دانيال بارنبويم: أزمات العالم سببها غياب قيادة مسؤولة
٣٠ أكتوبر ٢٠١٤DW: هذا العام تحتفل أوركسترا الديوان الغربي الشرقي بعيد ميلادها الخامس عشر ما هو تقييمك؟
دانيال بارنبويم: من الجانب الفني، أنظر بإيجابية إلى إنجازات هذه الفرقة خلال تلك السنوات، فالفرقة بدأت كمجموعة من الشباب الذين كانوا يملكون مهارات فنية متفاوتة، واستطاعت أن تثبت نفسها وأن تخطوا نحو مسارح عالمية بخطى واثقة، كما هو الحال في مهرجانات بسالزبورغ وبرلين ولندن.
أما من الناحية غير الموسيقية، فإنجازاتها أقل إثارة للإعجاب، وستأخذ الفرقة حجمها الحقيقي في ذلك اليوم المنشود، الذي ستعزف فيه بليبيا وسوريا والأردن ومصر وإسرائيل وفلسطين وتركيا وإيران، وهي الدول التي ينتمي إليها أعضاء الفرقة. في عام 2005 قمنا بالعزف لمرة واحدة فقط في فلسطين، إلا أن الأمر غير وارد في الفترة الراهنة.
في الصيف الماضي تفاقمت أوضاع الشرق الأوسط بشكل كبير. هل انعكس ذلك على التعاون بين أعضاء الأوركسترا؟
في البدء كانوا مترددين ما إذا كان عليهم السفر والمشاركة أم لا، إلا أنهم جاؤوا جميعاً. الأيام الأولى لم تكن سهلة أبداً، فالفلسطينيون والإسرائيليون كانت لهم وجهات نظر متباينة بخصوص حرب غزة. كانت لحظات صعبة للغاية، فمن غير المتوقع أن يشعر فلسطيني بمعاناة عائلة إسرائيلية تشعر أنها مهددة. كما أنه من الصعب أيضاً على إسرائيلي إن يشعر بمعاناة عائلة فلسطينية تعيش أحداثاً سيئة في غزة، ألا أن التعاطف شيء والشفقة شيء أخر. قلت لهم إن لم يكن يوجد في هذا الفريق أي إسرائيلي لا يشفق على الفلسطينيين في غزة، فهو غير مرحب به في الأوركسترا. وإن كان هنالك عربي لا يشعر بمعاناة الإسرائيليين، فمن الأفضل له أن يذهب، فتفسير الأحداث التاريخية والواجب الأخلاقي للشفقة شيئان مختلفان.
ألم يحدث جدل بين أعضاء الأوركسترا؟
نحن لا نتبع في عملنا مشروعاً سياسياً، بل بشرياً، ولا نسعى إلى توافق سياسي بين أعضاء الأوركسترا البالغ عددهم 120 شخصاً. هذا أمر مستحيل، ولكن نحاول أن نجعلهم يتقبلون وجهات نظر الآخر والتمعن بها، وبأن نجعلهم يبذلون مجهوداً لتفهم الأخر، حتى لو لم يتفق معه في الرأي.
التقت DWمؤخراً بالكاتب الإسرائيلي عاموس عوز، الذي استهل اللقاء بالسؤال التالي: "ماذا سوف تفعل عندما تجد جارك يجلس على الشرفة المقابلة وبحضنه طفله ثم يبدأ بإطلاق الرصاص على حجرة أطفالك؟". سيد بارنبويم هل تستطيع الإجابة على هذا السؤال؟
كثير من الإسرائيليين وليس جميعهم، بارعون بطرح أسئلة عن التزامات الآخرين، ولكن لا يقومون بنفس الشيء مع أنفسهم والسؤال عن التزاماتهم الشخصية، ونحن إذا أردنا الحديث عن التاريخ لن يمكننا الإشارة فقط إلى الشهر السابع الماضي فقط، بل يجب علينا الوصول إلى أبعد من ذلك بكثير، وللوصول إلى صورة أفضل للفهم يجب وضع الإبعاد التاريخية المناسبة، وبالتحديد إلى فترة الحرب العالمية الثانية، وما تبعها من أحداث، عندما كان اليهود لا يشكلون سوى 15 بالمئة من سكان فلسطين. كيف أصبحوا يملكون الدولة الآن وأن يكون الفلسطينيون أقلية في بلدهم وأن يتشردوا ويصبحوا لاجئين؟
لا بد للطرفين من طرح أسئلة عما حدث بالماضي، إلا أنه للأسف لا توجد إجابات واضحة عنها، ماذا بقي من اجتياح غزة بغض النظر إن كانت العملية دفاعاً عن النفس أم لا، وإن كان الرد مناسبا أم لا، خلفت قتلى وجرحى من بينهم أطفال ونشرت الكراهية لأجيال عديدة. من الصعب الحديث عن الكراهية بين الكبار، فما بالك بالكراهية لدى الأطفال. العملية في غزة خلفت للفلسطينيين مآسي، والنتيجة لإسرائيل أنها وضعتها على نقطة البداية. رئيس الوزراء الاسباني السابق فيليب غونزالس سمى الوضع بأنه غير محسوم وبشكل دائم.
هل تعتقد أن الصراع بعد الحرب الأخيرة على غزة الصيف الماضي سيُنظر إليه بشكل مختلف على المستوى الدولي؟ فقد أعلنت السويد أنها ستعترف بفلسطين دولة، وقامت بريطانيا بتصويت رمزي على ذلك أيضاً. وفرنسا أعلنت عن دراستها لخطط الاعتراف بدولة فلسطين أيضاً، إذا ما فشلت عملية السلام؟
التعامل الدولي مع هذه القضية ضروري جداً، لكن المهم والضروري هنا هو مستوى حياة الأشخاص، الذين يعيشون في المنطقة. وما يتعلق بإسرائيل، فإن الضغط الخارجي ضعيف حقاً. ويجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها. وفي حال وجود إرادة أمريكية، فسيحل الصراع خلال ثلاثة أيام فقط، من خلال الضغط على الحكومة الإسرائيلية. وأنا هنا لا أتحدث عن دولة إسرائيل، بل عن الحكومة الإسرائيلية. العالم الغربي بأسره ألتزم بوجود دولة إسرائيل وأمنها. وهو شيء عادل خاصة بعد حدوث المحرقة. ولكن هذا لا يضمن شيئاً آخر سوى "عدم الحسم الدائم" الذي ذكرته سلفاً. وما يعاني من جرائه العالم. لذلك، إذا ما أراد المجتمع الدولي الاهتمام بشكل صادق وأمين قبول المصير اليهودي، فيجب عليها أن تكون واضحة بأنها فقط ستساهم في حالة "عدم الحسم الدائم"، في حال اختارت تقديم الدعم السياسي للحكومة الإسرائيلية.
في عام 2010 ذكرت بعض الضوابط، التي ينبغي على الولايات المتحدة بموجبها إدارة الصراع. مر بعض من الوقت منذ ذلك التاريخ. هل كانت لديك أمال أكثر فيما يخص سياسات أوباما تجاه الشرق الأوسط؟
لا زلت أذكر خطابه من القاهرة، وقتها أحسست أنه سنرى أخيراً ضوءا في نهاية النفق، لكن الواقع لم يتغير بناء على هذا الخطاب، بل تكيف الحوار مع الواقع منذ ذلك الحين.
الصراع في غزة تراجعت أهميته في نشرات الإخبار، هل أنت قلق من أن تفقد العملية السياسية زخمها ومعناها بانشغال وسائل الإعلام بدلاً من ذلك بالتهديدات الصادرة عن تنظيم "الدولة الإسلامية" أو وباء ايبولا؟
منذ سقوط جدار برلين قبل 25 عاماً والعالم يشكو من غياب القيادة. فأثناء الحرب الباردة كان يوجد نوع من التوازن، بعدها أصبحت الكفة مائلة، وخطا الغرب خطى النصر بطريقة غير مدروسة، وكأن الرأسمالية أصبحت الجواب لأي معاناة في هذا العالم. ومع فقدان الواجب الأخلاقي للولايات المتحدة نجد أنفسنا في لحظة تاريخية فريدة، تنتشر فيها صراعات مختلف كتنظيم "الدولة الإسلامية" والإرهاب في أفغانستان، والأوضاع في أوكرانيا، والصراع العربي-الإسرائيلي. مشاكل تكبر وتتبدل، وهذا ليس معناه أن القادة الحاليين لهذا العالم لا يهتمون بهذه المشاكل، بل أنها موجودة لغياب قيادة فعلية تملك زمام الأمور والقدرة على التأثير، بشكل يجعلها قادرة حل الصراع. وهذا ما ينقصنا منذ سقوط الجدار حسب رؤيتي.
سيد بارينبويم، آنت من الموسيقيين البارزين، لماذا ترى أنه من المهم بالإضافة إلى الموسيقى الانشغال بمشاكل العالم؟
صديقي ادوارد سعيد كتب كتاباً عن دور المثقف والمجتمع، وقال سعيد إن المثقف لديه مسؤولية أخلاقية لانتقاد المؤسسة (الدولة). في عالم الموسيقى هنالك العديد من الأشخاص من مبدعي الموسيقى ومن الجمهور من يعتقد بأن الموسيقى شيء رائع وأنها تسكن في قصر عاجي. أنا لا أحب أن أسكن في قصر عاجي، عندي إحساس بالمسؤولية لأوركسترا الديوان الغربي الشرقي. والديمقراطية التي نعيشها في هذا القسم من العالم تمنحنا الحقوق ولكنها أيضاً تفرض علينا واجبات.
هل تريد العمل في السياسة؟
لا أبداً، ولكني كمواطن لدي الحق في التعبير عن رأيي. وهنا قد نأتي للموضوع الحساس، ألا وهو مصطلح العداء للسامية، فلا يمكن وصفي بشكل تلقائي من قبل البعض بأني ضد السامية، لأني أنتقد الحكومة الإسرائيلية. يجب علينا هنا أن نؤكد على أمرين، وهما إن الفلسطينيين هم أيضاً ساميين تماماً مثلنا نحن اليهود، والأمر الثاني، ننتقد الحكومة وليس الشعب.
أجرت الحوار: ماريا سانتاسيسيليا
ترجمة: علاء الدين جمعة
ولد دانيال بارينبويم عام 1942 في مدينة بيونس ايرس الأرجنتينية، وأسس مع المثقف الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد عام 1999 أوركسترا الديوان الغربي الشرقي، والتي استقطبت موسيقيين من اسبانيا وفلسطين وإسرائيل ولبنان وسوريا والأردن ومصر وإيران. وهو منذ عام 1992 مايسترو أوبرا (اونتر دير لندن) في برلين. ومنذ عام 2011 مدرب في قاعة سكالا في ميلانو الإيطالية.