دول الاتحاد الأوروبي حقل خصب للمخابرات الأجنبية
٢ مارس ٢٠٠٦عرض الأمين العام للمجلس الأوروبي تيري ديفيس يوم أمس الأربعاء (1 مارس/ آذار 2006) في مدينة ستراسبورغ التقرير الختامي بشأن تورط وكالة المخابرات الأمريكية في عمليات احتجاز إرهابيين إسلاميين مُفترضين في سجون أوروبية سرية. واستهل ديفيس عرضه بتوجيه انتقاد صريح لتلك العمليات ولبعض الدول الأوروبية التي لم تتعاون بالشكل الكافي مع لجنة التحقيق. ويذكر أن التحقيق يهدف بالدرجة الأولى إلى تحديد ما إذا كانت الدول الأعضاء تحترم الشرعية الأوروبية لحقوق الإنسان لأن اختطاف مواطنين أو حجزهم دون محاكمة يعتبر خرقا لها. ومما جاء في حديث ديفيس أن أوروبا أصبحت حقلا جيدا لنشاط المخابرات الأجنبية. وفي هذا الإطار أظهرت التحليلات أن جل الدول الأوروبية تفتقر إلى القوانين الكفيلة لمراقبة أنشطة الاستخبارات الأجنبية فوق أراضيها. ومما يعنيه ذلك فتح المجال أمام عملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي أي إيه) وغيرهم كي يقوموا بعمليات خطف، مثل تلك التي تعرض لها أحد المواطنين المصريين في مدينة ميلانو، دون علم السلطات الوطنية ودون قيود تذكر.
تقيد نشاط المخابرات الأجنبية
شمل التقرير الأوروبي كذالك في طياته نقدا لمراقبة المجال الجوي الأوروبي، إذ أشار إلى ثغرات داخل نظام مراقبة الرحلات الجوية المدنية تم استغلالها من قبل عملاء ا(السي أي إيه) لنقل سجناء عبر المطارات الأوروبية دون علم سلطاتها. تلك الرحلات لم تخضع في أي بلد أوروبي، حسب ديفيس، إلى مراقبة دقيقة. ويعود ذالك بالدرجة الأولى إلى انعدام الغطاء القانوني اللازم. فعملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية كانوا يتحركون دون قيود. بما أنهم يعدون كموظفين مدنيين لدى الحكومة الأمريكية لم يكن هناك داعي لتبليغ الأجهزة الرسمية في أوروبا حول دخولهم التراب الأوروبي من الوجهة القانونية. إلا أنه بات من الضروري، على ضوء فضيحة السجون السرية لوكالة الاستخبارات الأمريكية سد تلك الثغرات القانونية. حيث يرى رئيس المجلس الأوروبي أنه يتعين على أوروبا التعجيل في وضع قواعد جديدة في ذالك الشأن لتفادي تكرار تلك التجاوزات وضبط نشاط المخابرات الأجنبية فوق التراب الأوروبي.
انتقاد بعض الدول الأوروبية
رغم الانتقادات اللاذعة التي وجهها ديفيس لأنشطة الاستخبارات الأمريكية داخل أوروبا إلا أنه تجنب بشكل واضح عدم ربط انتقاداته للثغرات الأمنية بالحرب على الإرهاب التي تقودها أوروبا مع الولايات المتحدة الأمريكية جنبا إلى جنب. لا بل انه دعا إلى ضرورة استمرار تعاون الجانبين في المجال الأمني. وقال في هذا الجانب "إني أدعم كل تعاون بين أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب". لكن المسؤل الأوروبي أكد كذالك أن التحالف والتعاون الأوروبي الأمريكي لا يعني التبعية المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية.فيما ذالك اغتنم الأمين العام لمجلس الإتحاد هذه المناسبة للتأكيد على استقلالية أوروبا.
أما فيما يتعلق بمسألة تعاون الحكومات الأوروبية مع لجنة التحقيق وجه ديفيس انتقادات إلى كل من بولندا والبوسنة ومقدونيا وايطاليا. الدول الأربعة قدمت للمحققين الأوروبيين أجوبة غامضة وغير كافية على سلسلة أسئلة وجهها المجلس في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي إليها لتبيان معرفتها برحلات سي أي إية عبر مطارات أوروبية كانت تقل معتقلين وعن مراكز اعتقال سرية فوق الأراضي الأوروبية. خصوصا وأن تقرير أولي للمحقق الخاص للمجلس الأوروبي، ديك مارتي، ضم أسماء تلك الدول بعد ان وردت أدلة دامغة حول عمليات اختطاف قامت بها أجهزة المخابرات الأمريكية فيها. وناشد دافيس الدول الأربع التعاون مع المحققين وتقديم توضيحات أوفر حول تلك الأحداث.
إمكانيات محدودة للاتحاد الأوروبي
رغم الانتقادات القوية التي وجهها المجلس الأوروبي لبعض الدول إلا أن المجلس يفتقد إلى الإمكانيات والصلاحيات اللازمة لدفعها للإدلاء بالمعلومات الضرورية التي قد تساعد في كشف الحقيقة بأكملها. ويظل الطريق الوحيد حسب خوان ميرنر من منظمة حقوق الإنسان Human Right Watch في ممارسة الرأي العام الضغوط اللازمة للتوصل إلى مزيد من الشفافية وأضاف : "إننا منبهرين جدا لسرعة تحرك المجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي بشأن هذه المسألة. لكنه غير مؤكد ما إذا كانت تلك التحقيقات تحظى بالنفوذ الضروري لتحقيق نجاح في ذاك الشأن". وتعد المانيا من الدول القلائل التي أظهرت شفافية في ردها على استفسارات المجلس الأوروبي. هذا ما دفع الأمين العام لمجلس الإتحاد الأوروبي، تيري ديفيس، للإشادة بالحكومة الألمانية والقول ان المعلومات التي قدمها المسئولون الألمان كانت دقيقة وشاملة.
المصداقية الأوروبية تحت المحك
تشكل انعكاسات الرحلات السرية للاستخبارات الأمريكية إحدى النقاط الهامة التي تطرق إليها التقرير الختامي لمجلس الإتحاد الأوروبي. فقد حذر ديفيس من أن تنعكس تلك الفضيحة سلبا على مصداقية الإتحاد ووصفها بالخطرة. كما وعد بالاستمرار في التحقيقات مع الدول التي كان ردها على استفسارات المجلس الأوروبي ناقصة أو غير كافية. بالإضافة إلى ذلك تعهد المسئول الأوروبي بالكشف عن الثغرات القانونية ومراجعة قوانين الملاحة الجوية. وأخيرا أشار ديفيس إلى أن الحصانة الدبلوماسية لا تعني الحصانة من العقوبات.
طارق أنكاي