خلفيات أمنية وسياسية وراء تقلبات علاقات نظامي البشير والقذافي
٢٩ يونيو ٢٠١٠قررت الحكومة السودانية إغلاق الحدود البرية مع ليبيا وأوضح إبراهيم محمود حامد وزير الداخلية السوداني في بيان ورد على موقع الوزارة، أن قرار إغلاق الحدود تم إتخاذه بهدف" إيقاف تهديدات المتمردين والخارجين عن القانون الذين يقومون بأعمال النهب وفرض الرسوم والجبايات غير القانونية على السيارات التجارية في الحدود بين البلدين".
من جهتها أعربت وزارة الخارجية الليبية عن "تفهمها" لقرار الحكومة السودانية الذي أعلن عنه أمس الإثنين (28 يونيو/حزيران)، وأكد مسؤول في وزارة الخارجية الليبية بأن " الإخوة السودانيين يعرفون جيدا بأن السودان لن يمسه أي سوء من جانب ليبيا" مشيرا بأن "التعاون مستمر على خير ما يرام" بين البلدين.
وأشارت تقارير إعلامية الى أن التوتر في علاقات البلدين مرده الى وجود خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة احدى الجماعات الرئيسية المتمردة في دارفور، حاليا في ليبيا. وبرأي عمار جفال مدير مركز الدراسات في العلاقات الدولية بجامعة الجزائر، فإن مسألة استضافة طرابلس لأحد قادة التمرد في إقليم دارفور هو السبب المعلن والمباشر للتوتر في العلاقات السودانية الليبية، واعتبر الخبير الجزائري، في حوار مع دويتشه فيله، أن "عوامل النزاع بين ليبيا والسودان عميقة وتعود الى فترة زمنية طويلة".
ورقة نزاع دارفور
ويرى مراقبون أن قرار السودان إغلاق حدوده البرية مع ليبيا، يكتسي أبعاد متعددة، فقد أوضحت وزارة الداخلية السودانية إن قرار اغلاق الحدود يهدف الى "ضمان سلامة أرواح وممتلكات المواطنين في البلدين وكافة المتنقلين وبقصد إعادة تنظيم وانتشار الشرطة". وأشار بيان لوزارة الداخلية السودانية الى جماعات متمردة في دارفور تستفيد من جباية الأموال على المسافرين وخصوصا السيارات التي تتنقل بين حدود البلدين. ولم يشر بيان وزير الداخلية السوداني مباشرة الى مسألة استضافة طرابلس لزعيم حركة العدل والمساواة لكن مصادر في وزارة الداخلية السودانية ذكرت لصحيفة" الشرق الأوسط" اللندنية في عددها اليوم الثلاثاء، إن السبب ربما يكون أيضا في تخوف الخرطوم من نقل جماعة العدل والمساواة المتمردة، عملياتها المسلحة عبر الحدود الليبية السودانية واستهداف العاصمة الخرطوم نفسها.
وكانت أم درمان المجاورة للعاصمة السودانية قد تعرضت في مايو /أيار عام 2008 الى هجوم مسلح أوقع عشرات القتلى، وأصدرت السلطات السودانية مذكرة اعتقال دولية ضد خليل إبراهيم زعيم جماعة العدل والمساواة واتهمته بتدبير الهجوم. واعتبر خبير العلاقات الدولية الجزائري عمار جفال أن انزعاج الحكومة السودانية من استضافة ليبيا لزعيم حركة العدل والمساواة، يمكن اعتباره سببا مباشرا للتوتر الذي تشهده علاقات طرابلس بالخرطوم.
وأوضح جفال أن الجانب السوداني اعتبر أن الخطوة الليبية بمثابة"تشجيع للعناصر المتشددة ضد النظام السوداني ، وذلك على حساب العناصر المعتدلة والتي تجري معها الحكومة السودانية حاليا مفاوضات برعاية قطرية". وأشار جفال في هذا الصدد الى أن السلوك الليبي ربما فُهم من قبل الجانب السوداني على أنه محاولة للضغط على مفاوضات الدوحة أو ربما إفشالها، سعيا لإستعادة ملف مفاوضات دارفور عبر استخدام ورقة الأطراف المناوئة لمفاوضات الدوحة.
وقد سعت ليبيا من جهتها للتقليل من أبعاد قرار السودان إغلاق الحدود البرية، وأعربت وزارة الخارجية الليبية عن"تفهمها للقرار السوداني" لكنها أشارت بأن ليبيا لا يمكنها أن تكون مصدر"سوء موجه ضد السودان". ويذكر أن الزعيم الليبي معمر القذافي سبق له أن لعب دور وساطة بين الحكومة السودانية وجماعات متمردة في دارفور، لكن الدوحة استأثرت في العامين الأخيرين بجهود الوساطة، ويعتقد جفال بأن التنافس الليبي القطري على دورالوساطة في ملف دارفور "عامل مهم في التطورات الحالية التي تشهدها العلاقات السودانية الليبية".
علاقات متقلبة بين القذافي والبشير
وحول قراءته لخلفيات التطورات السلبية في العلاقات السودانية الليبية، وخصوصا أن نظامي الرئيس عمر البشير والزعيم الليبي معمر القذافي كانا يعتبران خلال السنوات الماضية حليفين في المنطقة، يرى جفال أن" التحالفات بين الأنظمة العربية تشهد بإستمرار تقلبات شديدة، بسبب خضوعها لمزاج ومصالح أشخاص وحكام وعدم إستنادها الى مصالح دول أو أسس ثابتة تحكم السياسات الخارجية".
ويذكر أن علاقات نظامي الرئيس عمر البشير والعقيد معمر القذافي كانت قائمة خلال العقدين الماضيين على تحالف وثيق، حيث لعب السودان دورا مهما في تخفيف الحظر الذي كان مفروضا على ليبيا بسبب قضية لوكربي، وشكلت الحدود البرية بين البلدين متنفسا لليبيا من خلال تنقل الأشخاص والسلع، وبدوره لعب الزعيم الليبي دورا مهما في تخفيف العزلة الدولية المفروضة منذ سنوات على نظام الرئيس البشير، وكانت طرابلس من أوائل العواصم التي استقبلت البشير إثرصدور مذكرة اعتقال دولية ضده لإتهامه بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور.
أبعاد أمنية لأزمة الحدود السودانية الليبية
ويعتقد عمار جفال بأن تفاعلات ملف دارفور ليست وحدها ما يفسر التوتر الذي تشهده العلاقات السودانية الليبية، موضحا إن "الحدود السودانية الليبية جزء من منطقة الساحل والصحراء الإفريقية الشاسعة والتي أصبحت تشكل مجالا مفتوحا للمشاكل الأمنية والمخاطر التي تهدد دول المنطقة".
وبرأي الخبير الجزائري فإن من الأسباب غير المعلنة للتوتر القائم حاليا بين ليبيا والسودان، اتخاذ السلطات الليبية إجراءات بسحب حرس حدودها مع دول مجاورة منها تشاد والسودان، وأضاف بأن هذا القرار" أثار انزعاج عدد من دول المنطقة وليس السودان وحده" مشيرا في هذا الصدد الى انتقادات توجهها الصحافة الجزائرية أيضا لقرار السلطات الليبية الذي فهمته بعض دول المنطقة على أنه " تخلي من قبل ليبيا عن مهمتها الأمنية وبالتالي فتح المجال لعمليات التهريب وتنقل عناصر تشكل خطر أمني على دول المنطقة".
لكن الحدود الليبية السودانية لا يتجاوز طولها 400 كيلومترا وهي ليست سوى جزءا محدودا من منطقة صحراوية شاسعة تمتد آلاف الكيلومترات من غرب السودان الى موريتانيا غربا ونيجيريا جنوبا، كما يوضح جفال بقوله" تشكل الصحراء الكبرى منطقة عبور وتهريب وتستخدمها شبكات الجريمة والهجرة غير الشرعية والجماعات الإرهابية لتنقل عناصرها ونقل الأسلحة والمواد المهربة، وهي ظواهر يعتقد الخبير الجزائري بأن مردها بالأساس الى "ضعف الرقابة الأمنية وهشاشة مؤسسات الدول المتاخمة للصحراء الكبرى" وأضاف بأن "شبكات الجريمة والجماعات الإرهابية تستفيد من الفراغ الأمني والتناقضات والنزاعات بين دول المنطقة".
الكاتب: منصف السليمي
مراجعة: حسن زنيند