والولايات المتحدة، واقتصادياً مطالب بتحسين الأوضاع الداخلية في وقت قد لا يجد فيه من يمد إليه يده بالمساعدة وأرى أن الأوضاع السياسية في الحقيقة وعلاقات الأردن المتشابكة تعقد الأمور بشكل أكبر فيما يتعلق بمواجهة التحديات الاقتصادية بدلاً من أن تساهم في الحل.
لكن العالم العربي والدول الكبرى تخشى من حدوث "ربيع عربي" في الأردن الدولة ذات الموقع الحساس والمتواجدة على حدود إسرائيل ورغم ذلك لم نشاهد أي نوع من الدعم الغربي أو العربي للأردن الدولة الفقيرة في مواردها لتهدئة الأوضاع في الداخل وعوضاً عن ذلك تُرك الملك وحيداً يواجه كل هذه الاحتجاجات؟
كان هناك دعم مالي مستمر من الولايات المتحدة وبريطانيا والخليج، لكن علينا أن نلاحظ أن الكثير من هذا الدعم بدأ يوجه الآن غلى اللاجئين السوريين في الأردن وحماية الحدود أكثر من أي شيء آخر وربما كان هذا هو ما سبب تفجر الأوضاع في الأردن، ولم يعد المال الذي تتلقاه الأردن يكفي لسد الحاجة سواء للاجئين أو لدعم الإصلاحات الاقتصادية بخلاف أن الدول المانحة أيضاً لديها مشاكل اقتصادية، فالسعودية قد اتخذت إجراءات تقشفية حازمة مع بدء خططها لتطوير الاقتصاد وإيجاد بدائل للبترول وكذا الحال في أكثر من دول فالكل لديه مصاعب اقتصادية ولا يستطيع أن يقدم الدعم كما كان يفعل من قبل.
أيضاً يجب ألا ننسى أن الأردن كان يتلقى الدعم من الخارج لعقود متواصلة لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إلى أي مدى يمكن أن تستمر دولة ما في الاعتماد على المساعدات الاقتصادية الخارجية؟ والحقيقة أن صندوق النقد الدولي والدول الغربية يرغبان في رؤية أي نوع من الإصلاحات في الاقتصاد الأردني وهو ما لم يحدث كما كان مرغوباً، لذلك يبدو التردد واضحاً بشدة في مزيد من الدعم المالي لها.
وعموماً لا أعتقد أبداً أن أي دولة لا في الخليج ولا المنطقة العربية ولا حتى أوروبا ترغب أبداً في رؤية المزيد من الدول الفاشلة في المنطقة، خصوصاً إذا كانت دولة بأهمية الأردن، لذلك اعتقد أنه سيكون هناك نوع من الدعم والمساندة لهذه الدولة لكن ما هو هذا الدعم؟ وما طبيعته؟ وما الذي قد يرتبط به من اشتراطات سياسية أو إصلاحات اقتصادية؟ هذا ما علينا أن ننتظر لنراه.
أجرى الحوار: عماد حسن