خبير لـ DW عربية: ورقة واحدة بيد السعودية في مواجهة واشنطن
١٥ أكتوبر ٢٠١٨السبت اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ الرياض يمكن أن تكون وراء اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، متوعّداً إيّاها بـ"عقاب قاس" إذا صحّ ذلك.
الأحد رفضت السعودية تهديدها بعقوبات، مؤكّدة أنّها ستردّ على أي خطوة تتّخذ ضدها "بإجراء أكبر". فقد نقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر مسؤول أن الرياض تؤكد "رفضها التام لأي تهديدات ومحاولات للنيل منها سواءً عبر التلويح بفرض عقوبات اقتصادية، أو استخدام الضغوط السياسية". وأكد المسؤول أن السعودية "إذا تلقّت أي إجراء فسوف ترد عليه بإجراء أكبر".
وفي عمود نُشر بعد بيان وكالة الأنباء السعودية حذر تركي الدخيل المدير العام لقناة العربية المملوكة لسعوديين من أن فرض عقوبات على السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم قد يؤدي إلى كارثة اقتصادية عالمية. وقال الدخيل "إذا وقعت عقوبات أمريكية على السعودية، فسوف نكون أمام كارثة اقتصادية تهز العالم، فالرياض عاصمة وقوده، والمس بها سيصيب إنتاج النفط قبل أي شيء حيوي آخر. مثل عدم التزام السعودية بإنتاج السبعة ملايين برميل ونصف. وإذا كان سعر 80 دولاراً قد أغضب الرئيس ترامب، فلا يستبعد أحد أن يقفز السعر إلى مئة ومئتي دولار وربما ضعف هذا الرقم".
واليوم الاثنين عاد ترامب وخفف لهجته: "لقد نفى الملك (السعودي) بشكل حازم أن يكون على علم بأي شيء (...) لا أريد التكهن بمكانه (خاشقجي)، إلا أنه بدا لي أن الأمر قد يكون حصل على أيدي عناصر غير منضبطين. من يعلم"؟.
كل تلك التطورات تأتي قبل أسبوع من مؤتمر اقتصادي مهم في الرياض يطلق عليه اسم "دافوس في الصحراء". وقد أعلنت شركات عالمية ومؤسسات إعلامية ومستثمرون كبار انسحابهم من المؤتمر بسبب قضية خاشقجي، بينما أوقف رجال أعمال آخرون تعاونهم الاقتصادي مع المملكة.
DW عربية حاورت المحلل الاقتصادي والسياسي ورئيس تحرير النشرة العربية لصحيفة لوموند دبلوماتيك سابقاً، سمير عيطة، لإلقاء الضوء على "تهديدات" الرياض بالرد على أي إجراء يستهدفها:
إلى أي حد ترى الرياض جادة في تهديداتها؟
لحسن حظ السعودية أن التصريح منسوب لمصدر سعودي غير معروف وبالتالي من السهل التنصل منه بطريقة أو بأخرى. في النهاية هو مجرد تصريح تصعيدي: كلام ولا شيء غير الكلام، لو كان هناك تهديداً فعلياً لخرج مسؤول سعودي معروف وتحدث.
لا بد هنا من تذكّر قضية اعتقال القس الأمريكي أندرو برنسون وما تبعها من عقوبات اقتصادية أمريكية على تركيا، ما أدى في النهاية إلى تراجع البورصة التركية وتراجع الاقتصاد. وكان هذا درساً كافياً لتركيا حتى تطلق سراح القس.
مهما يكن من الأمر يجب أن نضع في حسباننا على الدوام أوراق الضغط الأمريكية الكثيرة على الرياض؛ السعودية تحت حماية الولايات المتحدة منذ أربعينات القرن العشرين.
هل يمكن أن تقوم السعودية بتخفيض إنتاجها ما قد يرفع الأسعار بشكل صاروخي وتسدد ضربة قوية لواشنطن؟
تأتي تهديدات السعودية في وقت تقترب عقوبات تمنع إيران من تصدير نفطها، ما يجعل واشنطن بحاجة لنفط الرياض. كل شيء ممكن، ولكن لا أتصور أن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية ستصل إلى أزمة كبيرة تقود إلى مثل تلك الإجراءات.
هل تنفصم العلاقة العضوية بين طرفي البترودلار: الولايات المتحدة والسعودية أم أنها قائمة حتى نضوب آخر نقطة نفط؟
لا أتصور حل سريع لقضية اختفاء خاشقجي؛ ستستمر الأزمة لفترة طويلة. مشكلة السعودية أنها أمام خيارين: إما أن يخرج خاشقجي حياً أو يستمر ترديها ونزفها اقتصادياً. لن يحدث تغيير فجائي في السعودية: لا موقف عدائي من واشنطن أو في رفع أسعار النفط. ولكن ستتردى العلاقات بين البلدين ربما لسنة أو لسنتين ويلحق الضرر بالسعودية في كل مشاريعها الاقتصادية، وخصوصاً في ظل الركود الاقتصادي فيها.
ما هي الأوراق الاقتصادية التي تمتلكها السعودية في مواجهة الولايات المتحدة غير إنتاج البترول وتسعيره بالدولار؟
لا تملك غير ورقة رفع أو خفض أسعار النفط. وهنا لا بد من التنويه أن المملكة لا تملك حتى التهديد بسحب أموالها من البنوك الغربية والأمريكية. السعودية لم تكن قادرة على تحريك تلك الأموال قبل قضية خاشقجي، فما بالك اليوم!
الصحفي السعودي المقرب من دوائر صنع القرار تركي الدخيل هدد في مقاله على موقع العربية بأن المملكة قد "تسعّر" البترول باليوان الصيني. إلى أي حد تجد أن هذا ممكناً من الناحية العملية؟
كل شيء ممكن الحدوث ولكن السؤال هل ستلعب الصين هذه الورقة إلى النهاية بالتحالف مع السعودية؟!! ولكن ربط النفط بعملة أخرى غير الدولار سيكون له عواقب كبيرة. هنا يجب ألا ننسى أن السعودية في حرب في اليمن وتحتاج سلاح وحماية أمريكا في مواجهة إيران.
ربط البترول بعملة غير الدولار ورفع أو خفض إنتاج النفط هو إعلان حرب على الولايات المتحدة. ولا أعتقد أن السعودية ناوية على ذلك أو أنها قادرة على ذلك.
اليوم هبط سعر الريال لأدنى مستوى له منذ عام وأمس أغلق مؤشر البورصة السعودية منخفضاً بـ 3.5 بالمئة. هل التهديدات السعودية لطمأنة الأسواق وتجنب حدوث بلبلة فيها؟
رغم التصريحات سيتأثر الوضع الاقتصادي والاستثماري في المملكة ويذهب باتجاه التردي. ولكن سيكون ذلك التردي تدريجياً وليس دراماتيكياً.
من بين ما أورده الدخيل في مقالته احتمال "التقارب" بين السعودية وإيران. كيف تعلق؟ هل تعتقد فعلاً إمكانية حدوث تغيير جيواستراتيجي في المنطقة، بالطبع إذا سلمنا جدلاً أن الأمور ستذهب أبعد من مجرد الكلام؟
إن حدث ذلك فسيكون أفضل ما يحدث لمنطقة الشرق الأوسط وللأمة العربية. الولايات المتحدة تصطنع صراعاً بين إيران ودول الخليج. إن فعلها السعوديون سيكونون قد استغلوا الأزمة بشكل أذكى مما التوقعات وحولوا الأزمة إلى فرصة.
قد يكون كلام الدخيل مجرد تذاكي، ولكن رأي الشخصي كسوري اكتوى بلده بنار الصراع الوهمي بين إيران ودول الخليج أتمنى أن يحدث ذلك التغير الجيواستراتيجي.
أمس أصدرت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بياناً مشتركاً يطالب السلطات السعودية بكشف ملابسات اختفاء خاشقجي. إلى أي حد يملكك الأوروبيون أورق ضغط على الرياض؟
الموقف الأوروبي ليس له وزناً كبيراً في هذه اللعبة. لم نعد في أيام سايكس بيكو، بل وصلنا لما يمكن أن أسميه "يالطا 2". مؤتمر يالطا (الأول) في عام 1945 قسّم العالم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. واليوم دخلت بكين إلى نادي الكبار إلى جانب واشنطن وموسكو. أوروبا لها وزن ولكنه ضعيف، ولا يكف ترامب عن تذكير الأوروبيين بوزنهم الخفيف على الساحة الدولية.
أجرى المقابلة: خالد سلامة
سمير العيطة: محلل اقتصادي وسياسي ورئيس تحرير النشرة العربية لصحيفة لوموند دبلوماتيك سابقاً ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب.