النساء في تنظيم مونديال قطر.. مهام هامشية ومتطوعات بدون أجر
١٤ ديسمبر ٢٠٢٢بعد الظهيرة حين تخف أشعة الشمس وطأتها ينطلق الناس للتجول في الدوحة عاصمة دولة قطر، الناس هنا خلال المونديال ، أعني بهم جماهير الكرة الأجانب القادمين من بلاد بعيدة، أما القطريون أنفسهم فيظهرون في الأسواق بأعداد أكبر في وقت متأخر من المساء، ربما بسبب طبيعة أعمالهم، وبطبيعة الحال بسبب حرارة النهار.
بين هؤلاء وأولئك أحاول البحث عن المرأة، فكثيرا ما ظهر أمامي جمع غفير من الرجال، غربيون، عرب، قطريون ، ولا أثر لامرأة واحدة في جمع غفير بوسط سوق مكتظ في يوم من أيام أكبر تجمع رياضي!
متطوعات في خدمة الفيفا!
هناك نسوة يظهرن حين التوجه إلى الملاعب أو استعمال المترو، لكنهن لسن قطريات، من جنسيات عربية وآسيوية. شابات متطوعات أو عاملات في فريق التنظيم.
حين التوجه إلى أي ملعب يلاقي المرء جيشا من الأشخاص يقفون خلف أو أمام حواجز طويلة، غالبا ما تكون حول مداخل الملاعب أو قرب بوابات المترو أو حتى في المترو نفسه.
هدى (اسم مستعار) كانت تقف قرب حاجز يؤدي إلى ملعب، عربية تدرس في جامعة قطرية، توقفت عندها وسألتها عن عملها بالضبط؟ أجابت إنها تعمل في تنظيم الجماهير وتوجيههم إلى الملعب وخارجه. وحين سألتها عن أجرها الذي تأخذه لقاء هذا العمل، كانت إجابتها أنها "متطوعة".
متطوعة؟ أثار الجواب استغرابي، فقطر دولة غنية وليست بحاجة إلى متطوعين. أجابت أنها تريد المشاركة في هذا المونديال ولو على شكل متطوعة. سألت أخريات عن سبب تطوعهن فكان الجواب أنهن يرغبن بعمل شيء ما في هذه البطولة، فالجنسيات التي تأتي إلى البلاد مختلفة ويمكن التعرف على كثير من الناس، أغلب المتطوعات شابات بعمر العشرين أو أقل، مقيمات في قطر أو ولدن في قطر من أبوين مهاجرين، ولم ألتق بأي سيدة قطرية تعمل متطوعة.
ولكن احتمال لقاء سيدات قطريات في دوائر الدولة الرسمية وارد جدا.
عند الدخول إلى الملاعب لا يعبر المرء إلا بعد المرور من تفتيش بجهاز إلكتروني وفحص ما في الحقائب، في هذه البوابات يعمل رجال ونساء، من دول عربية أو آسيوية، أغلب من شاهدتهم كانوا من السودان، مصر، ودول شمال أفريقية، النساء هناك كلهن محجبات يرتدين ملابس الشرطة، بعضهن يتحركن في المنطقة الفاصلة بين هذه البوابات والحواجز ويركبن سيارات صغيرة. إجراء لقاء معهن أمر بالغ الصعوبة، إذ تقول الأوامر: "لا حديث مع الإعلام"!
نفس الأمر سمعته من شابة "متطوعة" تعمل داخل هذه المنطقة في مركز إعلامي. لكنها سمحت لنفسها بإجراء حوار معي بعد معرفتها أنني عربي، سارة (اسم مستعار) قالت إنها تطوعت للعمل. سألتها إن كانت تحصل على راتب رمزي حتى، أجابت بالنفي! وأوضحت بالقول: "قدمت طلبا للتطوع، أجرة السفر من بلدي إلى هنا والعودة على حسابي، السكن والمأكل والمشرب على حساب الفيفا"، سألتها مع من كان تواصلها للتطوع؟ أجابت: "فيفا" طلبت أن أجري لقاء معها بالفيديو فرفضت، لأن الأوامر تقول: "لا حديث مع الإعلام"!
داخل الملاعب وحولها يقف متطوعات ومتطوعون لصالح الفيفا ، وفي نفس المناطق هناك موظفات تابعات لوزارة الداخلية القطرية، خارج الملاعب تعود سلطة التوظيف إلى دولة قطر، فكل من سألتهن عن عملهن ممن يعملن في فريق التنظيم، قلن إن لديهن عقود لأشهر معدودة قبل وخلال المونديال وينتهي الأمر مع نهاية البطولة. يذكر أن رئيس الفيفا انفانتينو أعلن أن أرباح الفيفا ارتفعت بشكل قياسي هذا العام وبلغت 7.5 مليار دولار. والرقم سيتصاعد ربما مع نهاية المونديال.
"البَطًّولة"
لعل الدور الأكثر بروزا للمرأة خلال المونديال هو في تشجيع منتخبات بلدانهن، وحضورهن يعتمد غالبا على ثقافة مجتمعاتهن. أغلب المشجعات ممن حضرن مرحلة ما بعد المجموعات هن من الأرجنتين، البرازيل والمغرب، يقفن من الرجال صفا بصف ويتفاعلن بقوة مع كل فرصة تسجيل هدف. وحين تنتهي المباراة يتوجهن، كما هو حال الرجال، إلى الأسواق لقضاء مساء جميل، خصوصا وأن طقس الدوحة بدأ ينحو إلى البرودة مساء.
كثير من المشجعات المغربيات يعشن فعليا في أوروبا وقدمن إلى الدوحة لتشجيع المنتخب المغربي، أما المشجعات من البرازيل والأرجنتين فالمسافة إلى الدوحة بعيدة جدا عن بلدانهن، ورغم كل التعب والتكلفة الباهظة جئن لتشجيع المنتخبات في مونديال خفت فيه الحضور النسائي كثيرا مقارنة بمونديالات سابقة.
في جانب معين من سوق واقف، حيث مقاهي شيدت بطراز قديم ومواد حديثة، يجلسن نسوة قطريات يشاهدن المشجعين يرقصون فرحا بفوز منتخب بلادهم، وفي زاوية أخرى خارج السوق، تجلس سيدة سودانية طاعنة بالسن تصنع خبز "الركاك" للسواح والقطريين وتضع "البَطًّولة" (أشبه بالبرقع) على وجهها، حين سألتها، إن كانت النساء في السودان يرتدين "البَطًّولة"؟ أجابت وهي تحضر معدات العمل: "نعم، نرتدي أشياء شبيهة أيضا".
عباس الخشالي ـ الدوحة