خبير اسباني: تولي القذافي دور شرطي شمال افريقيا لن يحل مشاكل أوروبا
١٤ سبتمبر ٢٠١٠
دويتشه فيله: لماذا تبدي المفوضية الأوروبية تحفظا على اقتراح القذافي بمنحه 5 مليارات دولار لمنع الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، ووصفته بالمبالغ فيه؟
انريكي سربيتو: أعتقد أولا أن ملفا معقدا مثل ملف الهجرة غير الشرعية، لا يمكن أن يعالج بهذا الأسلوب، اذ لا يمكن وضع شروط بهذا الشكل لمعالجة الموضوع. لكن المسألة الأهم التي يتعين، بنظري، توجيه الأنظار إليها هي غياب سياسة أوروبية بالمعنى الحقيقي في مجال الهجرة.
فقد شُكلت لجان عديدة حول قضية الهجرة وحاولت بلورة سياسة أوروبية للهجرة، ولكنها أخفقت. وخلال فترة رئاسة اسبانيا للإتحاد الأوروبي (النصف الأول من العام الحالي) وهو البلد المعني بشكل كبير بقضية الهجرة ويتعرض لتدفق مكثف من المهاجرين الأفارقة، ومع ذلك لم تتوفق الرئاسة الاسبانية للإتحاد الأوروبي في هذه القضية.
والآن نحن في ظل الرئاسة البلجيكية، وهو بلد لديه سياسة محدودة جدا في مجال الهجرة، ولا تبدو أن هنالك مؤشرات على وجود إرادة سياسية لإيجاد حل لمشكلة ينظر لها بشكل متباين تماما من قبل بلدان جنوب وشمال أوروبا.
ما هي قراءتك لرد فعل كل من وزيري خارجية ايطاليا وألمانيا، على مقترحات القذافي؟
رد الفعل الايجابي للوزير الايطالي فرانكو فراتيني على مقترح القذافي، يقابله رد فعل متحفظ لوزير الخارجية الألماني غيدو فيستر فيله، ويؤشر ذلك، برأيي، إلى حقيقة الاختلاف القائم حول ملف الهجرة بين دول شمال وجنوب أوروبا.
فموقف وزير الخارجية الايطالي يكشف في حقيقة الأمر الطبيعة الخاصة للعلاقات الايطالية الليبية، وعندما تتحدث ايطاليا عن العلاقات مع ليبيا، فإنما تفعل ذلك بالأساس من منطلقات مصالحها الوطنية أكثر من المصالح الأوروبية.
والى أي حد يوجد تطابق في وجهات نظر دول الجنوب الأوروبي من هذا الملف؟
ليس بشكل مطلق، ففرنسا مثلا لديها مشاكل هجرة من نوعية خاصة ليس من نفس طبيعة المشاكل التي تواجهها اسبانيا مع جارها المغربي ودول غرب إفريقيا. والمشاكل المطروحة على اسبانيا في جزر الخالدات مختلفة عن تلك التي تواجهها مالطا واليونان اللذان لديهما مشكلة محدودية الإمكانيات والطاقات الاستيعابية للتعامل مع عمليات تدفق المهاجرين غير الشرعيين، بخلاف اسبانيا التي تتوفر على إمكانيات أكبر بكثير مثلا من مالطا. ومن هنا يظهر الاختلاف القائم بين الدول الأوروبية إزاء قضية الهجرة غير الشرعية.
وبالاضافة الى ذلك فإن الاتحاد الأوروبي قد اختار فرصوفيا كمقر للوكالة المتخصصة في مراقبة حدوده الخارجية FRONTEX وهومكان ناءٍ جدا عن منطقة العمليات الرئيسية للهجرة غير الشرعية، أي أن مركز القرار الأمني والوحدات المخصصة للمراقبة، بعيد جدا عن ضفتي البحر الأبيض المتوسط اللتين تحدث فيهما معظم مشاكل الهجرة غير الشرعية.
خلال اجتماع وزراء الاندماج والهجرة الأوروبيين، قبل أيام في باريس، أعلن عن تفاهم بشأن تشكيل قوات تدخل لمواجهة الهجرة غير الشرعية، هل يشكل ذلك،برأيك، منحى توافقيا بين العواصم الأوروبية في مواجهة هذه المعضلة؟
لا أعتقد ذلك، ويتعين أن نلاحظ تفاوت مستوى التمثيل الوزاري للدول الأوروبية في هذا الاجتماع، وهو أمر يعد بمثابة ميزان حرارة نقيس به درجات اهتمام العواصم الأوروبية بهذا الملف. ولكن بالمقابل يمكن القول أن الموضوع الأساسي الذي يجري الحديث دوما عن وجود توافق بشأنه بين الدول الأوروبية، هو تنسيق إجراءات وعمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين.
ومع ذلك يتعين الإشارة إلى أن أهم التوافقات، بشأن هذا الموضوع تتم على مستوى ثنائي، مثلا بين فرنسا واسبانيا هنالك تفاهم بشأن تدابير ترحيل المهاجرين المغاربيين والأفارقة. كما يوجد تفاهم بين فرنسا وبريطانيا بشأن إجراءات ترحيل المهاجرين الوافدين من أفغانستان. ولكن هذه الخطوات والتوافقات لا تجعلنا نجزم بوجود اتفاق أوروبي على نهج سياسة مشتركة في مجال الهجرة.
الى أي حد تحظى معايير حقوق الإنسان بالاحترام اللازم، عندما تجري مفاوضات بين الإتحاد الأوروبي والدول المصدرة للهجرة غير الشرعية أو دول عبور المهاجرين، مثل ليبيا؟
اعتقد أن الإتحاد الأوروبي بدأ، منذ فترة، يتخلى شيئا فشيئا عن نهج سياسة خارجية ملتزمة بمتطلبات الدفاع عن حقوق الإنسان. وينطبق هذا الأمر على قضايا الهجرة وملفات العلاقات الدبلوماسية. ومنذ دخول الصين كأحد اللاعبين الكبار، أي القوى العظمى، في العلاقات الدولية اختفت قضية حقوق الإنسان من أجندة السياسة الخارجية الأوروبية، لأن البراغماتية أصبحت هي المحدد الأكبر في السياسة الأوروبية، ولا أريد القول بأن الإتحاد الأوروبي سيقوم بانتهاكات لحقوق الإنسان، وإنما أقصد بذلك، أن مسألة حقوق الإنسان اختفت من أولويات الإتحاد الأوروبي في ميدان السياسة الخارجية.
وهل يعني ذلك أن الباب مفتوح لإبرام اتفاق أوروبي ليبي بشأن الهجرة لا تُحظى فيه قواعد حقوق الإنسان بالاعتبار؟
لا أعتقد ذلك، والمقصود أنه اذا قامت ليبيا بذلك، فان الإتحاد الأوروبي سوف يُنهي اللعبة على الأرجح، أي أن الإتحاد الأوروبي لن يشارك في اللعبة اذا كان ذلك سيجعله يؤدي الثمن.
تحدث وزير الخارجية الإيطالي عن "قنبلة ديمغرافية" على حدود البحر الأبيض المتوسط، ما هي دواعي الهاجس الأوروبي من المسألة الديمغرافية؟
أوروبا لديها مشكلة الشيخوخة، ويشكل تدفق المهاجرين إلى القارة الأوروبية عنصرا قائما وسيظل كذلك لمدة من الزمن، وهنالك قوى سياسية في الدول الأوروبية تخشى من أن يكون نمط حياة الأوروبيين في خطر، ولكنني أعتقد أن هذا المشكل لا يمكن حله هكذا بمجرد تكليف القذافي بدور الشرطي في افريقيا. وفي كل الأحوال فان تدفق المهاجرين يمكن أن يتم عبر مسالك وبلدان أخرى، وبهذه الكيفية فان المشكل يظل قائما.
ما هي البدائل المطروحة في الإتحاد الأوروبي لمعالجة مشكلة الهجرة غير الشرعية؟
يتم ذلك بالخصوص عبر معالجة المشكلة الأوروبية نفسها، أي معالجة المشاكل التي أدت الى ارتفاع معدل الشيخوخة وتراجع النمو الديموغرافي في أوروبا، بدل السعي لإيقاف وصول مواطنين من بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط.
والى أي حد تشكل الهجرة الشرعية عبر منح امتيازات لكفاءات مهاجرة، مثل البطاقة الزرقاء على غرار الخضراء في الولايات المتحدة الأميركية، بديلا مثلا بالنسبة للشباب المغاربي الذي يحلم بالهجرة الى أوروبا؟
لقد نوقشت هذه الفكرة لعدة سنوات داخل مؤسسات الإتحاد الأوروبي، وفي بداية الأمر كان الإتحاد متحفظا على هجرة الكفاءات لأنها يمكن أن تتسبب في افقار بلدان الجنوب من مواردها البشرية. ولكن شيئا فشيئا بدأت بعض الدول الأوروبية تنفتح على هذا الخيار، وقد طرحت المفوضية الأوروبية مقترحا بهذا الشأن، لكن من الناحية العملية لحد الآن لم يكتب له النجاح.
انريكي سربيتو، مدير مكتب صحيفة"ا.بي.ثي" الإسبانية في بروكسيل، وقد عمل لسنوات طويلة كمراسل للصحيفة في منطقة المغرب العربي.
أجرى الحوار منصف السليمي
مراجعة: حسن زنيند